نور الدين محمود زنكي
وصلت الصليبيون إلى العالم الإسلامي في عام 1095 م واحتلوا أجزاء كبيرة من الشام واستولوا على بيت المقدس. تصدى العديد من القادة العظماء لتهديد الصليبيين وتمكنوا من تحرير العالم الإسلامي من قبضتهم، ومن بين هؤلاء القادة العظماء الذين ساهموا في هزيمة الصليبيين كان القائد العظيم نور الدين محمود زنكي، وهو أحد أهم القادة الذين قاوموا وتصدوا للصليبيين في الشام .
نشأته : ولد نور الدين محمود في حلب عام 511 هـ 1118 م ، وهو الابن الثاني لعماد الدين زنكي، مؤسس الدولة الزنكية. نشأ وتعلم تحت إشراف والده، حيث درس القرآن الكريم والفروسية والرمي. تزوج من عصمة الدين خاتون وأنجب منها طفلين هما إسماعيل، الأكبر والذي تولى الحكم بعده، وأحمد الذي توفي وهو طفل صغير. بعد وفاة والده، تم تقسيم الحكم بينه وبين أخيه سيف الدين غازي. تولى نور الدين محمود حكم حلب، بينما تولى سيف الدين غازي حكم الموصل. كان هدف نور الدين الأول بعد توليه حكم حلب هو رفع راية الإسلام عاليا ومواجهة الخطر الصليبي، واستعادة أملاك المسلمين التي استولى عليها الصليبيون .
حكمة : نور الدين كان حاكما عادلا ومهتما بشؤون مواطنيه وأحبائهم، وكان لا يأخذ الزكاة من رعيته، وقد قام بتوزيع قطع من الأراضي على العرب في البادية لضمان عدم إعاقتهم لحركة الحجاج أو نهبهم، وقد بنى الكثير من المدارس والخانات على الطرق، وكان متسامحا ومتواضعا وعادلا بشدة، ولذلك حصل على لقب “الملك العادل .
جهاده ضد الصلبيين : منذ تولي نور الدين محمود الحكم، كان يهدف إلى مواجهة خطر الصليبيين وتوحيد المسلمين للقضاء عليهم، وكان يرغب في تحرير جميع الأراضي التي سلبت من المسلمين من بينها بيت المقدس .
وبدأ نور الدين حروبه مع الصلبيين من خلال هجمات شنها على أمارة أنطاكية الصلبية، حيث تمكن من الاستيلاء على عدة قلاع في الشام. ونجح في إحباط محاولة (جوسلين الثاني) لاستعادة مدينة الرها التي فتحها والد عماد الدين زنكي. وعندما وصلت الحملة الصلبية الثانية إلى الشام في عام 1147م، تأثرت بشكل كبير بتدخل نور الدين وأخيه سيف الدين غازي وتعرضت للعديد من الهزائم. استغل نور الدين فشل الصلبيين وانهيار هيبتهم وتوحد المسلمين وقوتهم ورفع معنوياتهم لتحقيق النصر عليهم في حملتهم الثانية. فحاصر دمشق وسيطر عليها، وسقطت عسقلان في يديه. وفي عام 544هـ/1149م، استعاد قلعة حارم الموجودة على الضفة الشرقية لنهر العاصي، ثم حاصر قلعة أنب وبعد حرب شرسة مع الصلبيين تمكن من استعادتها، ففرح المسلمون بهذا النصر بفرحة عظيمة .
رغبته في السيطرة على مصر : كان نور الدين محمود يعلم أن المسلمين لن يتمكنوا من استعادة بيت المقدس إلا بتوحيد مصر والشام معا. وفي ذلك الوقت، كانت مصر تحت حكم الفاطميين، وكان هناك العديد من الخلافات بين نور الدين والفاطميين بسبب اختلاف المذهب، حيث كانوا يتبعون المذهب الشيعي في حين كان نور الدين يتبع المذهب السني. وبالتالي، كان من المستحيل تحقيق توحيد مصر والشام تحت حكم الفاطميين. لذلك، كان نور الدين يرغب في السيطرة على مصر وضمها لملكيته. لذا، قام صلاح الدين الأيوبي وعمه أسد الدين شريكوة بالذهاب إلى مصر. تمكن شريكوة من أن يصبح وزيرا للخليفة الفاطمي العاضد، ولكنه توفي بعد شهرين فقط من توليه الوزارة. وتولى صلاح الدين الأيوبي الوزارة بعده، ونجح بعد فترة من إسقاط الدولة الفاطمية وقطع الدعم للخليفة العباسي. وبهذا، تمكن نور الدين محمود من ضم مصر، وباستمرار ضمها لمصر، نجح في تحقيق خطته وبدأ في التحضير لاستعادة بيت المقدس. ومع ذلك، توفي قبل تحقيق هذا الحلم .
وفاته : توفي في اليوم الحادي عشر من شهر شوال عام 569 هـ / 15 مايو 1174م، وكان عمره 59 عاما عندما تعرض لنوبة قلبية أودت بحياته. ودفن في منزله في قلعة دمشق، ثم تم نقل جثمانه إلى المدرسة النورية في دمشق. وبوفاته، فقدت الأمة الإسلامية قائدا عظيما كان هدفه الأسمى هو تعزيز رفعة الإسلام .