مواقف عمر بن عبد العزيز في العدل
الخليفة عمر بن عبد العزيز
ولد عبد العزيز بن مروان بن الحكم في المدينة المنورة، وأطلق عليه اسم “عمر” على اسم جده، وتزوجه عبد الملك بن مروان من ابنته فاطمة، وعينه واليًا على إمارة صغيرة في حلب وظل واليًا عليها حتى وفاةعبد الملك بن مروان في سنة 86 هـ / 705 م
عمر بن العزيز الزاهد في الخلافة
عندما تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة بعد أبيه في السنة 86 هـ / 705 م، عين ابن عمه عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة بدلا من الوالي السابق هشام بن إسماعيل المخزومي. وكان هشام قد أساء إلى أهل المدينة بعد توليه الخلافة، ولم يرضوه كحاكم عليهم. لذلك، استقبل أهل المدينة الوالي الجديد بحفاوة، فهم يعرفون أخلاقه وفضله منذ نشأته بينهم. كما أنهم أثقلوا الظن به ولم يخيبوا آمالهم. بدأ الوالي الجديد العمل بجد واختار معاونيه من بين أفضل الرجال القادرين والكفؤين
وكان من بينهم شيوخه عروة بن الزبير والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وجمعهم وأخبرهم بسياسته وطريقته في الحكم وقال لهم `إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه ونكون فيه أعوانا على الحق ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم فإن رأيتم أحدا يتعدى أو بلغكم عن عامل ظلامة فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني`
في فترة ولايته، شهدت المدينة الهدوء والاستقرار، وشعر الناس بالأمن والعدل. وقام الخليفة عمر بن عبد العزيز بتجديد المسجد النبوي وتحسينه، ولكنه تم عزله عن منصبه كوليد للمدينة سنة (93هـ/ 711م) لأسباب غير متعلقة بأدائه، وعاد إلى الشام ولم يتولى أي منصب بعد ذلك
وظل عمر بن عبد العزيز حتى وفاة الوليد بن عبد الملك سنة (96هـ/ 714م) في الشام، فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة من بعده أبقى على عمر ولم يوليه منصبًا وجعله في بلاطه مستشارًا وناصحًا ومعاونًا له ولما حضرته الوفاة أُوصى له بالخلافة من بعده لما رأى فيه من القدرة والكفاءة والتقوى والصلاح والميل إلى الحق والعدل فتولاها في سنة (101هـ/ 719م)
مواقف عمر بن عبد العزيز في العدل
سياسته المالية
عمر بن عبد العزيز كان يدرك قيمة أموال الدولة ولم ينفقها إلا فيما كان فيه مصلحة للأمة، وكان يكره التصرف في المال العام بدون مراقبة أو رقيب، وكأن المال كان خاصا بالخليفة أو الوالي لينفقه كما يشاء ويعطيه لمن يشاء. لذلك، كان حريصا على عدم إضاعة أموال الدولة التي تعتبر أمانة يجب حفظها، وكان يعطي نفسه كقدوة ومثال للجميع في حفظ مال الدولة، وتبعه الناس في ذلك واتبعوا طريقته
وكان من نتائج هذه السياسة أن تدفقت الأموال إلى خزينة بيت المال من موارد الدولة المتنوعة التي حافظ عليها وبالفعل رعوها حق رعايتها وكانت كفيلة بأن تقوم بكل مسؤوليات الدولة تجاه أفرادها وتحسين حياتهم إلى الحد الذي جعله يكتب إلى أحد ولاته “أن اقضوا عن الغارمين” أي أدوا عنهم دينهم
فكتب إليه: “نجد الرجل له المسكن والخادم والفرس والأثاث”، فكتب إليه عمر: “إن المرء المسلم يحتاج إلى مسكن يسكنه، وخادم يعينه، وفرس يجاهد عليه، فلنقض عنه، فهو مدين”. وأظهر عمر حرصه على رعاية رعيته واحترام حقوق الإنسان، حيث جعل لكل أعمى قائدا يقوده ويخدمه، ولكل مريضين مرضا شديدا خادما لهما، ولكل خمسة أيتام أو لمن لا عائلة لهم خادما يخدمهم ويهتم بشؤونهم
تم تجميع المال في بيت المال بسبب سياسته الحكيمة والعدل ، وقد فرض الرواتب على العلماء وطلاب العلم والمؤذنين ، وأطلق سراح الأسرى وعالج أسرهم أثناء غيابهم ، كما قدم الأعطيات للسجناء مع الطعام والشراب ، ودعم النفقات الزواج لأولئك الذين ليس لديهم القدرة على تحملها
لقد تم توفير جميع احتياجات المسلمين من قبل بيت المال، حتى وصلت الأمور إلى درجة أن المنادي ينادي كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ لقد استفاد كل هؤلاء بشكل كامل ولم يعد لديهم حاجة إلى المال. ويذكر أن عمر بن عبد العزيز ألغى فرض الجزية على أبناء البلاد المسلمين الذين اعتنقوا الإسلام. وبسبب الحروب والثورات التي أدت إلى تراجع الأموال، قرر بعض عملاء بني أمية الاحتفاظ بفرض الجزية على هؤلاء الأشخاص. وقد أطلق عمر صيحته الشهيرة رافضا هذا الإجراء قائلا: “إن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا
في منصب الخلافة
اجتمع لعمر بن عبد العزيز من الصفات والمواهب ما جعله خليفة قديرًا نادر المثال حيث يقوم بمسئوليته على خير وجه وشاء الله أن يتولى منصب الخلافة والدولة بعد أن مرت بفترات عاصفة وأوقات حرجة وفتن مظلمة وثورات مدمرة، لكن الدولة تجاوزت كل تلك المخاطر وعاد الأمن والاستقرار وضمت الدولة إلى أراضيها بقاعا شاسعة في الشرق والغرب
عمر بن عبد العزيز حكم الدولة الإسلامية وحاصر جيوش المسلمين القسطنطينية، التي كانت عاصمة الدولة البيزنطية. وكانت الإصلاحات التي قام بها عمر بالإضافة إلى سياسته الحكيمة والإدارة العادلة، من أسباب استقرار الدولة. وكان عمر إداريًا عظيمًا، وكان لصلاحه وتقواه وزهده وورعه، بالإضافة إلى صفات شخصيته الأخرى، أثر كبير في نجاحه كحاكم.
سياسته الداخلية
وقبل أن يتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة وممارسة الإدارة والولاية والحكم واقترب من صانعي القرار ورأى عن قرب كيف تدار الدولة وأخبر الأعوان والمساعدين، ولما تولى الخلافة كان لديه الخبرة والتجربة على ما تحمله المسؤولية ومباشرة مهام الدولة وحرص على المال العام وحافظ على الجهد والوقت ودقق في اختيار الولاة
وكانت لديه رغبة صادقة في تطبيق العدل بل كان رجل رمزاً للأمانة وراقب الله فيما أوكل إليه وتحمل مسؤولية دولته الكبيرة بجد واجتهاد فكان منه ما جعل الناس ينظرون إليه بإعجاب وتقدير وكان يختار ولاته بعد تدقيق شديد ومعرفة كاملة بأخلاقهم وقدراتهم، فلا يوجد عنده منصبًا إلا من رجحت كفته كفاءة وعلمًا وإيمانًا
عند النظر في أسماء الأشخاص الذين اختارهم لولاياته، سنجد بينهم الفقيه العالم والسياسي الماهر والقائد المنتصر، مثل أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أمير المدينة وقاضيها، والجراح بن عبد الله الحكيمي أمير البصرة والقائد المنتصر والإداري العظيم والعابد القائد، والسمح بن مالك أمير الأندلس والقائد الفذ الذي استشهد على أرض الأندلس
بقيت قدراته وكفاءته على هذا المستوى، ولم يكتف عمر بالاختيار الجيد فقط، بل كان يتابع ويراقب، ولكنه لم يراقبهم كمجرمين، بل كان يراقب تنفيذ السياسة العامة التي وضعها للدولة، وإذا كان قد تعب نفسه بشدة، فإنه لم يفرضها عليهم، بل زاد في إعطائهم وقدم لهم رواتب جيدة تحميهم من ضغوط البحث عن لقمة العيش أو تشتت انتباههم عن شؤون المسلمين
منعهم أيضا من ممارسة التجارة ومنحهم حرية إدارة شؤونهم الداخلية، حيث لا يشاورونه إلا في المسائل الكبرى، وتلقى رسالة من أحد ولاة الأمر يستفسر فيها عن أمر لا يحتاج إلى موافقة الخليفة، مما أغضب عمر، ورد عليه قائلا: `لو أرسلت إليك بأن تذبح خروفا وتوزع لحمه على الفقراء، هل ستسألني إن كانت الذبيحة كبيرة أم صغيرة؟ وإذا أرسلت لك بأمر، فاستفسر عن وجه الحق فيه وثم أنفذه