ملامح الحياة الاجتماعية في العصر العباسي
نبذة عن العصر العباسي
يعرف العصر العباسي بفترة حكم العباسيين الممتدة من عام 132 هجريا حتى عام 656 هجريا، وينقسم إلى العصر العباسي الأول والعصر العباسي الثاني والعصر العباسي الثالث. بدأ العصر العباسي بعد انهيار الدولة الأموية، وعرف العصر العباسي بازدهار الشعر والأدب والفن والغناء، وهو عصر علم ومعرفة وحضارة وتطور. ظهرت في العصر العباسي مظاهر الترف والتحسن المعيشي في جميع المناحي، حيث كانت التجارة في أزهى حالاتها والسفن تأتي محملة بالبضائع، والفتوحات تصل إلى السند والهند.
تولى نحو ٣٧ خليفة عباسيا، وهم من أسرة العباس، عم الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن بينهم، أبو جعفر المنصور، وأبو العباس أحمد المستعين، وأبو إسحاق المهتدي، وأبو جعفر هارون الرشيد، وأبو الفضل جعفر المتوكل، وأبو جعفر المنصور المستنصر، وأبو العباس أحمد الناصر، وأبو أحمد عبدالله المستعصم، وغيرهم.
طبقات المجتمع في العصر العباسي
تنقسم المجتمع العباسي إلى طبقات مختلفة، حيث توجد طبقة الصفوة المعروفة أيضا بالطبقة الخاصة وتتكون من الشخصيات المهمة في الدولة وأتباع الخليفة. وتشمل الطبقة العامة الطبقة المتوسطة في الدولة، بما في ذلك التجار والمزارعين وأصحاب المهن البسيطة. وهناك طبقة أخرى تسمى الطبقة الدنيا التي تكون تحت الطبقة العامة وتصنفت بدرجة ثانوية، تشمل الجواري والرقيق وصغار الصناع والمزارعين والرعاع. يمكن فهم مظاهر الحياة الاجتماعية من خلال دراسة طبقات المجتمع العباسي، والتي تمثلت في
- الطبقة العليا
تمثلت الطبقة العليا في خمس وهم الخليفة وأهل الخليفة ورجال الدولة من الوزراء وأرباب البيوت والتوابع الخاصة له، فالخلفة كان صاحب السلطة السياسية في الدولة، وهو أكبر منصب فيها، كما أن كان يجب طاعته وخدمته، فكان الجميع يهابه ويحترم أوامره وينفذها، كما أن أهل الخليفة حظوا بنفس المكانة الكبيرة التي حظى بها الخليفة فهم من بنو هاشم وكانوا أكثر الناس قدراً وقيمة ويسموا بالأشراف وأبناء الملوك، وأهل الخليفة الوحيدون الذين إذا دخلوا على الخليفة جلسوا على الكراسي أما البقية فيجلسوا على البساط على الأرض.
تمثلت طبقة رجال الدولة في الوزراء والكتاب والقواد ومن جرى مجراهم من أرباب المناصب الكبرى، وكان أكثرهم من الموالي والفرس فأخذ هذه المناصب البرامكة وآل سهل وآل وهب وآل الفرات وآل الخصيب وطاهر وغيرهم، وكان يختلف نفوذ كل شخص منهم وفقاً لاختلاف الخلفاء وأدوار التمدن ومدى قربه للخليفة ومنصبة، حيث عرف الوزراء بأنهم من أكبر المناصب بعد الخليفة مباشرة.
بأهل البيوت يقصد الأشراف الذين ليسوا من العائلة الهاشمية. وإذا كانوا من الهاشمية، فإنهم يسمون أهل الخليفة. أما الأشراف الآخرون فيسمون أهل البيوت، وهم الذين ينتسبون إلى آل قريش، أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الخلفاء يراعون جانبهم ويمنحونهم المال والهدايا والراتب، ويقدمونهم في مجالسهم.
- أتباع الخاصة
الأتباع الخاصة هي الفئة المقربة من الخلفاء وتم طردهم من الطبقة العامة بسبب قربهم من الخلفاء، وهم طبقة فرعية حيث يتم دمجهم أحيانا مع الطبقة العامة، ويشملون الجنود والمساعدين والحلفاء والخدم، ولهم مكانة مهمة بسبب الحماية التي يقدمونها للبلاد والأعمال النافعة التي يقومون بها، كما أنهم كانوا مقربين من الطبقات العليا وكانوا هم الذين حققوا الانتصارات العظيمة، فالجنود هم الشباب والشجعان الذين يتميزون بالقوة والشدة ويتعلمون التربية العسكرية والولاء للدولة والانتماء لها، وإذا أبدوا أداء جيدا في المعارك، يحظون بمكانة عالية.
: “الأعوان هم المرافقون الخاصون بالرجل، فكان الخليفة وكبار رجال الدولة يأخذون الأعوان معهم في مجالسهم ويعيشون في بعض الأحيان في منازلهم، وكان لديهم رواتب تقتضي ذلك. ومن بينهم كانت هناك طائفة تسمى الجلسات، وهم الذين يجلسون مع الأمراء، وآخرون من الشعراء والندماء وبعضهم كان من أهم أهل التعقل والثقة والمشورة الذين كان الأمير يجلس معهم بانتظام، وكان يتفاوض معهم في شئونه ويسند لهم المهام.
الموالي هم الحلفاء غير العرب الذين دخلوا الإسلام من اليهود والنصارى، ولديهم مكانة مرموقة في الدولة العباسية، ولا يعتبروا من العبيد أو الطبقات الدنيا، بل هم من طبقة الأتباع الخاصة.
- طبقة العامة
تضم طبقة العامة المهنيين من التجار والصناع والعلماء والفقهاء والأدباء والشعراء وأهل الغناء. في العصر العباسي، شهدت جميع الفنون والعلوم ازدهارا كبيرا، وكان الشعر والموسيقى شائعين بشكل كبير بسبب انتشار الترف وانعقاد المجالس الترفيهية يوميا. وعلى الرغم من ذلك، ظهرت الطبقة الصوفية التي حاربت هذه المظاهر بشدة وتصدت لها بكل قوة بسبب تعارضها مع الدين الإسلامي الحنيف.
– كانت طبقة العلماء والفقهاء من الفئات المقربة للخليفة، إذ كانوا يمتلكون الرأي والعلم وكانوا يزودونه بالأخبار والشورى ويقدمون له النوادر والأفكار. وكان من بين أشهر هؤلاء العلماء في عهد الدولة العباسية أبو عبيدة والكسائي والفراء والأصمعي.
التجار هم الذين يبيعون السلع الثمينة مثل المجوهرات والمصوغات والريش الثمين والملابس الفاخرة والأواني الفاخرة، ومعظم ثروتهم كانت من الخليفة وأهل الدولة والأفراد الأثرياء، وكانوا يتعاملون مع أهم الشخصيات في الدولة للحصول على الكثير من المال. كما تعاملوا في ذلك الوقت في تجارة الياقوت والألماس التي جلبوها من الهند والعقيق والعاج الذي جلبوه من الحبشة، والزيوت العطرية والأدهان من بيسابو، والكتان من شيراز، والأقمشة المنسوجة وغير ذلك.
الصناع هم الذين تعلموا الصناعات وعملوا على توزيعها في البلاد وممارستها في التجارة أيضا. بسبب التطور الكبير والفتوحات والإندماج، كان عليهم السفر إلى بلاد الغرب والشرق، مما أدى إلى ازدهار الصناعة. وكانت صناعة السكر تحظى بالنصيب الأكبر وتم توزيعها في العالم بأسره. كما كانت الملابس المرصعة بأفخم الزينة جزءا من صناعة الدولة العباسية، وكانت صناعة الخزف والنقش على الزجاج والأحجار مزدهرة للغاية نتيجة للثراء والترف، وذلك لتزيين القصور والبيوت.
طبقة العامة تشمل المزارعين وسكان المدن، ولكنها تنقسم إلى طبقتين. الطبقة الثانية تضم صغار التجار وصغار الصناع والمزارعين وسكان المدن. في القرى، كان معظم المزارعين من أهل الذمة من مصر والشام والعراق وأرمينيا واليونان والسريان. كانت ثرواتهم محدودة ولم يتمتعوا بنفس الامتيازات التي يتمتع بها كبار التجار وكبار الصناع. ومع ذلك، كانوا ينتمون إلى أصحاب المهن وليسوا من الفقراء.
العياربون والشطار وهم الفئة الفقيرة في الطبقة العامة واعتبروا الطبقة المحرومة، وأطلق عليهم مجموعة من المسميات من بينهم اللصوص والرعاة والسفلة والشطار والزعار، وظهروا أثناء عصر الفتنة، وكانوا يعرفوا بأنهم لصوص ولهم كثيراً من النوادر والقصص المضحكة التي انتشرت في هذا العصر.
الرقيق والجواري هم الأشخاص الذي يباعوا في الأسواق ويمكن الحصول عليه من الحرب كالأسرى أو التجارة من خلال شرائهم بالمال، وكان هناك عدد من الرقيق الذي سباه جيش المعتصم من معركة همورية كثير جداً، حيث كانوا يباعوا حينها بالخمس والعشر، وسمى هذا السوق الذي يبيع الرقيق باسم سوق النخاسة وكانوا يقوموا بالخدمة في البيوت.
مظاهر الحياة الاجتماعية في العصر العباسي
عرف عصر العباسيين بالترف والتطور الكبير في العديد من المجالات، فكان عصرا للتجارة والصناعة والترف، كما بلغت الحركة التعليمية أشدها، وكذلك الفتوحات، مما أدى إلى وجود اختلاط كبير بين العرب والفرس والأتراك والبربر، وتبادل كبير في الثقافات والأعراق، مما أسهم في تبلور أهم مظاهر الحياة الاجتماعية في عصر العباسيين
- اشتهر العصر العباسي بكثرة الجواري والغلمان، وكان ذلك بسبب الثراء الكبير الذي حصل عليه أهل الدولة، ولذلك كان كل منزل لكبار الدولة يضم عددًا كبيرًا من الجواري والغلمان.
- انتشرت ظواهر الترف المتمثلة في شرب الخمور والغناء ومجالس اللهو، وكان ذلك بداية للانهيار في الدولة العباسية، حيث كان هم كبار رجال الدولة اللهو واللعب الذي أدى إلى الانحدار.
- صُنعت الملابس من الحرير وزُخرفت بالذهب كمنتج للغناء.
- تظهر مظاهر الترف في صناعة أدوات المائدة التي صنعت من الفضة والذهب، وفي المنازل التي رصعت بأفضل الزينة وبُنيت على أفخم الطرز.
- كان زواج العرب في العصر العباسي من الفرس والترك والبربر وغيرهم من أهم مظاهر الحياة الاجتماعية، حيث اختلط العرب بغيرهم ودخل الإسلام إلى العديد من الدول. كما أنه كانت هناك حروب نتجت عنها وجود سبايا وجواري، وقد لعبوا دورًا هامًا في الحياة الاجتماعية لاحقًا.
- انتشرت العلوم وتكاثرت المدارس وأصبحت التعلم جزءا أساسيا من الحياة في العصر العباسي.
- تعرب الدول بشكل مختلف؛ فمنها ما يتم تعريبه تعريبًا كليًا مثل مصر والشام، ومنها ما يتم تعريبه تعريبًا جزئيًا مثل الأندلس وبلاد فارس.