ملخص قصة سيدنا عيسى
في القرآن الكريم، تم ذكر قصة سيدنا عيسى عليه السلام بشكل كثير، حيث تناولت ولادته ودعوته والمعجزات التي أرسلها الله إليه، والادعاءات الباطلة حوله، وتم ذكر تبشيره بنبي يأتي من بعده باسم أحمد وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتم ذكر ذلك في الأحاديث النبوية
روى البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم، قال: (يمس الشيطان كل مولودإلا مريم وابنها عند ولادته، حيث يستهل صارخًا من لمس الشيطان له، وذلك بمعزل عن البشر الآخرين).
ويقول أبو هريرة: يمكن قراءة قوله تعالى: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}، ويمكن قراءة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء إخوة من علات، وهم الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد)، ويعني إخوة من علات الأنبياء الذين يمتلكون أمهات مختلفة ولكن لديهم نفس الإيمان والشرائع المختلفة.
مولد عيسى عليه السلام
تروي سورة مريم قصة مولد النبي عيسى عليه السلام، حيث يذكر الله تعالى فيها: `إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون`.
يعتبر حادث ولادة عيسى ابن مريم من أعجب ما شهدته البشرية في التاريخ بأسره، فهو معجزة لم تتكرر، حيث أنه ليس هناك إنسان يولد من دون أب وبدون تناسل وتزاوج بين الذكر والأنثى، ولكن مشيئة الله أرادت أن توضح للناس أنه لا شيء يصعب على الله عز وجل ويذكرهم بقدراته وإرادته، فقال عز وجل: {ولنجعله آية للناس}.
كانت مريم فتاة شابة مثل أي فتاة عذراء، مقدسة، وقد قامت أمها منذ وقت كانت في بطنها بنذرها لخدمة المعبد، ولم تعرف سوى العفة والبراءة، وأسرتها أيضا كانت متدينة، ثم تفردت لنفسها للتفكير في أمورها، واختفت عن الأنظار بسكينة، وفجأة ظهر رجل ينقلب حالها: {فأرسلنا إليها روحنا فتجسدت لها بشرا سويا}، فاستفاقت من ذهولها، وبادرت بالاستعاذة بالله، وقالت للرجل: {قالت إني أعوذ بالله الرحمن منك إن كنت تتقيا}، فرد عليها قائلا: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا}، فلم تفهم ما قاله واعتقدت أنه يحاول استغلال برائتها، ولكنها سرعان ما استوعبت المعنى وقالت له: كيف يمكن أن يحدث هذا وأنا عذراء، وأنا لست متعرضة لأي رجل ولم أرتكب ذنبا، “كيف يكون لي طفل ولم يلمسني رجل ولم أرتكب ذنبا”، وهنا يأتي جبريل ليخبرها بأن هذا الأمر سهل على الله تعالى، وأنه يريد أن يجعل من هذا المولود آية للبشرية بشأن وجوده وقدرته، وأنه سيكون أيضا رحمة لبني إسرائيل أولا، وللبشرية جمعاء، ثم حملت به: {فحملته وانتزع إلى مكان متواضع}، ثم جاء مشهد الولادة الذي صدم مريم، وهي وحدها، فشعرت العذراء بألم الولادة لأول مرة، وهي لا تعلم شيئا، فتمنت الموت قبل أن يحدث هذا لها، وأن تكون نسيانا منسيا! {فأتاها المخاض حتى وصلت إلى جذع النخلة، قالت: يا ليتني مت قبل هذا وأكون نسيانا منسيا.
معجزة كلام عيسى في المهد
وبعد ما مرت به مريم من مخاض وفي هذا الموقف العصيب تقع المفاجأة الكبرى {فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا}، طفل وُلِدَ يتكلم معها ليطمئن قلبها، ثم يقول لها على طعامها وشرابها، فيقول لها: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} (مريم:25)، فالله سبحانه لم يتركها وحيدة، بل أجرى لها تحت قدميها ماء عذب، ونخلة تأكل منها تمراً شهيًّا، وليس هذا فقط، بل ويرشدها على حجتها فيقول لها: {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} (مريم:25).
فذهبت إلى قومها تحمله، فاتهموها في شرفها، وسألوها كيف جاءت بالولد {فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا}، فتأتي معجزة كلام عيسى عليه السلام وهو في المهد، يقول سبحانه: {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} (30-33). وبهذا يكون قد أعلن عيسى عليه السلام عبوديته لله، وهذا الدليل على أنه ليس ابن لله كما يدعي فريق الناس، وأيضا ليس إلهاً كما يدعي البعض، وليس ثالث ثلاثة كما يدعي آخرين، بل هو نبي أوصاه الله بالصلاة والزكاة وبر والدته، وله عمر محدد، وبعدها سوف يموت ويبعث مثل باقي الخلق.
وينهي عيسى عليه السلام قوله بعبادة الله بلا شريك: وإن الله هو ربي وربكم، فاعبده، هذا هو الصراط المستقيم،
وقد ورد في سورة آل عمران أيضا ما يؤكد هذا كله في قوله سبحانه: {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين * ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين} (آل عمران:45-46)، وقوله تعالى أيضا: {وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين}.
قصة حواري عيسى
أرسل الله سبحانه رسوله عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، ولكنهم لم يسمعوا له ولم يستجيبوا له، فلما علم أنهم لن يسمعوا إليه قال لهم: {من أنصاري إلى الله} (آل عمران:52). وكما جاء في القرآن الكريم أن فئة قليلة آمنت به وأجابوه قائلين: {نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} (آل عمران:52)، وفي آية أخرى: {قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} (المائدة:111).
وقد سماهم سبحانه بالحواريين؛ وذلك لأنهم أخلصوا نيتهم لله تعالى، فهم لقوة إيمانهم استجابوا لعيسى، وتركوا الباطل ودافعوا عن الحق الذي جاءهم به عيسى عليه السلام، ويشهد لذلك قولهم: {آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون}، وقد أخبر القرآن عنهم أنهم أعلنوا وسلموا بما أنزل الله على أنبيائه من قبل: {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} (آل عمران:53).
تحكي القرآن الكريم قصة عن مائدة عيسى عليه السلام، حيث طلب الحواريون من عيسى عليه السلام أن ينزل عليهم مائدة من السماء، فقالوا: {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} (المائدة:112)،
وكان جواب عيسى عليهم بأن أمرهم بتقوى الله، فقال لهم: {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين}، ثم جاء ردهم على عيسى بقولهم: {قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} (المائة وثلاثة عشر)، فقد ذكروا له أنهم طلبوا نزول المائدة حتى يحصلوا على البركة، وأيضا لحاجتهم إلى الطعام ولتزداد قلوبهم إيمانا بالله، وأيضا ليكونوا شهداء على المعجزات التي جاءهم بها عيسى عليه السلام.
أخبرنا القرآن الكريم عن دعاء عيسى عليه السلام لله عز وجلقائلاً: “اللهم ربنا، أنزل علينا مائدة من السماء تكون عيدًا لنا في الأولين والآخرين وآية منك، وارزقنا وأنت خير الرازقين”، وذلك في سورة المائدة الآية رقم 114
فاستجاب سبحانه لدعاء عيسى عليه السلام فقال:قال الله إني نزلتها عليكم، فمن كفر بعد ذلك منكم فإني سأعذبه بعذابٍ لا يُعذَب مثله أحدٌ في العالمين.
رفع عيسى إلى السماء
حديث القرآن الكريم عن رفع الله عيسى عليه السلام قوله تعالى: في الآية الكريمة “يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون” (آل عمران: 55)، وللعلماء اثنان من الأقوال بشأن المراد من قوله تعالى “متوفيك ورافعك
الذي أجمع عليه جمهور أهل العلم المراد هنا: يمسكبك من الأرض ويرفعك إلى السماء بجسدك وروحك،
وأكد الفريق الثاني أن المقصود هنا هو تعزيز موتك ورفع مكانتك وروحك إلى مكانة الكرامة، بمثل رفع أرواح الأنبياء
رفع الله نبيه إليه بعد أن اشتد كيد اليهود له واجتمعوا حوله وقتلوه، وألقى الله شبهه على أحد الناس ورفع نبيه إليه.
أشار بعض العلماء إلى أن هناك مرحلة لنزول عيسى عليه السلام إلى الأرض، وذلك لأن الله لم يتوفيه بمعنى الموت، وسينزل عند اقتراب الساعة ويقتل الدجال ويؤمن به بعض أهل الكتاب، والله أعلم.
والآية الثانية التي أكدت حقيقة رفع عيسى عليه السلام، قوله تعالى: وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما، وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. هكذا نجاه الله منهم برفعه إليه.