نشأة البلاغة العربية ومراحل تطورها
تعريف البلاغة
بحسب ما ورد في القواميس اللغوية كمصدر مشتق من الجذر الثلاثي (بلغاه) يعني الاتصال، ويعني أيضًا التحدث بلغة بليغة وقوية وفقًا لواقع الموقف، ومعناه الاصطلاحي هو مجموعة القيم الجمالية والقواعد الفنية التي يمكن من خلالها ذلك، تقويم النصوص الأدبية من حيث الاختلاف والنوعية أو الضعف والسوء.
نشأة علم البلاغة العربية
بعد نزول القرآن الكريم، اهتم العرب بالبحث الخطابي والنقدي، وركزوا على قضاياه ومعانيه، وظهرت علم البلاغة وأشهر كتبه ومؤلفيه في ظل انتشار الإسلام والدعوة إلى البلدان المجاورة لشبه الجزيرة العربية. في هذه المرحلة، ركز العلماء العرب على دراسة القرآن وتفسيره، وكان العرب أيضا مهتمين بتجميع لغتهم الخاصة التي كانت متفرقة بين القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية والشام.
وظهر علم البلاغة لأول مرة بواسطة أبي يعقوب السككي ومدرسته في العام 2096، ولم يتغير أو يتطور منذ بداية القرن السابع الهجري. تشمل هذه الاستقرارية الثلاثة علوم مترابطة، وهي علم البلاغة، وعلم البديع، وعلم المعاني، بالإضافة إلى الفنون المتفرعة. وبالإضافة إلى ذلك، تم تبني أساليب ومناهج البحث البلاغية التي استخدمها السقاقي وتبعها طلابه. والتطور الوحيد الذي حدث في علم البلاغة خلال تلك الفترة كان تطوير الفنون الأخرى المرتبطة بالعلوم الثلاثة، وخصوصا علم البديع الذي أدى إلى ظهور العديد من الابتكارات.
مراحل تطور علم البلاغة العربية
علم البلاغة العربية مر بفترة طويلة استمرت أربعة قرون قبل أن يصل إلى مستواه الحالي من الاستقرار. نشأ في بداية القرن الثالث الهجري وكانت ملامحه بسيطة ومتواضعة في البداية. وفي نفس الوقت كان ينتمي إلى العلوم الأخرى. في النهاية، تبلورت ملامح البلاغة العربية وأصبحت معالمها أكثر وضوحا وتطورت إلى علم مستقل له كتاباته الخاصة التي تتعامل مع مشاكلها الخاصة. خلال هذه الفترة، مر الخطاب بثلاث مراحل، ولكن كان من الصعب فهمه وتحديد البداية والنهاية الدقيقة لكل مرحلة. وقد أدى ذلك إلى تداخل المراحل إلى درجة اختلطت فيها بداية المرحلة بنهاية المرحلة السابقة، وأحيانا توجد في إحداها بعض الأعمال التي تنتمي إلى المرحلة السابقة. ومع ذلك، تحتفظ كل مرحلة بخصائصها العامة الأساسية ونتيجتها العلمية الواسعة. ويمكن تلخيص هذه المراحل على النحو التالي:
- تمتاز مرحلة التنشئة بتركيزها على البلاغة بشكل خاص، وتأتي هذه المرحلة بعد اكتمال وتبيّن ملامح البلاغة بشكل كامل، ولم تتاح لها الفرصة لمواجهة المشاكل والتحديات بشكل كامل، وكانت محدودة بالملاحظات والأفكار المسبقة ضمن تصنيفات العلوم الأخرى التي سبقتها في الأصل.
- في مرحلة التكامل المشترك، اتخذ الخطاب شكلاً مختلفًا، إذ نضجت الأفكار والملاحظات التي صاحبت المرحلة الأولى، وتعمقت ونمت في ظل كتب علمية أخرى، ثم تحولت إلى فصول كاملة، ولكنها لا تزال مختلطة مع هذه الكتب، حيث إنها لم تمتلك كتبًا خاصة بها.
- في مرحلة الاستقرار والانفراد، تتحول الخطابة إلى صيغة مستقرة ومحددة، ويتم وصفها بوضوح وبشكل نهائي، حيث يتطور الخطاب ليصبح علمًا مستقلاً له كتبه الخاصة، واستطاعت البلاغة أن تحرر نفسها من ثنايا أدب العلوم الأخرى.
البلاغة في الجاهلية
اشتهر العرب في عصر ما قبل الإسلام بفصاحتهم في التعبير وقدرتهم العالية على اختيار التعبيرات الدقيقة والبسيطة، وتميزهم في انتقاد الكلام الحسن وليس السيء، مما أدى إلى انتقاد بعض الشعراء. وفيما يتعلق بالمصطلحات البلاغية والنقدية، لم تكن هذه المفاهيم اللغوية والدلالية واضحة في البداية، ولم يكن هناك تعريفات دقيقة.
هنا أقف على مفهوم البيان الذي قدمه الجاحظ لمفهوم البلاغة. وكذلك المفهوم الأخير، الذي حمل مفهوم البلاغة والجمال خلال القرنين الأول والثاني، عن ظهور البلاغة العربية. فإن الخطاب النقدي والخطابي والتسويات الشعرية، التي استخدمها النبيقة الديبياني في سوق عكاظ، مثلت تفضيل شاعر على آخر. وكانت من أشهر اختباراته المعروفة في الأدب العربي. وتعتبر سوق القبة الحمراء أفضل مكان للشعراء لجمع وعرض أعمالهم الأدبية. وكان الحاكم لهذه القصائد هو الشاعر العبقري الذبياني الذي كان يقيم فيها ويستمع إلى قصائدهم بين يديه. ثم يحكم وينتشر حكمه بين الناس. وأولى علاماتها كانت في عصر ما قبل الإسلام. ونمت وازدهرت في العصر العباسي، بعيدا عن التأثير الأرسطي. ويقول ابن خلدون أيضا إنها ولدت في بيئة عربية لخدمة الأغراض العربية. وإلى جانب هذه الأغراض، هناك حظر على اللحن. وهنا يظهر ارتباط الخطابة باللغة وعلم النحو والصرف. بعد أن اعتنقت مجموعة من غير العرب الدين الإسلام.
البلاغة بعد الإسلام
عندما جاء الإسلام ظهرت عوامل كثيرة أدت إلى حاجة ماسة للتركيز على تصويغ الكلام وإبراز المعاني والتراكيب بشكل جميل وجذاب، وكان لهذه القصائد تأثير عميق على روحهم وعمق مشاعرهم ورفعة ذوقهم، لقد تأثروا ببلاغة القرآن الكريم وأدركوا أنهم غير قادرون على تحقيق مثل ذلك، لذا بدؤوا في دراسة جماليات خصائصه وتنظيمه، أما قريش الكافرة فنفوا ذلك وادعوا في بعض الأحيان أنه سحر، على الرغم من تأثيره الكبير على قلوبهم، وهذه هي أحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولعب الناس دورا كبيرا في صوغ الكلام وجمالياته، وتميز الخلفاء الصالحون بقوة بلاغتهم، وكان لديهم ملاحظات حول انتقاد التصويغ البلاغي، بالإضافة إلى الخلافات التي نشأت بين المهاجرين وأنصار الخلافة، وكان الخلاف بين علي ومعاوية من أهم القضايا التي أثارت الاهتمام بالفصاحة وبلاغة الكلام.
البلاغة والدين
تعتبر الفكرة الدينية، بما في ذلك القرآن الكريم والحديث الشريف، من الدوافع التي دفعت الباحثين إلى التحقيقفي البلاغة، وذلك لسببين: [٢]
- يتم تفسير آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة لمعرفة الأهداف السماوية، ومعظم الدراسات الدينية التي تم إجراؤها لفهم معنى القرآن الكريم تضمنت الحديث الشريف بطريقة أو بأخرى، وذلك لأن معرفة البلاغة أمر أساسي لفهم المعاني الدينية.
- بسبب معرفة إعجاز القرآن الكريم وأسرار إقناعه وإعجاز أسلوبه، كتب العرب العديد من الكتب التي بحثوا فيها بلاغة القرآن وأسراره، فهناك علاقة وثيقة بين البلاغة والدين، حيث استمدت البلاغة أو الخطاب وجودها من الفكر الديني، ومن خلالها حاول باحثو البلاغة تفسير الآيات والأحاديث النبوية الشريفة وشرح أسرار المعجزات في القرآن الكريم.
أشهر علماء البلاغة العربية
: “يوجد العديد من العلماء العرب المؤسسين لعلم البلاغة العربية، وهناك العديد من كتب علم البلاغة، وبعضها
- الجاحظ المتوفى 255 هـ ، وكتابه : البيان والتبيان والوحش.
- كتاب نوادر عن إعجاز القرآن للرماني المتوفى عام 386 هـ.
- أبو هلال العسكري، الذي توفي عام 395 م، هو مؤلف كتاب `إنتاجين`.
- كتاب إعجاز القرآن للبكلاني المتوفى عام 403 هـ.
- كتاب عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة وشهادات الإعجاز.
- كتب السقاقي المتوفى عام626 هـ مفتاح العلوم.
- بعد ذلك، تراجع الخطاب العربي ليصبح مجرد شروحات وملخصات لما قدمه الداعية القزويني والفلاسفة العرب.