كتاب الفهرست لابن النديم
يعتبر كتاب الفهرست للنديم أهم عمل في مجال التأليف والببليوغرافيا بطريقة فريدة في العالم الإسلامي، حيث يقدم المؤلف في المقالات العشر الأولى بشكل منهجي المساهمة الفكرية للعلماء الإسلاميين في الحضارة الإنسانية، وذلك حتى نهاية القرن العاشر الميلادي (القرن الرابع الهجري). يقدم هذا العمل الفريد مراجعة شاملة للثقافة العربية المتسامحة تجاه جميع المدارس الفكرية
يمكن القول أن الغرب لم يصادف في تاريخه كتابًا من هذا النوع حتى بداية الطباعة في القرن الخامس عشر الميلادي، وأهم إضافة للطبعة الجديدة هي المجلد المخصص للدراسة النقدية للكتاب، حيث خصص الجزء الأول من هذا المجلد المستقل لدراسة وتحليل كامل لابن النديم وكتابه “الفهرست
والجزء الثاني بدلاً من ذلك يغطي فصول الكتاب والفهارس كما تضيف هذه الطبعة تصحيحات إلى العمل الذي أنجزه محمد بن تاويت الطنجي في الكتاب علاوة على ذلك فإنه يوفر تصحيحات للأخطاء السابقة ومعلومات محدثة ونتائج حديثة وذلك بفضل تحليل المخطوطات التي قدمها للمحرر عدد من العلماء والزملاء.
مكونات كتاب الفهرست
يتألف كتاب الفهرست من 10 مقالات متنوعة، استنادًا إلى الكتب والثقافة التي اكتسبها ابن النديم وقرأها، أو التي سمع عنها في منتصف القرن الرابع الهجري.
ومكونات كتاب الفهرست جاءت كالآتي:
- اللغات والكتب المقدسة وعلوم القرآن.
- اللغة والنحو.
- الأخبار والأنساب.
- الشعر.
- علم الكلام.
- الحديث والفقه.
- الفلسفات.
- الأسماء والخرافات.
- الاعتقادات.
- الكيمياء أو الصنعة.
مقدمة كتاب الفهرست
هذا فهرست كتب جميع الأمم من العرب والعجم الموجود منها بلغة العرب وقلمها في أصناف العلوم وأخبار مصنفيها وطبقات مؤلفيها وأنسابهم وتاريخ مواليدهم ومبلغ أعمارهم وأوقات وفاتهم وأماكن بلدانهم ومناقبهم ومثالبهم منذ ابتداء كل علم اخترع إلى عصرنا هذا وهو سنة سبع وسبعين وثلاثمائة للهجرة.
ابن النديم
مؤلف هذا العمل المهم هو محمد بن إسحاق المعتزلي، المعروف بابن النيدم. ولد إسحاق كان تاجرا للأوراق والكتب، وحصل على تعليم متقدم في مجالات متنوعة من معلميه المشهورين مثل إسماعيل الصفار، الحديث، والفقيه أبو سعيد الصيرفي، وأبو الفرج الأصفهاني، مؤلف كتاب الأغاني الشهير. يعتبر الكتاب مرجعا في الشعر والأغاني والمطربين والأدب والثقافة
والمرزوباني مؤدب ومؤلف لكتاب `طبقات الشعراء`، والحسن بن السوار، المترجم للنصوص العلمية، ويونس القص، عالم الرياضيات، وأبو الحسن محمد بن يوسف الناقيط، عالم في العلوم اليونانية. تمكن هؤلاء الأشخاص بفضل التعرض الكثيف لمجالات المعرفة المختلفة من توسيع نطاق الاستفسارات المستقلة في المصادر الأصلية المتعلقة بهذه التخصصات وغيرها
يُقال إنه بدأ حياته المهنية ككاتب، ويمكن أن يعني ذلك أنه كان كاتبًا أو سكرتيرًا ماهرًا في المراسلات، أو خطاطًا وناسخًا للكتب، وستظهر بعض ملاحظاته أنه كان مرتبطًا بتجارة الكتب، وبالتالي أصبح باحثًا دؤوبًا ومجمعًا للكتب
كما استمر في التعرف على العلماء الآخرين الذين إما قاموا بنسخ أو إنتاج الكتب أو جمعوا كتباً انتقلت إلى جميع أنحاء العالم وبسبب تعليمه ومنحته الدراسية تم وضعه في الخدمة من قبل حكام البويهين وأصبح رفيقهم الموثوق بهم في البلاط وتوفي يوم الأربعاء من شهر شعبان في اليوم العاشر من نهايته سنة 380 هـ (990 م).
– من خلال سعيه العلمي إلى الكتب كمستودعات للمعرفة، واهتمامه العميق بفن وتقنية الكتابة، ساعد المذكور في نسخ وإنتاج المزيد والمزيد من الكتب، حيث قام أولا بتأليف كتاب حول هذا الموضوع، يشرح فيه خصائص ويقارن بين الكتب المنتجة في ذلك
وفي عام 377 هـ (987/88 م) بدأ بشكل منهجي في توثيق ووصف الكتب التي كان يمتلكها في مجموعته الخاصة أو التي كان يمتلكها وفحصها ذات مرة أو التي كان لديه معلومات صحيحة جيدة وكان نهجه في التوثيق موسوعياً بقدر ما كان يُزعم أنه يجلب المرجعية لجميع الكتب المعروفة لجميع الأمم حيث أطلق على هذا العمل عنوان الفهرست ومن المحتمل أن يكون قد أكمل مسودته الأساسية الكاملة في عام 380 هـ في وقت ما قبل وفاته.
إن الفهرست لم يكن مقصوداً أن يكون مجرد قائمة كتب حيث كان النديم قد خطط له لتوفير معلومات حول كل كتاب بعنوانه الصحيح اسم المؤلف والتفاصيل الأخرى اللازمة عنه وموضوع الكتاب ومجال المعرفة الذي تنتمي والمكونات الرئيسية الثلاثة الأساسية لعملية الفهرسة من خلال نهج علمي ومهارة في التوثيق وضع النديم أساس “علم الفهرسة” في هذا العمل
وبالتالي، يعتبر الفهرس الأول “كتالوج” موضوعي قياسي يغطي جميع مجالات المعرفة، وهو مقسم إلى عشرة أجزاء مقسمة إلى أقسام فرعية، حيث يتناول كل منها موضوعا واحدا أو أكثر مع مقدمة عامة تليها تفاصيل بببليوغرافية
يتناول القسم الأول من الفصل الأول القاعدة الأساسية للمعرفة فيما يتعلق باللغات والنصوص وأشكال الكتابة العربية وغير العربية، وتاريخيا كان هذا القسم هو أول حساب علمي في مجال الحفريات القديمة، ويحتوي الجزء العاشر والأخير من الفصل على وصف للكيميائيين والكيميائيين القديمين والحديثين
مع كل كتاب وثق تفاصيله الرئيسية، يحضر النديم تحت المرجع جميع الكتب ذات الصلة بكل تخصص من خلال الببليوغرافيا، ومع ذلك، قام بترتيبها معا وليس بترتيب أبجدي، وهذه سمة مهمة في الفهرسة. كان من المقرر تطوير الببليوغرافيا في وقت لاحق في أعمال أكثر تقدما مثل كشف الظنون لحاجي خليفة، ومع ذلك، يحمل الفهرس ميزة أنه `فهرس عالمي` لعصره، حيث يوثق الإنجازات الفكرية المهمة خلال القرون الأربعة الأولى للإسلام، ويقدم إطارا مرجعيا شاملا يربط الإنجازات الفكرية للعديد من الحضارات
حيث نجح المؤلف كونه أكثر العلماء معرفة في جعل الفهرست مرآة للعلم والأدب والثقافة تعكس جميع الإنجازات المهمة في هذه المجالات وأكثر من ذلك بكثير حيث يرى أحد العلماء المعاصرين “إن العمل ليس فقط ذو قيمة عالية لمعرفة ثقافة الإسلام في العصور الوسطى والشخصيات الأدبية في تلك الفترة ولكنه يقدم معلومات مهمة حول المواد الكلاسيكية المتاحة للنقل من خلال الثقافة الإسلامية إلى العالم الغربي وهكذا فإن الفهرست هو سجل حقيقي للحضارة “.
الطبعة الجديدة من كتاب فهرست
تعاني الدراسات العربية والإسلامية من عدم وجود طبعات موثوقة للموارد الأساسية، مثل كتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري وكتاب مروج الذهب، سواء كانت تلك الدراسات من العصر العباسي أو ما بعده. وعلى الرغم من أن هذه النصوص المعينة قد استخدمت وأهتم بها لفترة طويلة من الزمن، فإن ظهور طبعة جديدة لكتاب فهرست ابن النديم (ت 380/990) في عام 2009 من قبل أيمن فؤاد سيد (يشار إليه فيما بعد باسم afs) يوفر فرصة للتفكير في هذه المشكلة العامة، من خلال النظر في التقدم التاريخي الذي تم إحرازه في التحرير والصياغة
حيث وضع هذا النص في سياقه وهو أمر أساسي لفهم التاريخ والحروف العباسية ولجميع التقاليد الفكرية تقريباً التي نشأت في العالم الإسلامي بحلول القرن الرابع / العاشر كما سيتضح فإن التاريخ المعقد للمعرفة حول الفهرست هو درس موضوعي حول مشكلة الفشل في أخذ عمل المحررين والعلماء السابقين في الحسبان بشكل كافٍ وهو الأمر الذي يصعب بشكل خاص في هذه الحالة بسبب الحواجز اللغوية والوصول المحدود على نطاق واسع.