بدون شك، كما هو الحال في أي حضارة قديمة، فإن وجود المكتبات يعتبر ضروريا. تميز تراث المكتبات في العهد العثماني بالثروة الفائقة، وذلك بفضل قوة وعظمة الدولة. وتجلى ذلك في الحياة العلمية التي أظهرت بوضوح في الهندسة المعمارية والآثار المتبقية من تلك الحقبة. وبالنسبة للمؤرخين والباحثين، ولا سيما في تاريخ الدولة العثمانية، توجد عدد هائل من المكتبات التي تبقت من تلك الحقبة، وتحتوي هذه المكتبات على وثائق وكتب قيمة تتعلق بهذه الحقبة الفريدة. ومن بين هذه المكتبات المهمة بشكل لا يمكن تجاهلها، مكتبة كوبرولو (Köprülü Kütüphanes) .
تعد المكتبة من أهم المكتبات التي تم إنشاؤها في العهد العثماني. كانت المكتبات تدرج ضمن القصور الخاصة بالسلطان والأمراء وأعيان الدولة، أو بالمساجد والكليات لطلاب العلم. ولكن تلك المكتبة هي ثاني مكتبة في العهد العثماني تكون لها مبنى مستقل تم تأسيسها عام 1687 ميلادية في مطلع القرن السابع عشر. حيث تم إنشاء ثلاث مبان وبيوت للكتب من أجل المحافظة عليها وحفظها. وتم الاشتراط عليهم المبيت في تلك البيوت. كانت وظيفة حفاظ الكتب من أرقى الوظائف في العهد العثماني. كانوا مسؤولين عن إدارة المكتبة في كل الأيام ما عدا يومي الثلاثاء والجمعة. في سجلات المكتبة كان يعمل بها ثلاث حفاظ للكتب وموظف للمكتبة ومحفظ للقرآن ومجلد للكتب وثلاثة عمال للماء ونجار وعامل خدمة للتنظيف. لقد لاقت حركة طباعة وتجليد وتأليف الكتب رواجا كبيرا، ليس في العهد العثماني فقط، بل في سائر عهود الدولة الإسلامية منذ بداية التدوين في القرن الثاني الهجري .
تأسست مكتبة كوبرولو في عام 1741 في بداية القرن الثامن عشر في حي الوفاء في اسطنبول، تحت إشراف صاحب الديوان الشاعر عاطف مصطفى أفندي، في زمن الخليفة محمود الأول. تقع المكتبة مقابل ضريح السلطان محمود الثاني في شارع ديوان أوغلو في امين اونو في مدينة اسطنبول. تأسست المكتبة بتوصية من فاضل احمد باشا، ابن الصدر الأعظم محمد باشا كوبرولو، وتحتوي على أكثر من 3000 كتاب ومخطوطة مطبوعة باللغات العربية والتركية والفارسية والعثمانية .
يتمثل طراز المعمار العثماني في مبنى المكتبة التي تم بناؤها في القرن الثامن عشر الميلادي بأسلوب الباروك. وهذا النمط هو فن من فنون العمارة الدينية التركية. وفي مدخل المكتبة، يوجد لوحة من المرمر الخالص على الجدار، وعليها مكتوب شروط الدراسة وكيفية الاستفادة من المكتبة، والقواعد داخلها، ومكان يوضح تاريخ إنشاء المكتبة والغرض من البناء بهدف خدمة الطلاب الباحثين. وكان يتم اختيار موظفي المكتبة بناء على حسن الخلق والسيرة الحسنة والتدين، ولم يسمح بإخراج أي كتاب أو نسخة من المكتبة. ويوجد قاعة لحفظ الكتب، وفسحة على شكل سداسي كانت تستخدم قديما كصالة للمطالعة، وباب يؤدي إلى مخزن الكتب، وتحت المبنى يوجد المحزن. واليوم، تحتوي المكتبة على عدد من الكتب والوثائق القيمة والنادرة جدا وأغلفة الكتب المذهبة بالذهب، ولم يتم تحويلها بعد إلى الصيغة الرقمية. وهي مناسبة لدراسة التراث العثماني والعهد العثماني والتاريخ بشكل مفيد جدا، وتحتوي على 3،228 مخطوطة و6،358 كتاب مطبوع بالأحرف العربية والقديمة، وبها 25،905 كتاب. واليوم، تعد مكتبة زادا لكل الباحثين باللغة التركية وباحثي التاريخ واللغة التركية والطلاب. وتتبع المكتبة إداريا مكتبية مسجد السلمانية. وإذا كنت من محبي الكتب والمكتبات التراثية، فلا يفوتك زيارة مثل تلك المكتبة التي تحتوي على الكتب والمخطوطات النادرة جدا والقيمة والثراء المعرفي والفكري والتاريخي والتراثي ..