موقف أهل السنة والجماعة من البدع والمبتدعة
تعريف البدعة
البدعة هي طريقة مستحدثة في الدين، يرغب الناس في العبادة بها، ولكنها تتعارض مع ما جاء في الكتاب والسنة وإجماع السلف، وقد صاغ الشيخ ابن تيمية تعريفا للبدعة عندما قال: `البدعة هي ما يخالف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة في الاعتقادات والعبادات، مثل أقوال الخوارج والروافض والقدرية والجهمية والراقصين والغنائيين في المساجد، ومن يتعبدون بحلق اللحى وأكل الحشيش وغير ذلك من الابتداعات التي يتعبد بها بعض المخالفين للكتاب والسنة
البدعة هي الطريقة التي تم ابتكارها في الدين وتشبه الشرعية، والهدف منها هو تحقيق تعبد مبالغ فيه لله جل وعلا. وقد بدأت البدع بالتحول إلى شيء كبير وخطير وذنب عظيم بما ارتكبه اليهود والخوارج، وقادهم زعيم الخوارج ذي الخويصرة في البداية.
وفي ذلك ذكر محمد بن الصباح أنبأنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله (كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بالجِعرانةِ وَهوَ يقسِمُ التِّبرَ والغَنائمَ وَهوَ في حِجرِ بلالٍ، فقالَ رجلٌ: اعدِل يا محمَّدُ فإنَّكَ لم تعدِلْ، فقالَ: ويلَكَ ومَن يعدلُ بعدي إذا لم أعدِلْ، فقالَ عمرُ: دعني يا رسولَ اللَّهِ حتَّى أضربَ عنُقَ هذا المُنافقِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ- صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: إنَّ هذا في أصحابٍ أو أُصَيحابٍ لَه يقرءونَ القرآنَ لا يجاوزُ تراقيَهُم، يمرُقونَ منَ الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ).
من هم أهل البدع
من غير الجائز أن يتم الحكم على أحد المسلمين بأنه مبتدع، إلا بالحالة التي يكون بها قد اتبع أحد أنواع البدع التي تنطوي على مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله الكريم، وكذلك فقد ذكر الشيخ ابن تيمية رحمة الله عليه (والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخروج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، فإن عبد الله بن المبارك، ويوسف بن أسباط وغيرهما قالوا: أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة، قيل لابن المبارك: فالجهمية؟ قال: ليست الجهمية من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم).
والجهمية هم من يقصد بهم (نفاة الصفات) بمعنى أنهم من يدعون أن القرآن مخلوق، وإنه لا تتم رؤية الله سبحانه تعالى في الآخرة، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتم العروج به إلى الخالق سبحانه، وأن الله لا جل وعلا لا قدرة له، ولا علم، ولا حياة، وما إلى نحو ذلك من أمور الضلال والكفر.
وكما يدعيه المتفلسفون والمعتزلة وأتباعهم، يمكن ذكره أيضا عند عبد الرحمن بن مهدي، فإن المبتدعة تنقسم إلى نوعين يجب الحذر منهما: الرافضة والجهمية. فهما من أخطر فئات أهل البدع، وتعد خمسة الأصول القديمة للبدع وتشمل: الإرجاء، وأنكار القدر، والتجهم، والخروج، والرفض. وهناك العديد من أشكال البدع، حيث يمكن أن تحدث زيادة في الدين ليست جزءا منه، ومن ثم تصبح جزءا من الدين. على سبيل المثال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد). أو يمكن أن تحدث عن طريق حذف ما هو من الدين، مثل بدعة من ينكر السنة ويقول إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يجب اتباعه، وهذه أمثلة على البدع المنتشرة في المجتمع
وفي ذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: رجل شبعان على أريكته يقول حسبنا كتاب الله، فما وجدنا فيه من الحلال أحللناه، وما وجدنا فيه من الحرام حرمناه. إني أوتيت هذا القرآن، ومثله معه.” وهذا يعني أن من ينكرون السنة هم فئة من المبتدعين. ويمكن أن يقصد بالبدعة تحريف المعاني المذكورة في النصوص وآيات القرآن وأحاديث السنة النبوية، سواء كانت بدعة حادة أو بدعة جاهلية أو بدعة مرفوضة دينيا، مثل بدعة الخوار.
التعامل مع أهل البدع
تم التوصل إلى أن موقف السلف الأصلي هو تجنب الاقتراب من المبتدعة وتجنب مناظرتهم ومجالستهم. فالقرار بتركهم يأتي نتيجة لوجود مصالح مستمرة تدعو إلى تجنبهم، ومن بين هذه المصالح الخوف من انتشار البدع في المجتمعات بين المسلمين. ولكن في حالة تغير الظروف أو تغير المصلحة، ينبغي أخذ الحكم بناء على المصلحة والتوجه إلى النصح والهدف الذي يحقق المصلحة.
ذكر ابن تيمية ما قاله ابن عبد البر حول فوائد حديث كعب بن مالك فيما يتعلق بمن تركوا وراءهم: (وهذا هو الأساس بالنسبة للعلماء في تجنب الابتداع وتركه وقطع الاتصال به)، وكذلك المذكور في كتب البغوي: (وفي هذا – أي حديث كعب بن مالك – دليل على أن ترك أهل البدع هو على الإبدال). واتفق كل من الصحابة والتابعون ومن تبعهم، جنبا إلى جنب مع علماء السنة، على هذا الأمر، متفقين على هجر أهل البدع ومعارضتهم إذا لم يكن هناك نصيحة تنتج عنها الفوائد والنتائج المرجوة.
منهج أهل السنة والجماعة تجاه البدع والمبتدعة
منهج أهل السنة والجماعة في محاربة البدع والأهواء هو تركهم ومعاداتهم وعدم التعاون معهم فيما يتعلق بالبدع التي يمارسونها أو يدعون إليها، حيث أن التعاون معهم محرم، ويستند ذلك إلى قول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)؛ [المائدة: 2].
ولا يوجد ريبة أو شك أن الدعوة للبدع من أكبر العدوان والإثم الذي نهى الله سبحانه عنه، حيث إنه يعد اتباع لشرعٍ لم يأذن الله به أو يأمر به، كما أن التعامل مع أهل البدع به الخطر وتهديد لدين المسلم، فكيف يكون الأمر إذا بلغت المسألة حد التعاون معهم، حيث تعد الفتن أخَّاذة تقوم بجذب من يتعرض إليها وتهلك متبعيها.
لكن التعاون مع الداعين للحق المتمسكين بكتاب الله وسنة نبيه هو أمر محمود، مع أهمية الحذر من التعصب، والانغلاق على ما يتمسكون به من مفاهيم، إذ أن الغالب على تلك الجماعات أنها تقوم بخدمة الإسلام من جوانب، في حين تهمل جوانب أخرى، فمن حصر نفسه بالعمل مع جماعة وحدها سوف يفوته من العلم والخير الكثير.
وقد ورد عن ابن القيم بمدارج السالكين شرحاً لقول الهروي حول علامات اتباع الرسل: (أنهم لم ينسبوا إلى اسم، أي لم يشتهروا باسم يُعرفون به عند الناس من الأسماء التي صارت أعلاماً لأهل الطريق، وأيضاً فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد، يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من الأعمال، فإن تلك آفة بالعبودية، وهي عبودية مقيدة).