ممثلين أدوار الشر في مصر
نجح عمالقة الفن المصري في تجسيد أدوار الشر إلى الدرجة التي تجعل المشاهد المثقف يتأكد أن هذا التجسيد حقيقي لدرجة أنه كان ينبض بآلام حقيقية لهؤلاء. وهذا ما أكده الأرشيف الخاص بحياة كل منهم. فمن هم أكثر من جسد الشر الخالص على شاشات السينما المصرية؟ و كيف كان أداءهم صادقاً إلى هذه الدرجة؟
ممثلين أدوار الشر في مصر
لطالما باتت أدوار الشر تحدياً أمام الممثل، فمنهم من حاول نقل الصورة التي يجسدها العقل عن الشر؛ تلك الصورة التي تحمل قدراً كبيراً من الوحشة، والخو، والفزع، والألم. ومنهم من اتجه إلى مدرسة أقرب إلى الواقعية؛ فالشر جزء من تركيبنا جميعاً كبشر، والفارق الوحيد هو إرادة الإنسان والتي تتحكم في جزء الخير عن الشر فتنمي ما تريد منهما، وتكبح جماح الآخر.
نجح العديد من الممثلين المصريين في تجسيد أدوار الشر في العديد من القصص والأفلام، حيث استخدم الممثلون أدواتهم لتجسيد صور مختلفة من الشر أو صورة واحدة ناجحة.
تجسيد زكي رستم لأدوار الشر
- ولد زكي لعائلة أرستقراطية في حي الحلمية بالقاهرة، وتحدى العادات والتقاليد والضوابط والأوامر والنواهي عندما قرر ممارسة موهبته في التمثيل، وكان في ذلك الوقت طالباً.
- تعرض لغضب والده ومرض والدته، وحُرِم من العودة إلى الحياة الرفاهية، لكنه قرر أن يسير في الطريق الذي اختاره والانضمام لفرقة جورج أبيض في مطلع العشرينيات بمساعدة الفنان عبد الوارث عسر.
- تمثلت إحدى الأزمات الأخرى التي واجهها زكي رستم في فقدان حبيبته التي كان يرغب في الزواج منها، وقد خشيت عليها من رفض والدها الذي حذرها من ذلك، فانتحرت ليلة تقدم زكي رستم لطلب يدها، وعند وصوله إلى منزلهاوجد تجمعًا أمام جثتها بعد أن ألقت بنفسها من شرفة المنزل.
- فاز زكي رستم بلقب بطل مصر الثاني في رياضة حمل الأثقال عام 1924 .
- عُرف عن ذكي رستم وسوسته، وأنه كان يحرص على النظام بطريقة غريبة، كما كان يعتز كثيراً بخصوصيته، ولا يحب أن يأتيه أحد للزيارة، وإن كان لاجئاً إلا بعد أخذ موافقته، ويُذكر أنه أتى إليه الريجيسير يوماً دون سابق موعد يحمل إليه أحد النصوص؛ فتصنع زكي رستم المودة، واستقبله بترحاب، ولقنه فور دخوله إلى المنزل درساً لم ينسه.
- استغل زكي رستم ملامحه لتجسيد الدور الشرير، حيث أن جحوظ العينين ووحدة الصوت والقامة الطويلة والعريضة كلها ملامح أهلته لأن يكون مقنعًا بدرجة كبيرة عندما يلعب دور الشر.
- ينتمي زكي رستم إلى مدرسة الاندماج، التي تعتبر واحدة من مدارس التمثيل الصعبة، حيث يتحد الممثل فيها إلى درجة يصبح أداؤه حقيقيًا، وقد ينسى كونه ممثلاً ويعامل الجميع في موقع التصوير بهذه الطريقة.
- ومن أشهر الأفلام التي جسد فيها زكي رستم أدوار الشر: أفلام نهر الحب، ورصيف نمرة 5، وأنا الماضي .
تجسيد محمود المليجي لأدوار الشر
- تحدى ابن قرية مليج في المنوفية نفسه لإثبات موهبته في التمثيل، خاصة بعد التحاقه بالمدرسة الخديوية التي كانت تشجع فنون الأداء، وتدرب على يد جورج أبيض وعزيز عيد وعبد الوارث عسر وغيرهم.
- شجع عزيز عيد على الالتحاق بفرقة لفاطمة رشدي، والتي اهتمت كثيرًا بموهبته في التمثيل ونصحه بالتقدم لخطوة أكبر في هذا المجال.
- سرعان ما تجهت عدسات السينما إلى محمود المليجي الذي نجح كممثل في تجسيد جميع الأدوار، وكان يتألق في تجسيد أدوار الشر، حتى أنه لُقب بأنطوني كوين الشرق.
- يتميز الممثل محمود المليجي بنبرة صوت ثابتة وأداء قوي غير مصطنع، وكانت عيناه الأداة الأقوى لديه، ويذكر أن المخرج يوسف شاهين كان يخشى دائمًا عين المليجي أثناء التصوير.
- تخللت حياة المليجي العديد من المفاجآت، حيث تجلى أداءه في أدوار الشر في تلك المفاجآت. فقد تعرض للانكسار والضعف بعد وفاة والدته، وأصبح زوجًا لامرأة قاسية ومتغطرسة هي الفنانة علوية جميل. وكانت أكثر الأشياء التي كانت تؤلمه هي عدم قدرته على الإنجاب.
- نعم، لم يكن الملحن محمود المليجي ولداً، وكانت الفنانة لولا صدقي هي حب حياته، ولكن قصة زواجهما باءت بالفشل، بعدما كشفت علوية جميل الأمر وهددتهما بالكشف عن الأمر.
- نرى أن مافجر طاقات الإبداع بالمليجي – الممثل لأدوار الشر بشكل خاص – ينبع من تحول ضعف شخصيته في الحقيقة إلى قوة وجبروت أمام الكاميرات، وينعكس ذلك أيضًا في تحول الحب الشديد الذي فقده إلى عداء وكراهية ومهارة في الأداء.
- ينتمي الممثل المصري عادل المليجي إلى مدرسة التقمص والتجسيد، وهي تعتمد على دراسة مُقننة لأبعاد الشخصية، وتقديمها كل مرة بشخصية مختلفة، ولم يقم المليجي بتقديم شخصية شريرة واحدة بشكل متكرر.
- ومن أبرز الأفلام التي جسد فيها المليجي أدوار الشر: الناصر صلاح الدين، الفتوة، وإسماعيل ياسين في الفريق.
تجسيد عادل أدهم لأدوار الشر
- لا يُمكن لأي شخص أن ينسى طريقة نطق الجمل مثل “أنا عزيز” أو “هانرقص دانس”، فهذه هي الطريقة التي يتحدث بها الممثل الشهير عادل أدهم، الملقب ب “البرنس” من قبل محبيه.
- تمكن عادل أدهم من تجسيد الشر بملامح مختلفة وفي طبقات مختلفة، وتفاعلنا كثيرًا مع أدائه القوي، على الرغم من اعتراض “أنور وجدي” عليه في البداية كممثل.
- ولد في حي الجمرك بمدينة الإسكندرية، لأب سكندري وأم تركية يونانية، وعاش حياة مترفة وكان متعدد العلاقات، حيث كان يعشق شعور الحب وأنجب ابنه من علاقة غير شرعية مع امرأة يونانية تدعى “ديمترا”، وكان يسيء معاملتها ويعتدي عليها بالضرب والإهانة حتى بعد أن علم بحملها منه.
- تعلم عادل أدهم العديد من الرياضات وتفوق فيها، بما في ذلك الجمباز والسباحة والملاكمة والمصارعة، مما جعل جسمه ممشوقًا وقويًا حتى أواخر حياته.
- انطلق في مجال الفن كراقص في رقصة علي رضا، وفشل في التمثيل باستثناء الأدوار البسيطة والضعيفة، وكان العديد منها من الأدوار الكوميدية.
- عاش أدهم حياة تتسم بعدم الاستقرار، وعلى الرغم من أنها أتاحت له فرصة لتطوير موهبته الفنية وأن يصبح ممثلاً قوياً، إلا أنها أسفرت عن العديد من المآسي، وكانت أشد هذه المآسي عندما علم بعد مرور 25 عاماً على هروب ديمترا مع ابنهما، بأنه لديه ابن شاب يمتلك مطعماً في اليونان،وتم الكشف عن هذا الأمر من قِبَل إحدى صديقات ديمترا.
- عندما سافر عادل أدهم إلى منزل والديه، استقبلته هي وزوجها بحفاوة، لكنها طلبت منه ألا يقابل ابنهما، حتى لا يتعرض لما لا يسره. وعلى الرغم من ذلك، أصر عادل على الذهاب لتناول الطعام في مطعم، وهناك واجه ابنه البارد والمتحفظ، مما جعله يدرك أن ابنه لا يريد أن يكون مثله.
- تزوج عادل أدهم مرة واحدة، وكانت زوجته حينها لمياء السحراوي، وكان عمرها سبعة عشر عامًا، وعاشت معه حتى وفاته.
- برع البرنس في تجسيد أدوار الشر في أفلام : الفرن، وتجربة على جسر ذهبي، والمذبحة.
السينما المصرية استضافت عددا كبيرا من الممثلين العظماء الذين نجحوا في تجسيد الشر ببراعة، على الرغم من أن الشر لم يكن الجزء الرئيسي في كثير من أدوارهم، مثل: سراج منير، ستيفان روستي، رياض القصبجي، نور الدمرداش، ومحمود مرسي، وغيرهم الكثير الذين أضاءوا ساحة السينما المصرية وأضافوا قيمة وتاريخا للفن السابع. ربما واجه الكثيرون صعوبات في بداية مسيرتهم، ولكن إيمانهم بتحويل الألم إلى أمل جعلهم عمالقة في مجال التمثيل، إلى الحد الذي أسس كل منهم “مدرسة” بأدائه الصادق الذي لا يستغل مشاعر المشاهدين ويضعهم في حالة تفاعل حقيقية ويؤثر فيهم بشكل كبير.