نصوص عربية مشكولة للأطفال
تعد اللغة العربية إحدى أكثر اللغات السامية انتشارا في العالم، وتعتب اللغة الرسمية في جميع دول الوطن العربي، بالإضافة إلى أريتريا وتشاد. يقدر عدد المتحدثين بها بحوالي ٤٢٢ مليون شخص، وتعتب إحدى اللغات الست الرسمية المعتمدة في منظمة الأمم المتحدة. في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لاعتمادها في منظمة الأمم المتحدة .
قصص مشكولة لتعلم اللغة العربية
الفَرَاشَةُ
تحلق فراشة ملونة في البستان، تبهج الإنسان بجمالها، وتحركاتها مرتبة وأهدافها واضحة، فهي تحوم بانتظام وتهبط بنعومة، وتنشر السلام. تطير الفراشة الملونة بلا انقطاع، وتملأ البقاع في النهار المشرق، وتفضل الورود المزروعة وتتغذى عليها حينما تشعر بالجوع، وتمتص رحيق الأزهار، وتحيي جني الأشجار، وتحلق بانتظام من وردة لأخرى.
فراشة ملونة تعطي بلا فائدة، همها إطعام الجياع، تحاكي الجمال، ترسم الإبداع.. تعيش في سلام. صحيح أنها ضعيفة.. ضعيفة، لا تملك قوة ولا حيلة، فسبحان الذي منحها ألوانها الفريدة ومزاياها المتعددة، فدورها كبير، بالرغم من صغر حجمها، سبحان الذي منحها فوائدها العظيمة، هل نستطيع أن نتعلم صفاتها الحميدة ونعيش مثلها في سلام.. وتنظيم.. ووئام؟ حياتنا ستكون مريحة، وثرواتنا مضمونة، وصمتنا سيكون مثمرا.. وصمتنا سيكون إعطاء.. وصمتنا سيكون كلمة.
السِّرُّ الجَمِيْلُ
فُلّةُ تَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ مَفْقُودٍ، سَأَلَتْ ماما، سَألت بابا.. وَسَأَلَتْ أَخَاهَا الحَبُّوبْ. فُلَّةُ بَحَثَتْ فِي غُرْفَتِها، وفي كُلِّ أَنْحَاءِ مَنْزِلِها، ما سِرُّ بَحْثِها؟ تُرى ماذا ضَيَّعَتْ فُلَّة؟ صَاحَتْ بِكُلِّ قُوَّتِها: وَجَدْتُهُ، كِتابي… وَهُوَ هَدِيَّةُ جَدَّتي، فَأَنا لا أَتْرُكُ عَادَتي، قِرَاءةٌ في وَحْدَتي لِكَيْ أُحَقِّقَ غَايَتي، وهذا سِرُّ فَرْحَتي.
عزُّوزُ الفَنّانْ
اسم صديقي هو عزوز، يحب الرسم والألوان، ويغني بفرح دائما، ويمسح دمعة الأحزان. لم أر في حياتي شخصا مثله يرسم الأحلام. في إحدى المرات التي كنا معا، جلست معه في غرفته وكان يرسم لوحة جميلة، وأخبرني عن أحلامه، وأظهر لي رسوماته. هذه الرسمة لقصر يريد بناؤه، وتلك الرسمة لطائر يحب أن يربيه، وكذلك جامعة يريد الالتحاق بها، وطائرة، وسفينة، وسيارة… كلها أحلام تحيا في قلبه. حلمت مثله… ما أجمل الأحلام، لو كنت أعرف الرسم لأظهر له أحلامي الكبيرة… الكبيرة… مثل سحابة مطيرة، أو كبحر عميق يسبح فيه الأسماك.
الحِمَارُ المُفَكِّرُ وَالحِمَارُ الشَّاعِرُ
حِمَارُنا الصَّغِيرُ، يَظُنُّ نَفْسَهُ مُفَكِّرٌ كَبيرٌ، يَرْفَعُ رَأْسَهُ، يُحَرِّكُ أَنْفَهُ، يَمْشي كَأَنَّهُ؛ قَائِدٌ خَطِيرٌ. حِمَارُنَا حَمّورْ.. يُحِبُّ أَنْ يَسيرَ فِي اليَوْمِ المَطِيرِ، فَتَغْسِلُ المِيَاهُ ثَوْبَهُ النَّضِيرُ. حِمَارُنَا لَطِيفٌ.. يَبْدو دائماً في مَظْهَرٍ نَظيفٍ، شَكْلُهُ جَميلٌ، ذَيْلُهُ طَويلٌ، يُلاَمِسُ الأَرْضَ بِشَعْرِهِ الحَريرْ. حِمَارُنا وَدِيعٌ، يُحِبُّهُ الجَمِيعُ، يَعْمَلُ بِاهْتِمَامٍ، بِصَمْتٍ ونِظَامٍ… ولا يَنَامُ قبل إنْجَازِ العَمَلِ. حِمَارُنا نَشيطٌ.. يَقُومُ في الصَّبَاحِ.. يَغْدُوا مَعِ الفَلاَّحِ، ويعودُ في المَسَاءِ بِسِلالِ التُّفَاحِ.
حمارنا حمور.. صامت وصبور.. يتسلق الجبال وينزل الأودية.. في أرضنا يجتهد بكل جد وحماس.. لا يعرف السكون، لا يعرف الملل، حياته مليئة بالإنتاج.. صمته هو الوفاء.. عينيه تحمل الأمل.. هل رأيت مثله في الماضي؟ هل رأيت من قبل حمارا شاعرا؟ حمارنا حمور.. حساس المشاعر.. يسمع غريد الطيور في حديقة الزهور.. يشم عبيرها، ويميز بينها كأنه خبير في أنواع العطور..
حمارنا هو حمور، يحب البقاء مستيقظا تحت الشجرة في ظل القمر. يراقب النجوم ويسامر الغيوم. حمارنا الصغير، يمكنك رؤيته في المساء وهو يلعب مع الهواء ويستمع للريح وتلمس الأغصان ويحمل الريحان. يغني للقمر، حمارنا هو شاعر، مليء بالمشاعر. إذا كانت طائرة صغيرة تصدح بصوتها بألم، يصاب بالحزن ويعيش في ندم. يساعد الجميع، سواء كانوا كبارا أو صغارا. إذا جرح أحدهم، يسقط دمعة ويدعو في هدوء أن يهدي الله الظالم الحاقد ويمنح الله الرزق لجميع البشر..
الصَّيَّادُ الصَّغِيرُ
أبو نبيل صياد فقير… يخرج كل صباح باكرا إلى الشاطئ القريب لصيد بضعة أسماك، ثم يبيعها بثمن قليل لشراء الطعام أو بعض الاحتياجات البسيطة له ولأسرته. في يوم من الأيام، عاد أبو نبيل حزينا لأنه لم يتمكن من صيد سمكة واحدة حتى الآن. عندما استيقظ نبيل، لاحظ حزن والده، فقرر مساعدته ووعده بصيد سمكة كبيرة ليبيعها بثمن مرتفع بعد ذلك.
خرج نبيلْ بكلِّ نشاطٍ إلى الشاطىءِ وقَضَى وقتاً طويلاً يواجِهُ البحرَ وينتظرُ بصبرٍ اصْطِيَادَ السَّمَكَةِ التي كانَ يَتَوقَّعها.. وفجَأةً اهتَزَّتْ شَبَكَتُهُ بِقُوّةٍ، وبعدَ أنْ سَحَبَهَا بِقُوّةٍ، ظَهَرَت لَهُ سَمَكَةٌ ضَخْمَةٌ، فَحَمَلَها بِسَعادَةٍ ورَكَضَ إلى أَبيهِ لِيُقَدِّمَها إليهِ، شَعَرَ أبو نبيلْ بِفَخْرٍ وفَرَحٍ لِمَا فَعَلَهُ ابْنُهُ نبيلْ، ثُمَّ ذَهَبا إلى السُّوقِ وبَاعَا السَّمَكَةَ بِثَمَنٍ مُرْتَفِعٍ وعادا إلى البيتِ سَعِيدَيْنِ مُحَمَّلاَنِ بِالطعامِ وحاجاتٍ مُخْتَلِفَةٍ..
قصص طويلة
دَلالُ لا تُحِبُّ المَدْرَسَةَ
بعد سنوات قليلة سأدخل الجامعة، فهي رحلة شاقة طويلة، فأيام الدراسة صعبة.
اشكري ربك يا دلال، فالآلاف من الفتيات في سنكِ لا يعرفن القراءة والكتابة.
تعبّر عن شكري لله دائمًا، ولكنني أشعر بالاضطراب… ألا يحق لي التعبير عن حزني؟.
هل تلاحظين دائمًا أنك تشعرين بالاضطراب؟ تبحثين عن أي شيء لتشعري بالتذمر؟ أخشى أن تشعري بالتذمر من نفسك غدًا إذا لم تجدي ما تشعرين به.
تعتريها الإحراج، وتقول: «واو.. منكِ يا كريمة.. أنا لا أختلط الجد بالهزل.. أنتِ تعرفين ماذا أقصد بالتحديد..».
– قالَتِ المدرِّسةُ: «صَبَاحُ الخَيْرِ يا بَنَاتْ.. كَيفَ أَصْبَحْتُنَّ الْيَوْمَ؟ أَرْجُو أَنَّكُنَّ أَخَذْتُنَّ قِسْطاً مِنَ الرَّاحَةِ في العُطْلَةِ الأُسْبُوعِيَّةِ، لِنَبْدَأَ أُسْبُوعاً جَديداً مَليئاً بِالنَّشَاطِ.. الإِمْتِحَانُ الشَّهْرِيُّ عَلَى الأَبْوَابِ؟».
– الجميعُ بِصَوْتٍ واحدٍ: «نَعَمْ.. نَعَمْ.. كُلُّنَا على اسْتِعْدَاد».
– قَالتْ دلالُ في سِرِّها: مرائيات كثيرة، أدرك أنكن تمقتن الامتحانات وتسعين لإرضاء المدرسة، وأنا لا أحب هذه التكتيكات.
– تَنْتَبِهُ المدرِّسةُ إلى شُرودِ دلالْ: يا دلال، ما بكِ؟ هل تفكرين في شيء ما؟.
– «لا شَيءَ يا آنِسَة.. لا شَيءْ».
– تَهْمِسُ كريمة في أُذُنِ دلال: توقفي عن التفكير يا عزيزتي، فالحصص الصباحية مهمة، وكن مركزة على ما تقوله المدرسة.
حركت دلال كتفيها بلا اهتمام وبدأت المدرسة في شرح الدرس اليومي.
بعد عودة دلال متعبة إلى منزلها وتناول غدائها، ترتاح قليلاً وتقول لأمها:
قالت: `أمي، لماذا لا يفكرون في طرق جديدة للتعلم غير المدرسي.
– قَالتِ الأُمُّ بِاسْتِغْرَابٍ:
هل هناك طريقة جديدة للتعليم؟! هذه فكرة جريئة وجيدة، ولكن ما هي مشكلة الطريقة الحالية؟.
تجعلني المدرسة أشعر بالملل، لست وحدي في ذلك بل العديد من صديقاتي كذلك، اليوم هو يوم جديد والعالم يتطور.
– «بالتأكيدْ.. اشْرَحي لي أَكْثَرْ سَبَب انْزِعَاجِكِ».
نحن نجلس في مقاعدنا لأكثر من نصف النهار، ثم نعود إلى المنزل ونقضي ما تبقى من النهار وجزءًا من الليل بالدراسة والحفظ وقضاء الواجبات، ولا نجد وقتاً لأنفسنا.
“نعم، هذا مفهوم يا دلال… ولكن هل هو شيء طبيعي؟.
– «هل يَجِبُ أنْ نَتَعذَّبَ.. نِصْفُ أَوْقَاتِ الدِّرَاسَةِ تَضيْعُ بِشُرودِ الذِّهْنِ.. نقضي أَجْمَلَ سَنَواتِ الطُّفولَةِ بالتَّعَبِ والإِرْهَاقِ.. ندرُسُ اليومَ من أَجْلِ الإِمْتِحَانِ.. وبَعْدَ الإِمْتِحَانِ نَنْسَى كُلُّ شَيء.. وتَمْضِي الأَيَّامُ حتى نَجِدَ طُفولَتَنا سُرِقَتْ منّا».
أرى أن الموضوع يسبب لك الألم والحزن والحيرة، ولكن ما هو الحل يا ابنتي؟.
“يقول الشاعر: «لا أعرف، لا أعرف، لقد ضاق صدري يا أمي».
ما رأيكِ لو أطرح الموضوع في اجتماع أولياء الأمور القادم بعد أيام، وسوف نناقش الأمر مع إدارة المدرسة؟.
لا يا أمي، لا أخشى أن يعتقد مدرساتي أنهن السبب في ذلك ويغضبن مني.
ما رأيكِ إذا ناقشت الموضوع مع مديرة المدرسة؟.
لا أعتقد أنها ستغير أسلوب التعليم من أجلي” – اقتباس.
هل يمكننا إرسال رسالة إلى وزير التربية لعرض مشكلتك؟.
وهل لدى الوزير وقت لقراءة رسالتي؟ وحتى لو قرأها، هل سيقوم بتغيير نظام التعليم من أجلي؟.
– «مَا هُوَ الحلُّ برأيكِ؟!».
«لا أدري يا أمي.. أنا لا أدري..».
في المساء، بعد عودة أبوك من عمله، ستقومون بمناقشة المسألة معه لمعرفة وجهة نظره بشأنها.
– قالتْ دلالُ كَأَنَّها مُسْتَسْلِمَةً للواقَعِ:
– «لا بَأْسَ.. لابَأْسَ..».
دلال ذهبت إلى غرفتها، وبدأت في التحضير لدروس الغد، أخرجت كتبها ودفاترها، أعدت تمارين رياضية، وكتبت ملاحظات علمية، نصوصا باللغة العربية والإنجليزية، وأكملت العديد من الواجبات التي لا تنتهي، حفظت نشيدة كما طلب منها، وحفظت سورة القارعة، واختصرت درس الجغرافيا كما طلبت المدرسة، وكتبت القواعد العلمية في دفتر العلوم، وظلت في غرفتها حتى حل المساء..
– اجْتَمَعَتِ العَائِلَةُ في غُرْفَةِ الجُلُوسِ كَعَادَتِها مِثْلَ كُلِّ يومٍ؛ الأَبُ يُمْسِكُ بِيَدِهِ كِتَاباً.. الأُمُّ تُهَيِّىءُ لابْنَتِها كريمة ثِيَابَ الغَدِ، لكنّ كريمةَ لَمْ تَكُنْ تُقَلِّبُ محطّاتِ التلفزيونِ كعادَتِها.. كانتْ تَجْلِسُ بِسُكونٍ.. تنظرُ إلى أمِّها.. تَتَرَقَّبُ بَدْءَ الحَدِيْثِ بِشَغَفٍ.
– «أبو دلال..».
– نَادَتْ الأُمُّ زَوْجَها تبدَّدَ الصَّمْتَ.
– ظلَّ الأَبُ مُرَكِّزاً عَيْنَيْهِ في الكِتَابِ، وردَّ بصوتٍ هادىءٍ:
– «نَعَمْ يا زَوْجَتي العَزيزة».
– كرَّرتِ الأُمُّ: نطقت “أبو دلال” بنبرة مختلفة كما لو كانت تنبه زوجها إلى أهمية الأمر.
رفع الزوج عينيه وخلع نظارته، ثم قلب الكتاب مفتوحًا ووضعه على الطاولة الصغيرة أمامه، وقال: “عفوًا يا حبيبتي، هل هناك شيء سيء؟.
يجيب الشخص: `نعم، لدينا مشكلة ونريد مساعدتك في حلها`.
مشكلة يا رب، استر يا رب، ماذا لديكما، أبدأ، كلي آذان صاغية.
– “ابنتنا يا زوجي الغالي تعاني من مشكلة تعتقد أنها كبيرة، حيث تشعر بأن المدرسة تمثل عبئًا عليها وتشعر بالضيق من الدراسة وقضاء وقت طويل في الصفوف.
يلاحظ الزوج أن زوجته تتحدث بجدية، وأن ابنته تنظر إليه بانتظار حكمه كمن ينتظر حكم المحكمة..
– «وماذا تُريدان مِنِّي؟».
– «نُريدُ مِنْكَ حَلاًّ..».
– لا يَسْتَطِيْعُ الأَبُ أَنْ يَكْتُمَ ضِحْكَةً عاليةً..: يعبر الشخص المتحدث في هذه الجملة عن عدم تصديقه لما يقوله المخاطبين، الذين يرغبون في إيجاد حلول للمشاكل التعليمية، ويقترح الإغلاق التام للمدارس كحل وحيد لتخفيف الأعباء عن الطلاب.
يقول: `هذا هو الجواب الذي لديك، فماذا تقول يا أبو دلال؟ ألاحظ أنك تسخر من كلامنا.
قال: «لا.. لا.. كلامك فاجأني.. هل نسيتِ مشاعركِ تجاه المدرسة وأنتِ طفلة.. ألم نشعر ونحن صغارًا بالمشاعر ذاتها؟».
– أَعْتَقِدُ أنَّ الأَطْفَالَ حَوْلَ العَالَمِ سَيَظَلُّونَ، مِثْلَنا، يَشْعُرونَ بِالمَشَاعِرِ هَذِهِ، مَهْمَا تَطَوَّرَ أُسْلُوبُ التَّعْلِيْمِ ومَهْمَا ارْتَقُوا بِهِ، فَالْمَدْرَسَةُ سَتَظَلُّ مَدْرَسَةً وَلَوْ تَغَيَّرَ شَكْلُها، والتِّلْمِيْذُ سَيَظَلُّ تِلْمِيذاً وَلَو تَطَوّرَتْ طَرِيْقَةُ تَعْلِيمِهِ..».
لقد كبرت المشكلة بدون حل، ولم تجد حلاً لها.
– يَتَأَمَّلُ الأَبُ وَجْهَ ابْنَتِهِ: يعانق الأب ابنته الصغيرة بحرارة ويدعوها قائلاً: `يا لطفلتي الحلوة، تعالي يا صغيرتي، تعالي لأُقبِّلَكِ قُبْلةً كبيرة`. يشعر الأب بأنه أهمل مشاعر ابنته
– «يَا لَكِ مِنْ طِفْلَةٍ.. لَقَدْ كَبِرْتِ وَبَدَأْتِ تَكْرَهِينَ القُيْودَ.. يَا لَيْتَنِي أَملُكُ حَلاًّ.. مَدْرَسَتُكِ مِنْ أَفْضَلِ المَدَارِسِ.. مُدرِّسَاتُكِ مِنْ أَفْضَلِ المُدرِّسَاتِ.. المُشْكِلَةُ لَيْسَتْ فِي الْمَدْرَسَةِ، فَالإِنْسَانُ يُحِبُّ الحُرِّيَّةَ.. والسَّجْنُ لَيْسَ مِنْ طَبِيْعَتِهِ. فَأَصْلُ الإِنْسَانِ الإِنْطِلاَقَ وَالحَرَكَةَ.. وأيُّ شَيءٍ يُقَيِّدُهُ ويَمْنَعُهُ مِنْ مُمَارَسَةِ حُرِّيَتِهِ بِشَكْلٍ كَامِلٍ: أمرٌ مناقضٌ لِطَبِيعَتِهِ.. وَلِهَذا السَّبَبُ أَنْتِ تَشْعُرِيْنَ بِالْضِّيْقِ والإِنْزِعَاجِ.. فَأَنْتِ إِنْسَانٌ طَبِيْعيٌّ يُحِبُّ الحُرِّيَّةَ…».
نعم يا أبي، مساحة الحركة محدودة، وهناك الكثير من الواجبات والدروس المتتالية والحصص المتوالية.
– الأبُ مُقَاطِعًا: يقول لها: «اسمعيني يا ابنتي.. أشعر بما تشعرين به، ولكن المدرسة مثل أي شيء آخر في الحياة، تحتاج إلى الصبر والاجتهاد لتحقيق الهدف».
– الأُمُّ: يتطلب كل عمل جهدًا وتعبًا، وإلا فلن يتحقق الهدف المنشود.
– الأَبُ: يقول: `ألا تريدين،يا دلال، تحقيق شيء في حياتك؟ ألا تتمنين القيام بشيء مفيد للناس.
– الأُمُّ: بالتأكيد، تتمنى أن تصبح طبيبة أطفال وتكرر ذلك دائمًا أمامي.
– الأَبُ: “ألا يستحق هذا الهدف أن تتعبي من أجله يا ابنتي؟”.
– دلال: «نَعَمْ يا أبي.. لكنَّني أَشْعُرُ بِالْسَّجْنِ..».
– الأُمُّ: «لا تُقْنِعي نَفْسَكِ بِهَذا الأَمْرِ.. أُنْظُرِي إلى الدَّجَاجَةِ، تَجْلِسُ فَوْقَ بَيْضِها واحدٌ وعُشْرُونَ يَوْماً لِيَفْقُصَ البيضُ وتَخْرُجَ الكَتَاكِيْتُ لِلْحيَاةِ.. هلْ هذا سَجْنٌ.. هذا إصْرَارٌ لِتَحْقِيْقِ هَدَفٍ.. أُنْظُري إِلَيْنَا يا حبيبتي.. لوْلاَ اجْتِهَادُنا ودَرْسُنا لما وَصَلْنَا إلى ما نَحْنُ فِيْهِ، فَاللَّهُ تعالى يأمُرُنا بالعِلْمِ والعَمَلِ.. والعِلْمُ لَيْسَ سِجْناً بَلْ هُوَ الحُرِّيَّةُ نَفْسُها.. فَمِنْهُ تَخْرُجِيْنَ مِنْ عَالَمٍ صَغِيْرٍ مُحَدُودٍ إلى عَالَمٍ كَبِيْرٍ لا يَتَوَقَّفُ عن الإِبْدَاعِ والإِبْتِكَارِ..».
– يقولُ الأبُ مُبْتَسِماً: ما هذا التغيير الجميل يا زوجتي، يا سلام! ليتني سمعت هذه الكلمات عندما كنت طفلا في المدرسة.
– دلال: لكن المشكلة لا تزال قائمة ولم تجدا حلاً لي.
– الأُمُّ: هناك الكثير من الأشياء في الحياة التي نقوم بها بالإكراه، ولكن في النهاية تكون لصالحنا، يا ابنتي.
– الأَبُ: عندما نمرض، نتناول أدوية طعمها مر وفظيع، ونأخذها بالقوة حتى يأذن الله لنا بالشفاء.
– الأُمُّ: والعلم لا يتحقق إلا بالجد والتعب. يروى أن العلماء العرب القدماء كانوا يسافرون سيرا على الأقدام أو على الدواب، وفي الصحراء يقضون أياما طويلة، دون أن يهتموا بحرارة النهار أو ببرودة الليل، من أجل اكتساب المعرفة من هنا أو هناك. وهناك من قام بجولات في بلاد العرب والعجم على مدار سنوات. وبسبب تعبهم وجهودهم، لا تزال أعمالهم وآثارهم باقية حتى يومنا هذا.
– الأَبُ: «العِلْمُ يا حبيبتي مُفْتَاحُ الحَيَاةْ».
– دلال: قلتُ إنني لستُ أكره العلم، ولكني أكره المدرسة.
– الأَبُ: لم أتهمك بهذا، ولكن يجب أن يكون هناك تحمل لشيء ما من أجل شيء آخر أفضل منه.
– دلال: «سأحاول، فأنا أريد التعلم، لا أريد أن أكون جاهلة».
– ئالأُمُّ: هذا هدف عظيم، ولتحقيقه يتطلب التضحية.
– دلال: «نعمْ.. سأَصْبُرُ على سِجْني حتى أَتَخَرَّجَ..».
– ضَحِكَتِ الأمُّ..
– ضَحِكَ الأَبُ..
دلال كانت تفكر في المدرسة والدراسة، وما زالت تشعر بالحيرة.
في اليوم التالي كتبت دلال ورقةً صغيرةً ووضعتها أمامها على الطاولة، وظلت تنظر إليها بين الحين والآخر..
لاحظت المدرسة أن دلال استجابت وتفاعلت أكثر من أي يوم سابق، حيث شاركت في طرح الأسئلة والإجابة عليها، وكانت عينا دلال تلمعان بشكل غير معتاد..
– اقْتَرَبَتْ المُدَرِّسَة نَحْوَ طَاوِلَةِ دلال..
– لاَحَظَتْ وُجُودَ وَرَقَةٍ مَكْتُوبٌ عَلَيها بِخَطٍّ كَبِيْرٍ وَجَمِيْلٍ:
– «أنا أُحِبُّ المَدْرَسَةَ».
مرت أيام الدراسة بسرعة، حيث انتقلت دلال من اختبار إلى آخر بجد واجتهاد..
ارتفعت علاماتها بشكل ملفت ، وأصبحت تقضي وقتًا أطول في مكتبة المدرسة..
أصبحت الزهور تظهر بشكل أقل في ساحات المدارس وحدائقها..
– تَظَلُّ دَلالُ مَشْغُولَةً..
– المدرِّسَاتُ تَعَجَّبْنَ مِنْ هَذا التَّغْيِيْرِ..
– تَفَوّقَتْ دلالُ..
تحظى هذه الفتاة بشهادات تقدير وعبارات ثناء، مما يسبب الفخر لوالدها ووالدتها ومعلماتها. لم تعد المدرسة سجنًا أو الدرس عقابًا، بل أصبحت مكانًا للحرية والإبداع..
دلال نمت، انتسبت إلى الجامعة، تخرجت، تزوّجت، وأنجبت..
وَها هيَ دلالُ اليومِ سَجينةً في أكبرِ مُستشفى، سَجينَةَ عيادتِها، سَجينَةَ مرضاها..
– مَرَّةً قالَتْ لها ابْنَتُها إِسْرَاءُ: «الْمَدْرَسَةُ تُشْعِرُني بِالْمَلَلِ.. كَأَنَّها سِجْنٌ».
– ضَحِكَتْ الدُّكْتُورَة دلال وقالَتْ:
يقول البيت الشعري: `ما أجمل هذا السجن، اذهبي إلى جدكِ وجدتكِ ففي أيديهما مفتاح هذا السجن`.
انتقلت الدكتورة دلال من سجن المدرسة إلى سجن الحياة لأنها تسعى لتحقيق هدف معين..