من نوادر أبو العيناء وغلامه
قصة غلام أبو العيناء هي قصة طريفة يرويها لنا أبو العيناء عن عبد اشتراه من سوق النخاسة، ولم يكن يعلم أن المتاعب كلها ستأتي من وراء هذا العبد، حتى ضطره للخروج من البصرة إلى الأبد وعدم العودة إليها مرة أخرى، حتى لا يعرف ذلك العبد مكانه. وقد جاء على ذكر هذه القصة جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي المتوفى في ٥٩٧ه، في كتابه “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم.
قصة غلام أبو العيناء :
حدث أبو العيناء قال : سبب خروجي من البصرة وانتقالي عنها كان أنني مررت يوما بسوق النخاسين ورأيت غلاما ينادي عليه وكان سعره ثلاثين دينارا فاشتريته. وفي ذلك الوقت كنت أبني دارا، فدفعت للغلام عشرين دينارا على شرط أن ينفقها على الصناع. بعد أيام قليلة، جاء الغلام إلي وقال: `انتهت النفقة`. فقلت له: `أحسب حسابك!` فرفع حسابا بعشرة دنانير. قلت له: `أين الباقي؟` فقال لي: `اشتريت به لنفسي ثوبا`. فسألته: `من أمرك بذلك؟` فأجابني قائلا: `لا تستعجل يا سيدي، فإن الأشخاص الشرفاء لا ينتقدون أتباعهم إذا قاموا بشيء يعود بالنفع عليهم`. وفي نفسي، قلت: `لقد اشتريت الأصمعي دون علمي!`
وكانت هناك امرأة أردت أن أتزوجها سرا من ابنة عمي. فقلت له يوما، هل توافق؟!! قال: نعم بالتأكيد، فأخبرته بالخبر فقال: سأكون مساعدا جيدا لك. تزوجت المرأة ودفعت له دينارا، وقلت له: اشتر لنا بعض السمك الهازبي. ذهب وعاد وقد اشترى سمكا من نوع آخر. أغضبني ذلك وقلت: ألم أأمرك بشراء السمك الهازبي؟!! قال: بلى، ولكن الطبيب أبقراط كتب أن الهازبي يسبب الأمراض، وهذا السمك أقل خطرا
فقلت : يا ابن الفاعلة!! أنا لم أعلم أني اشتريت جالينوس!! وقمت عليه فضربته عشر مقارع. فلما فرغت من ضربه أخذني وأخذ المقرعة وضربني سبع مقارع، وقال : يا مولاي الأدب ثلاث، والسبع فضل، وذلك قصاص!! فضربتك هذه السبع خوفًا من القصاص يوم القيامة!! فغاظني هذا فرميته بحجر فشججته، فمضى من وقته إلى ابنة عمي، فقال لها : يا مولاتي إن الدين النصيحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من غشنا فليس منا » وأنا أعلمك أن مولاي قد تزوج فاستكتمني، فلما قلت له لا بد من تعريف مولاتي الخبر ضربني وشجني.
يقول أبو العيناء : حالت بنت عمي دون دخولي إلى المنزل وأحاطتني بما فيه، فلم أجد سبيلا لحل المشكلة سوى طلاق المرأة التي تزوجتها. وفي نفسي قلت: سأطلقها وأتخلص منها لعله يبتعد عني. ولكن بمجرد أن أطلقتها، تمسكت بي وقالت: “الآن حان وقت مطالبتك بحقوقك.” بعدها أبدى رغبته في أداء فريضة الحج، فقمت بتجهيزه وتزويده وخرج. غاب عني لمدة عشرين يوما ثم عاد، فسألته: “لماذا عدت؟.” فأجاب: “في طريقي للحج، تذكرت قول الله تعالى: `ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا` ولم أكن قادرا على ذلك، فتأملت ووجدت أن حقوقك علي ستوجب علي العودة!” ثم أعلن رغبته في المشاركة في الجهاد، فقمت بتجهيزه. وبمجرد أن غاب عني، قمت ببيع كل ممتلكاتي في البصرة، ثم غادرتها خوفا من أن يعود
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم :
كتب الجوزي كتابًا يتناول التاريخ منذ بداية الخلق حتى عام 574 هـ في ثمانية عشر جزءً. ويدعى الكتاب باسم جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي الذي توفي في 597 هـ.