من هو محمد النفس الزكية
محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط الهاشمي القرشي، هو واحد من أشهر الثوار الإسلاميين الذين عارضوا الحكم العباسي. كان رجلا شجاعا جدا وفارسا مهيبا في قلوب الناس. توفي في 6 ديسمبر 762م. كان رضي الله عنه رجلا ذو همة سامية وسطوة عالية. سنتعرف على هذه الشخصية التاريخية الجليلة من خلال هذا المقال.
صفات محمد ونسبه الشريف
كان محمد النفس الزكية من الشجعان الأبطال ، تميز بشجاعته الكبيرة ، و قوته الشديدة ، وكان شديد السمرة و أفضل أهل بيته ويسمونه المهدي ، وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه النفس الزكية ، نظرا لعلمه و زهده كما انه لم يكن يحب الحكم ولا الخلافة، وكان كثير الصلاة و الصوم والدعاء لله عز وجل.
ولد بالمدينة سنة 100 هـ ، كنيته هي أبا عبد الله، وقيل أبا القاسم، هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، بن علي بن أبي طالب، بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
والدة هذا الشخص هي هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
كانت زوجته هي أُمّ سلمة بنت أبي محمّد بن الحسن المثنّى، و قد ترك عدة أبناء هم القاسم و هو الأكبر ومن عقبه ملوك المغرب السعديون والعلويون، و عبد الله الأشتر و الحسن وقال بعضهم الحسين، والطاهر، إبراهيم و أحمد و يحيى و موسى و محمد، أما البنات فهن فاطمة ، وزينب، أم كلثوم ،وأم سلمة، وأم علي.
أسباب ثورته ضد بني العباس
في سنة 132 هـ، جرت المعركة الحاسمة التي تم فيها هزيمة الأمويين، واعتقد العلويون أن هدفهم تحقق أخيرا، ولكن العباسيين كانوا يراقبونهم، وأعلنوا أبا العباس خليفة، وهذا أثار غضب محمد الذي اتهم العباسيين بالاستيلاء على السلطة، فحظي بتأييد كبير من الشعب، وساعده في ذلك احترام وتقدير الناس له، وخاف أبو جعفر المنصور من تصاعد ثورته، فاستخدم كل الوسائل للقبض عليه، لكنه فشل لأن محمد اختفى عن الأنظار خوفا من فشل ثورته الناشئة.
بعد أن رفض محمد وأخوه إبراهيم البيعة لأبي جعفر المنصور، طلبا منهما بشدة، قام بعزل والي المدينة بسبب تساهله في البحث عنهما وتعاطفه معهما. ثم أمر بالقبض عليه ومصادرة أمواله وعزل جميع رجاله، واحتجز عائلة محمد في السجون، وتعرضوا لأشد أنواع التعذيب، مما أدى إلى وفاة العديد منهم تحت ضغط التعذيب. وعلى الرغم من ذلك، استمروا محمد وأخوه إبراهيم في الهروب. بدأ المنصور في استخدام الحيل والمكر، حيث تقرب من عبد الله والد محمد وأظهر له محبته المزيفة لأبنائه، وأكد له أنه يرغب فيما هو خير لهم. وعندما فشل في الحصول على معلومات من والدهما حول مكانهما، استخدم وسيلة الترهيب، فأمر المنصور بالقبض عليه وسجنه هو وعائلته.
ثمً لجأ إلى حيلة أخرى، فكتب رسالة على لسان أنصار محمد، موجهة إليه ، يطلبون منه الإسراع في إعلان الثورة ضد بني العباس، وقد حمل الرسالة رجل إلى أبيه في سجنه، لكي يخبره عن مكان ابنه محمد، وكادت الخطة أن تنجح لولا أنّ كاتباً شيعياً للمنصور أعلم عبد الله بالأمر، ففشلت الخطة.
زاد سجن أسرة محمد إلى عزيمتهم وقوتهم وإرادتهم للاستمرار في مواجهة طغيان العباسيين، وقاموا بتوسيع علاقاتهم حتى استطاعوا كسب تأييدًا كبيرًا من المسلمين.
بسبب نشاط محمد وتأييد العامة له، شعر العباس بالقلق، وقام بتنفيذ خطته اللئيمة الأخيرة، حيث اختار واليا للمدينة معروف بجبروته وقسوته، وزار عبد الله والد محمد في السجن وهدده بالقتل إذا لم يخبره عن مكان محمد. وعندما فشل في الحصول على المعلومات، صعد إلى المنبر في المسجد وأرعب الناس، ثم أرسل العيون للبحث عن محمد في كل مكان حتى وجده. ولكن تمكن محمد من الهرب ونجا مع رجاله. بعد هروبه، صعد الوالي إلى المنبر مجددا ووجه الشتائم والكلام المبتذل للناس الذين ردوا عليه بالشتائم ورموه بالحجارة. لجأ الوالي إلى المنصور الذي وجه رسالة تهديد ووعيد للناس، لكنهم لم يهدأوا، فحضر المنصور بنفسه إلى المدينة للسيطرة على الأوضاع. خلال موسم الحج في سنة 144 هـ، نصب المنصور خيمة خارج المدينة حيث حضر آل الحسن المكبلون بالأغلال، ولكنهم لم يكشفوا عن مكان محمد، لذلك أمر بسوقهم إلى الكوفة بدون وطاء، ووضعهم في سجن مظلم حيث كثيرون منهم ماتوا بسبب التعذيب الشديد.
كانت أخر خطط المنصور الماكرة للقبض على محمد، هي إرسال الرسائل المزورة على لسان قادة جيش المنصور يبايعون محمد فيها، وانطلت الحيلة على محمد وصدق فحوى الرسائل، وبعد رحلة طويلة من الهروب و العذاب لما أصاب أسرته و آل بيته، وتحت ضغط أنصاره بإعلان الثورة، أعلن محمد النفس الزكية عن دعوته، وسيطر على المدينة، وأخذ البيعة من أهلها بالمسجد النبوي في أول رجب سنة 145هـ، وتقدم بموكب من مائتين وخمسين مقاتلاً إلى سجن المدينة، وفتحوا أبوابه أمام السجناء المظلومين، ثم طافوا كل أرجاء المدينة وهم يهتفون بشعارات الثورة ضد الحكم العباسي.
ثم انتزعوا بيت النقود، وألقوا القبض على الوالي وأوقفوه في السجن، ثم صعد محمد إلى المنبر وألقى خطبته للناس، حيث حدد هدفه من الثورة بالقضاء على الطاغية المنصور، واستصدر فتوى من “مالك بن أنس” تجيز للناس التخلص من بيعة المنصور والتمسك بالبيعة الجديدة.
حرب محمد النفس الزكية وفشل الثورة
أثناء تشغيل المنصور في بناء عاصمته الجديدة بغداد، تلقى أنباء حول تحركات النفس الزكية ودعم الناس العام له في المدينة. فغضب بشدة وعاد إلى الكوفة للسيطرة على الأوضاع. قرر أن يبدأ الخطوة الأولى بإرسال رسالة إلى محمد يعرض فيها السلام. وعندما لم يتم التوصل إلى حل سلمي، قام المنصور بالاستعداد لمواجهة حاسمة واختار ابن عمه عيسى بن موسى بن محمد العباسي ليكون قائدا للحملة. وذلك بسبب كراهيته الشديدة له، حيث كان يتمنى أن يقتله في المعركة لكي لا يحصل على ولاية العهد بعده.
فوصل عيسى إلى المدينة، وكتب إلى كبراء أهلها يستميلهم و يغريهم ويرهبهم تارة، حتى تفرق عن محمد الكثير من الأنصار وبقى معه القليل، وكان الإمامان أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس من أنصاره، وبدأ الهجوم ، وتحرك أبو جعفر المنصور ناحية المدينة وحاصرها العباسيون من ثلاث جهات، تاركين الحرية لمن يرغب في الاستسلام، وتسلّل جيش العباسيين الذي كان عدده أربعة آلاف مقاتل إلى شوارع المدينة ولاذ البعض بالفرار و من بقي لقي حتفه، لكن محمد أصر على البقاء مع أهل المدينة، و رفض أن يتركهم في المعركة لوحدهم والفرار إلى مكة، فحمل سيفه ونزل إلى ساحة القتال بكل قوة وشجاعة.
مقتل محمد النفس الزكية
خرج محمد مع رفاقه وقاتلوا بشدة، حتى قتل محمد عند أحجار الزيت قرب المدينة على يد قحطبة بن حميد، الذي فصل رأسه عن جسده وأرسله إلى عيسى الذي أرسله إلى المنصور. وأمر المنصور بطوافه في شوارع الكوفة.
كان مقتله يوم الاثنين بعد العصر، في الليلة الرابعة عشرة من رمضان سنة 145 هـ، وقبره يوجد في البقيع، وقد قتل وهو في سن الخامسة والأربعين، ولم يكتفوا بقتل محمد النفس الزكية فقط ، بل نفذ العباسيون مجزرة رهيبة وقتلوا أبناء الحسن عليه السلام وحتى أتباعهم، وعلقوا جثثهم لثلاثة أيام، ثم أمر عيسى بإلقاء الجثث في مقابر اليهود لتفادي استياء الجمهور، ولكن هناك طائفة شيعية لا تزال تعتقد أن محمد النفس الزكية لم يقتل وأنه لا يزال على قيد الحياة، بل وتعتقد أيضا أن الإمام الراحل هو المهدي المنتظر.