من هي أول امرأة تحترف الكتابة في تاريخ أوروبا
أول امرأة تحترف الكتابة في تاريخ أوروبا
أول امرأة احترفت الكتابة في تاريخ أوروبا هي الكاتبة الشهيرة كريستين دي بيزان (Christine de Pizan)، ولدت في عام 1363 ميلادية في مدينة البندقية بإيطاليا. كانت كاتبة شهيرة في العصور الوسطى في أوروبا ومناهضة للتفكير العنصري ضد النساء. قاومت ما يعرف بكراهية النساء أو الميسوجينية، وهي الأفكار النمطية السائدة في العصور الوسطى في أوروبا التي كانت تضطهد المرأة. في السابق، كانت الكاتبات النساء ينشرن أعمالهن الروائية وغيرها تحت أسماء مستعارة لأسماء رجال، حتى يتم قبول نشر أعمالهن
انتقلت كريستين من مدينة البندقية إلى باريس بسبب عمل والدها كعراف للملك الفرنسي تشارل الخامس. تزوجت كريستين وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وهذا كان يحدث مع جميع الفتيات في تلك الحقبة الرجعية. وقد أنجبت ثلاثة أطفال من زوجها خلال العشر سنوات التي قضتها معه، لكنه توفي وهي في الخامسة والعشرين بسبب الطاعون. وكانت كريستين تقوم بإعالة عائلتها وحيدة بدون دخل مادي، فلجأت إلى الكتابة كوسيلة لجلب المال. وعلى الرغم من أنها من أصول إيطالية، إلا أن كتاباتها كانت ذات جذور فرنسية وطنية متأصلة، وكانت تستخدم اللغة الفرنسية العامية في كتابتها. ولقد ذاع صيتها في البداية كشاعرة وليس ككاتبة للأدب النسوي
مسيرة كريستين دي بيزان الأدبية
شاركت كريستين دي بيزان في الجدل الأدبي الشهير حول قصيدة الوردة الرومانسية (Le Roman De La Rose) عام 1402م، حيث دعت إلى عقد مناظرة بين جميع الأطراف للتشكيك في المعلومات الأدبية لقصيدة جان دي موي (Jean De Meun)، وذلك لتصوير الشاعر النساء بأنهن مغريات لا أكثر، وردت كريستين على ادعاءات جان في كتابها الشهير أقصوصة وردة (Le Dit De La Rose)، حيث ادعت كريستين أن نظرة الكاتب تحمل كراهية للنساء بصورة واضحة وفظة ولا غير أخلاقية ومغرضة
كانت كريستين أيضا مفكرة سياسية مخضرمة، حيث نشرت قصيدة مجازية تسمى “Le Chemin De Long Estude” في نفس العام وخلال حرب المائة عام التي كانت مستمرة بين ملوك فرنسا وإنجلترا، وكانت هذه البادرة الجريئة إشارة منها إلى أنه من الممكن تحقيق العدل على الأرض من خلال ملك واحد ذي صفات معينة
أعمال كريستين دي بيزان الأدبية
في عام 1403، قامت كريستين بكتابة قصة حياة الملك شارل الخامس في كتابها “الحقائق والأخلاق الحكيمة للملك الحكيم تشارلز الخامس”، وصورته كحاكم وقائد سياسي مثالي، ولكنها انتقدت أحوال البلاط الملكي. كما كانت كريستين مناصرة للمرأة في وقتها، حيث أكملت كتابها “مدينة النساء” عام 1405، ونشرت بعده كتابها “الفضائل الثلاث” الذي يعرف أيضا باسم “كنز مدينة النساء”، حيث يوضح الكتاب الأول أهمية إسهامات المرأة السابقة في المجتمع، ويعلم الكتاب الثاني جميع ساكنات مدينة النساء كيفية غرس الخصال النافعة
تمكنت كريستين من إنجاز أربعين واحد عملًا خلال الثلاثين عامًا التي قضتها في مسيرتها الأدبية، منذ عام 1399م حتى عام 1429م، ونستطيع اعتبار الكاتبة كريستين دي بيزان أول كاتبة محترفة تظهر في قارة أوروبا ككل
ولقد تميزت أوائل أعمالها الشعرية الغزلية بكونها ملمة بجميع العادات الأرستقراطية آنذاك والأزياء المعاصرة، ولاسيما الأزياء الخاصة بالنساء، وقامت بزجها في أبياتها الشعرية، وذلك بالإضافة إلى ممارسة الفروسية، ولقد عكست لنا برسائلها المجازية والتعليمية العديد من المعلومات الذاتية عن حياتها وأفكارها ووجهات نظرها، بالإضافة أيضًا إلى منهجها الفردي والإنساني تجاه التراث كالميثولوجيا والأساطير والتاريخ الذي تعلمته من علماء الدين، كما تحدثت عن الأصناف الأدبية والموضوعات الغزلية والدراسية للشعراء الإيطاليين المعاصرين والفرنسيين خاصة الذين قد حازوا على إعجابها.
تمكنت الكاتبة كريستين دي بيزان من نجاحها في التأثير على الشعر الإنجليزي في القرن الخامس عشر، وذلك بفضل الدعم والتشجيع الذي تلقته من رعاة إنجليز وفرنسيين أرستقراطيين مهمين وملكيين، ويظهر هذا التأثير في الكثير من الكتابات الإبداعية والأساليب البلاغية التي امتلأت بها هذه الكتابات، والتي كانت تتحدى فيها العديد من الكتاب المشهورين من الرجال خاصة، مما أدى إلى تعرضهم لانتقادات شديدة، ومن هؤلاء الكتاب الشاعر جان دي مون (Jean de Meun) وجميع الذين قد تضمنت أعمالهم الأدبية أي معتقدات أو أفكار معادية للمرأة
عادت أعمال دي بيزان إلى مكانتها المرموقة في السنوات الأخيرة بفضل جهود العديد من العلماء، مثل العالمة تشاريتي كانون ويلارد (Charity Cannon Willard) والعالمة إيرل جيفري ريتشاردز (Earl Jeffrey Richards) وسيمون دي بوفوار (Simone de Beauvoir). وتجادل بعض العلماء حول مدى تميزها بالاتجاهات النسوية في ذلك الوقت، وكونها واحدة من أوائل النساء اللاتي استخدمن اللغة الفرنسية ببراعة فائقة وفعالية عالية لنشر فكرتها بأن المرأة يمكنها أن تلعب أدوارا هامة في المجتمعات. ومع ذلك، قابل بعض النقاد هذا التوصيف بتحدي، حيث زعموا أن استخدام هذه الكلمة ينطوي على العديد من المفارقات التاريخية، وأن معتقدات كريستين دي بيزان لم تتبلور بشكل كاف لتستحق مثل هذا الوصف
كتاب مدينة السيدات
“تبدأ الرواية بالبطلة كريستين دي بيزان، التي هي أيضا كاتبة، وهي تقرأ كتابا لماثيولوس. بعد قراءة بعض الصفحات، تترك الكتاب جانبا بسبب استياءها من غياب المصداقية الأسلوبية والموضوعية فيه. تعلق قائلة: “على الرغم من عدم امتلاك هذا الكتاب أي سلطة، إلا أنه جعلني أتساءل كيف يميل الكثير من الرجال، بما في ذلك المثقفون، إلى التحدث والكتابة عن النساء بأسلوب مهين وخبيث. ماثيولوس ليس الوحيد، بل يبدو أن معظم الرجال، بما في ذلك الفلاسفة والشعراء والخطباء، يتحدثون بلسان واحد
بعدها تقوم البطلة كريستين بفحصِ شخصيّتها وسلوكِها مثل أي امرأةٍ طبيعيّة، وأيضًا قامت بفحَص مَن حولَها مِن النساء في المجتمع سواء كُنّ أميراتٍ أم سيداتٍ من الطبقة المتوسّطة أو الطبق الفقيرة، حيث تأمل أن تقوم بإصدار حكُم عادل بضمير دون التحيّز إلى كَونِ شهادة الرجال المرموقين صحيحة أم لا.
كلما قضت البطلة كريستين وقتا أطول في مواجهة وتحليل المشكلة، كان من الصعب عليها أن ترى وتفهم كيف يمكن أن تكون ادعاءاتهم صحيحة، ويعود ذلك إلى ما لاحظته من سلوك النساء وشخصياتهن
ومع ذلك فقد جادلَت كريستين بشدّة ضد النساء فقالت: من المستحيل أن يتحدث كل هؤلاء الرجال المشهورين الذين يتمتعون بفهم عميق -ويبدو أن رؤيتهم واضحة في كل شيء- بكلام باطل في العديد من المناسبات بشأن النساء، لأنني لم أجد كتابًا عن الأخلاف إلا ووجدت فيه عدة فصول تهاجم المرأة
تنتهي قصة الكتاب بصورة مجازية حيث تظهر ثلاث سيدات، سيدة السبب وسيدة الحق وسيدة الاستقامة، ويقول كريستين في كتابها: “حضرن لي هؤلاء السيدات ليعلموني كيفية بناء مدينة للسيدات العفيفات”. تحدث سيدة السبب عن نبل النساء والمخاطر والصعوبات التي يواجهنها، فيقول كريستين أن المرأة هي أنبل المخلوقات على وجه الأرض. ولكن برغم ذلك، يقول شيشرون، الكاتب الروماني والخطيب، أنه يجب على الرجل عدم خدمة أي امرأة، وأن أي رجل يفعل ذلك فإنه يهين نفسه، ولا يجب على أي رجل أن يخدم أي شخص أدنى منه. فترد سيدة السبب عليه بأن الرجل والمرأة يحتاجان إلى فضيلة أعظم، وهي حسن المعاملة والفضيلة، وليس الجلال أو الجنس