ادبروايات

مقتطفات من رواية موتٌ صغير

مقتطفات من رواية موتٌ صغير

في غلاف الرواية يقول الكاتب “منذ أن ولدت في مرسية وحتى وفاتي في دمشق، كنت في رحلة مستمرة. رأيت بلادا والتقيت بأشخاص وتعرفت على الأولياء. عشت تحت حكم الموحدين والأيوبيين والعباسيين والسلاجقة في طريق مقدر من الله لي قبل خلقي. فمن يولد في مدينة محاصرة، يولد معه رغبة شديدة في السفر خارج الأسوار. المؤمن هو الذي يعيش في رحلة دائمة، وكل وجوده هو سفر في سفر. ومن يترك السفر ويستقر، فإنه يعود إلى العدم.”

عند تناولنا مقتطفات من رواية موتٌ صغير نجد أن الكاتب يتحدث عن سيرة الصوفي الشهير محي الدين بن عربي، حيث يتناول قصته بعيدًا عن تعقيدات حياته وغلوه في التصوف وقضايا إسقاط التكاليف الشرعية وخزعبلاته، فهو يتناوله من جانب إنساني فقط، وتحسب للكاتب خروجه عن المألوف بعض الشيء وتناول الجانب الروائي فقط لشخصية تاريخية ومشهورة، وهذا أجلّهُ وأقدره في النص، فالرواية لا تتحدث عن سيرة ابن عربي وفق مراحل حياته التاريخية الحقيقة بزمناتها المتعارف عليها وأحداثها في ذلك التاريخ، بينما في جلها هي سيرة مخترعة بها بعض الأصالة والكثير من التجديد وفق تسلسل زمني رجع فيه الروائي لشيء من سيرته ليصور بها قصة حب وعشق لابن عربي الإنسان بينه وبين محبوبته نظام.

في كتابه، عرض الكاتب حياة ابن عربي وكيف اختار طريقا غير الطريق الذي اختاره والده. وقال ابن عربي: `الله هو الذي اختارني لأسلك طريقا.` وفي بداية بحثه عن الله، كان ابن عربي في بيت فريدريك مع صديقه الحريري. ودار بينهما الحوار التالي: سأله الحريري: `ألن تشرب؟`، فأجاب ابن عربي: `أخاف.` فسأله الحريري: `مما تخاف؟` فأجاب ابن عربي: `أن يأخذني الله وأنا على معصية.` فقال له الحريري: `لكنك لست على معصية.` فتعجب ابن عربي وقال: `كيف يكون ذلك والخمر محرمة؟` فأجاب الحريري: `بلى، لكنك مؤمن، وإيمانك متصل ومعصيتك متقطعة، فإذا أخذك الله سيأخذك على الإيمان وسيكون نهايتك حسنة.

هي قصة صغيرة يمكن أن تعتبر سيرة للشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي. ومع ذلك، هل تعتمد فكرة القصة فقط على سرد الأحداث المعروفة من حياة ابن عربي؟ بالطبع لا، وهنا يكمن الاستثنائية. قرر الكاتب أن يدخل عش الدبابير ويكشف كل ما عاشه الشيخ الأكبر في حياته، حتى لو كانت هناك أمور يخجل المتصوفة من ذكرها. ومع ذلك، حيث حدثت بالفعل، فإنه يجب كشفها للقارئ. من خلال هذه القصة، نكتشف أن ابن عربي شخص عادي يخطئ ويصيب، يرتكب الخطايا ويقع في المحرمات، ويعاني من الآلام العاطفية مرارا وتكرارا. إنه شخص تأثر كثيرا بمشاعره، وربما كانت جميع هذه الأمور سببا في تشكيل صورتنا المألوفة لابن عربي حاليا.

السرد في رواية موتٌ صغير

يحكي ابن عربي في رواية موت صغير بضمير المتكلم سيرته من قبيل ولادته بساعاتٍ وحتى ارتجاج جسده فوق أكتاف المشيعين إلى القبر، واتخذ الكاتب حبكة تسير وفق مسارين، الأول متخيلًا تاريخ انتقال مخطوطة سيرة حياة ابن عربي في مراحل مختلفة من تاريخ الأمة الإسلامية بدايةً من أذربيجان عام 1212 ونهايةً إلى لبنان عام 2012، والمسار الثاني والذي احتل القسم الأكبر من الرواية هو سيرة ابن عربي وما بين الولادة والوفاة أحداث وشخصيات وحواضر ومدن، وبذكاء استند الكاتب على رواج هذا النوع من السرد الروائي في هذا الوقت من الزمان، حتى ينقل لنا سيرة الشيخ الأكبر التي حوت الكثير من الزلات والمتاعب، نازعًا الهالة الأسطورية عنها ومشيرًا إلى الوجه القاسي من الصوفية.

يبدأ الكاتب بطريقة خيالية مدهشة عندما يسرد ابن عربي حالة ولادته بشكل مشهد دقيق. يبدأ بوضع أول الشخصيات على الساحة، فاطمة بنت المثنى هي التي ولدته ورضعته ولها تأثير في جذبه الأول نحو الالتفاف الإلهي، عندما أخبرته عن أربعة أوتاد ستثبت قلبه، قالت له: “طهر قلبك عندها يجدك وتدك”. وكان هناك شخصيات أخرى مثل ابن رشد الفيلسوف الشهير والشيخ أبو مدين الغوث والنظام بنت زاهر التي أحبها والتي كانت السبب في أن الله فتح له تأليف كتابه الأشهر “الفتوحات المكية” والتي أراد أن يتزوجها لولا اكتشافه في وقت لاحق أنها كانت وتده الثالث والتي يحرم عليه الزواج منها. وأخيرا، شمس الدين التبريزي الذي التقاه ابن عربي عندما تمت تطهير قلبه وامتلاءه بالحب، فكان وتده الرابع والأخير.

من الأمور المميزة أيضًا في الرواية هو عدم الاعتماد الكلي على سيرة ابن عربي ولكن تطرق الكاتب أيضًا إلى أحوال البلدان المختلفة التي زارها بن عربي بحثًا عن أوتاده الأربعة وكيفية تفاعله معها لنجد أنه ليس فقط مجرد شخصًا يُعتمد عليه في أمور العيش والوله ولكن يُعتمد عليه أيضًا في أمور السياسة والثورة، وأيضًا هناك المخطوط الحائر الذي ظل طيلة صفحات الرواية ينتقل من يدٍ لأخرى من أجل المحافظة على سيرة الشيخ الأكبر، وربما ذلك المخطوط هو من زود ثقل تلك الرواية ولم يجعلها مجرد سرد جاف لحياة بن عربي.

في تلك الرواية ابتعد محمد حسن علوان عن التيمة المتبعة في رواياته السابقة، وهي العلاقة بين الرجل والأنثى العاطفية دون غيرها، من خسارات وانكسارات، ومفاجأت وهزائم،و شروخ القلب ومآسيه، حيث هنا سلخ علوان جلده تمامًا وبدأ مسيرة جديدة في حياته ككاتب، رواية موت صغير عمل يخبرنا بأن الحب كان أشق الفنون تعلمًا.

اقتباسات من رواية موتٌ صغير

  • يعد رضا الله عن الإنسان شعورًا لا يمكن وصفه، حيث يكون دثارًا دافئًا يحيط بقلبه في ليلة باردة، أو وميضًا من النور يسري في عروقه، أو ملاكًا من ملائكته يتسلل إلى روحه ويحضنها كصديق قديم.
  • هل يعلمون أن الحياة في سبيل الله أشق وأصعب من الموت في سبيله؟
  • كل شيء يمر به الإنسان في حياته ضروري، وكل شأن هو ضرورة، وكل حدث هو حاجة ملحة، وكل شيء نمر به من فرح أو حزن، من سلم أو حرب، من حب أو كره، هو جزء من أنفاسنا، فإذا لم نمر به، فسوف نختنق ونعود إلى العدم.
  • إذا تأخرت الأحلام في الظهور في قلب الإنسان فإنها تفسد، وإذا بقيت في نفسه دون تحقيقها، فإنها ستصبح مليئة بالشوائب والأتربة من الأنانية والحسد والملل واليأس، ولذلك يجب أن يسعى الإنسان لتحقيق أحلامه ورضا الله، حتى يتمكن من الحفاظ على قلب نقي وأحلام نظيفة.
  • تعرّفت رفيقًا ذميمًا اسمه القلق لم اسأله مرافقتي ولم يستأذني في ذلك قفز فوق كتفيّ مثل قردٍ مجنون ولم يفارقني بعدها قط، كلما طردته من كتف قفز إلى الآخر، وكلما طردته منهما معًا تعلّق بجذع شجرة بعض الوقت ثم لا يلبث أن ينقضّ على رقبتي مرةً أخرى، لم يتركني أهجع ليلةً حتى يجعل صباحها قاتمًا مثل قرارة بئر، ولم أتنفس طمأنينة الصباح حتى يجعل الغروب يأتي مثل وحشٍ سيتغذى عليّ طيلة الليل، ضاقت في عيني الدنيا حتى لم أعد أرى شيئًا في حجمه الحقيقي، كل شر يبدو هائلًا ومخيفًا وكل خير يبدو طارئًا وضئيلًا، أرتجف في هدأة الليل أحيانًا من فرط القلق مثل محمومٍ بدون حمّى، ويأتي الصباح وقد أنهكني التعب وكأن عينيّ لم تغمضا طيلة الليل، صغرت في عينيّ كل شؤون الحياة حتى صار ينقضي يومٌ بأكمله لا أقوم فيه بشيء إلا صلواتي، أسابيع تليها أسابيع والقلق هو محرك كل ساكن ومسكِّن كل متحرك في حياتي التي أضحت قاتمةً وشائكة، أهمّ بالشيء فأقلق منه فأتركه، وأكون بلا شغل فأقلق فأهمّ بأشياء أخرى.
  • قال لي أحد المعزين: آخر الأحزان ياسيدنا، لكن ما أسخف هذه العبارة، لا هي أمنية فتتحقق ولا دعاء فيستجاب. وكلما رددها أحدهم سمعها الناس هكذا: آخر الأحزان وسمعتها أنا هكذا: أتمنى لك الموت عاجلًا قبل أن يصيبك الحزن التالي، من نحن بلا أحزان؟ كيف نأمن على أنفسنا بدونها ألا نتيه في أودية الغفلة مثل شياهٍ ضالة؟

نبذة عن كاتب رواية موتٌ صغير

محمد حسن علوان هو روائي سعودي ولد في مدينة الرياض في تاريخ 27 أغسطس لعام 1979م، ويحمل شهادة الدكتوراة في التسويق وإدارة الأعمال الدولية من جامعة كارلتون الكندية، والماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بورتلند في الولايات المتحدة الأمريكية، وبكالوريوس نظم المعلومات من جامعة الملك سعود بالرياض، وصدرت له ست روايات:

  • سقف الكفاية (2002)
  • صوفيا (2004)
  • طوق الطهارة (2007)
  • القندس (2011)
  • موتٌ صغير (2016)
  • جرما الترجمان (2020)
  • كتاب نظري بعنوان: الرحيل: نظرياته والعوامل المؤثرة فيه (2014).

في عام 2010، تم اختياره ضمن أفضل 39 كاتب عربي تحت سن الأربعين، وتم تضمين اسمه في مجموعة مختارة من الكتاب، وفي عام 2013، تم ترشيح روايته (القندس) للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) وتم تصنيفها ضمن القائمة القصيرة، وفي عام 2015، حصلت النسخة الفرنسية من رواية (القندس) على جائزة معهد العالم العربي في باريس كأفضل رواية عربية مترجمة للفرنسية، وفي عام 2017، حصلت روايته (موت صغير) على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)، وفي عام 2019، حصلت النسخة الإيطالية من روايته (موت صغير) على جائزة الشارقة للترجمة (ترجمان) كأفضل رواية عربية مترجمة للإيطالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى