مقدمة وخاتمة عن الإيثار
مقدمة عن الإيثار
الإيثار هو صفة عظيمة يتميز بها صاحبه، فهو يتمتع بأخلاق رفيعة ونبيلة وسمات رفيعة ومستوى أعلى من الأخلاق وقيمة الذات. والإيثار صفة لا يصل إليها الشخص بسهولة، بل تحتاج إلى جهد من الإنسان وارتفاع وسمو فوق الرغبات الشخصية والأنانية
الإيثار هو تفضيل الآخرين على النفس في الخير، حيث يقوم الشخص الكريم بتحقيق الخير للآخرين بدلاً من نفسه، ويمتنع عن الاستفادة من هذا الخير لصالح الآخرين، ويعتبر هذا من مكارم الأخلاق، وهو شخص يتميز بنبل النفس والكرم.
يتوجب على الإنسان أن يروض نفسه ويدربها بشكل دائم حتى يصل إلى مرحلة الإيثار، وعليه أن يجاهد نفسه ويعلمها بالقناعة والرضا بالقليل، ويتحمل تعليمها وترويضها حتى تتقبل الإيثار وتطبقه
الوصول لمرتبة الإيثار يصعب على الشخص الأناني والبخيل، لأنها مرتبة رفيعة، والبخل والأنانية تعكسان الإيثار تماما كأنهما على طرفي نقيض، فالأناني والبخيل يحبان أنفسهما بشكل شديد، ولا يمكنهما منح الآخرين أو التفضيل لهم في الخير في الدنيا، لذلك يحتاج الوصول لمرتبة الإيثار إلى جهد وجهاد مع النفس التي تميل لجمع الخير لنفسها، وهي طبيعة الإنسان، ولكنها طبيعة قابلة للتغيير، وأمثر ما يساعد الشخص على الوصول لمرتبة الإيثار هو أن يدرب نفسه ويعرف مزايا الإيثار بين الناس وأجره عند ربه، ويعرف عيوب البخل والأنانية بين الناس وعند ربه
فالناس بطبيعتها تحب الكريم الذي يؤثر الناس على نفسه والله قال في من يؤثر الخير ( وَٱلَّذِینَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِیمَـٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ یُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَیۡهِمۡ وَلَا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمۡ حَاجَةࣰ مِّمَّاۤ أُوتُوا۟ وَیُؤۡثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةࣱۚ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الحشر 9].
ربط الله سبحانه وتعالى بين الفلاح والإيثار للتأكيد على أهمية الإيثار، ودعا الله سبحانه وتعالى إلى البخل وعدم تقديم الخير في قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ۖ بل هو شر لهم ۖ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ۗ ولله ميراث السماوات والأرض ۗ والله بما تعملون خبير) [آل عمران: 180]
هذا تحذير شديد لمن يحب الدنيا ويتعلق بها ولا يؤثر إلا على نفسه بالخير ويحرمه عن الناس. وإظهار الخير بأشكاله المختلفة هو دليل على نصرة النفس. فالخير متنوع في أشكاله، بما في ذلك إظهار خير العلم وخير المال وخير الدنيا وخير الآخرة، وكلها أنواع من الخير إذا اتبعها الإنسان وعمل بها، سيحظى بحصة من الخير والنجاح في الدنيا والآخرة. ومن أمثلة الإظهار التي يتجسد فيها الناس في حياتهم هو إظهار الاحترام في المجالس، حيث ينهض الشخص الجالس للقادم.
وفيما يتعلق بالإيثار في الطعام، يقدم الشخص الطعام للآخرين قبل أن ينتهي منه، وتتنوع أشكال الإيثار وتكثر. فكلما وجد الشخص أن لديه ما يستطيع أن يمنحه أو يتركه للآخرين للاستفادة منه، كلما كان أقرب للإيثار وأكثر تطبيقا له
خاتمة عن الإيثار
الإيثار هو سلوك نبيل يحتاج إلى إرادة ورغبة داخلية من الفرد، ومصدره الأساسي هو الخير الكامن في داخل الشخص نفسه، ومنبعه أيضا في تعاليم الدين وأوامره والالتزام بها. يمكن الوصول إلى هذا المستوى الرفيع من النفس وتميزها من خلال قبول فكرة أن الخير كله بيد الله، وأن الإنسان لن يحصل إلا على ما كتب له من قبل الله. ولا يوجد حاجة للنزاع والقتال والتآمر من أجل الحصول على الدنيا المؤقتة، بل يجب أن نكتفي بالقليل الذي يكفي لاستمرار الحياة. فالدنيا هي مرحلة مؤقتة، والآخرة هي الحياة الأبدية التي تستحق السعي والعمل، والجهاد هو السعي لتحقيق الكمال فيها
وأخيرا، يجب على كل فرد أن يبحث عن مصدر لتطهير نفسه وأن يعمل على تحسينها وتوجيهها، واستخدام الوسائل التي يمكن أن تساعده على تحقيق التطور الشخصي. يمكنه حضور جلسات تعليمية ودينية، وتدريب نفسه على العطاء وإعطاء الهدايا كبداية جيدة، بهدف تعلم مفهوم الإيثار، فهو أعلى من إعطاء الهدايا والعطايا
عندما يصل الإنسان إلى هذا المستوى العالي من العلو والارتفاع، يستطيع أن يستخف بشأن الدنيا ومادياتها، ويهتم بأمر آخرته، ويصبح الإيثار جزءًا من عادته وأسلوب حياته في الحياة، ويتحول إلى جزء من شخصيته التي يُعرف بها بين الناس، ويجزى عليه الفلاح من الله سبحانه وتعالى.
وبذلك، يصبح حديثنا عن الإيثار وفضله وأهميته وأثره في حياة الناس واضحًا بشكل جيد، ونختم حديثنا عن هذا الخلق الرائع
شعر عن الإيثار
الإيثار يتضمن العديد من أشكال التناول الأدبي، بما في ذلك الكتابة عن الإيثار وأبيات الشعر. وفيما يلي بعض الشعر عن الإيثار:
سبْحانَ منْ خــلقَ الْعبادَ مُذكّــرا
ذكّـر، فبعْض الذ ّكْر ِينْفعُ مُجْحِدا
كمْ كان للْـخِلاّنِ بيـن ديــــارنــا
حُـبّ وعهْـدٌ ، لايـزال مُـجـدّدا
آثَرْتَ يا شعْبُ الْمَحبّة شيمـــَـة ً
وأتَيْتَ بالْخَيْراتِ اهْلـكَ مـُمْـــددا
صادَقـْـتهُمْ ودّا، وكُنْتَ حَيـًا لهُــمْ
طَوْعا لأمْرِ اللّـهِ ليْـسَ مـُفَـَنّـــــدا
آوَيْـتَهُمْ ، وبَسَطْتَ فرْشك كُلّــه
بَذ ْلا ، لِمنْ جـاءَ الْبِلادَ مُشَـرّدا
وأقَـَمْتَ من قوتِ الصّغارولائـما
تبْـقى علـى مرّالزّمـان شَواهِـــدا
وذواتُ حِجْل ،كمْ هَدينَ حِلِيهــن
كَرَمُ الخِصالِ يــدومُ فينا مـُخَلـّـدا
فـُـتِحتْ مـدارِسُنا تُـنيرُ عُقولَهــمْ
تَمْحو الجَهالةَ ، بالْهِدايةِ والْهُدى
وتَدَفـّقَـتْ بيْن الصّفوفِ نعائـِـم ٌ
منْ صِبْية تَهْوى الْحبيبَ مُحَمّـدا
يافــَرْحَةَ النّفسِ البريئةِ عندمــا
تَشْقى ، لِتُسْعِدَ مَنْ أتاها مُقَـيّــدا
حديث عن الإيثار
ورد في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني امرأة فقيرة تحمل ابنتين، فأطعمتها ثلاث تمرات، ثم أعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت تمرة لتأكلها، فاستطعمت ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار.
قصة عن الإيثار
كان هناك مجموعة من الناس يعيشون حياة عادية، ولكنها كانت مليئة بالعادات الجاهلية وسوء الخلق، وفجأة ظهر إنسان طيب الخلق والصفات، كريم النفس، حاول تصحيح هذا المجتمع الذي يعيشون فيه وعلّمهم الأخلاق الحميدة وابعدهم عن الفساد والضلال.
واجه هذا الإنسان رفضًا وإيذاءً من محيطه، باستثناء بعض الأشخاص الذين عرفوا قيمة كلامه ووقفوا بجانبه، حاولوا بناء مجتمع يتسم بالخير والحق، ولكنهم فشلوا وتعرضوا للاضطهاد والإيذاء من محيطهم، حتى قرروا الهرب والهجرة إلى بلد آخر حيث يمكنهم العيش مع معلمهم الذي أرشدهم إلى الخير.
قبل هجرتهم، أرسلوا معلمهم إلى المكان الذي يعتزمون الهجرة إليه، ليعلم الناس الخير والحق ويمهد الطريق لهم ولمن يرافقهم لإقامة مجتمع عادل ومتساوٍ.
وعندما هاجروا إلى المكان الجديد، استقبل الناس هناك هذه الأفكار بترحاب وأحبوها واستفادوا منها. وعندما جاء هذا المعلم، استقبلوه هو وأتباعه بترحيب حار وأظهروا أروع أمثلة في العطاء والمحبة. فكل شخص من سكان تلك المدينة قام بتقسيم ما يمتلكه بينه وبين أحد القادمين من الأجانب، وحصلوا بعد ذلك على الأموال من مصادر متعددة وكانوا يفضلون إعانة الأجانب الذين جاءوا. ولهذا السبب ذكرت هذه الآيات: `والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ۚ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون` [الحشر: 9].
تعرفنا الآن على هوية هذا المعلم، فهو النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه هم الصحابة، وأما الذين قدموا أروع مثال في التاريخ للإيثار فهم الأنصار