مفهوم الرحمة في الإسلام
في عصرنا الحالي، الرحمة خلق نادر، حيث يتصف الناس بالقسوة، وهذا الأمر يؤدي إلى انتشار الجرائم والرذائل، بالإضافة إلى زيادة عدد القتلى وتفاقم الدمار. يوميا نسمع عن حوادث قتل جديدة وعن بلدان تتعرض لهجمات بقنابل مدمرة، ولكن ما هو السبب؟ ماذا حدث ليتغير العالم بهذه الطريقة البشعة التي تخلو من الإنسانية؟ الإجابة هي نقص الرحمة وغيابها عن قلوب البشر
معنى الرحمة لغة واصطلاحا
الرحمة: رحمة يتمتع بها الله ويتجلى ذلك في أصل هذه المادة الناعمة والرقيقة.
وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضًا.
ومنها الرَّحِم: وهي عَلاقة القرابة.
سميت رحم الأنثى رحمًا لأنه يعبر عن الرحمة التي تشعر بها الأم تجاه ولدها.
معنى الرَّحْمَة اصطلاحًا: يعنى المراد بالرحمة رقة القلب والنفس، وهي مجموعة من العواطف والانفعالات التي تظهر على الشخص عندما يشعر بالفرح، فتظهر عليه السعادة، وعند شعوره بالألم، فتظهر عليه الحزن والأسى.
معنى الرحمة في القرآن
تم ذكر كلمة الرحمة في العديد من المواضع في القرآن الكريم، حيث تم ذكرها في 268 موضعًا مختلفًا
- أكثر مواضعه بصيغة الاسم، نحو قوله سبحانه: {إنه هو التواب الرحيم} (البقرة:37).
- يظهر الفعل في أربعة عشر موضعًا، مثل قوله تعالى: {قالوا لئن لم يرحمنا ربنا} (الأعراف: 149).
- الرحمة هي صفة لله عز وجل، وتمثل أكثر الصفات التي وردت في القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى: `وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ` (سورة الأعراف، الآية 156)، و `وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ` (سورة الأنعام، الآية 133).
- الرحمة بمعنى (الجنة)، قوله تعالى: {أولئك يرجون رحمة الله} (البقرة:218).
- الرحمة بمعنى (النبوة)، قوله سبحانه: يقول الله تعالى في القرآن الكريم: `والله يختص برحمته من يشاء` (البقرة: 105)، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يختص الله برحمته، أي بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى في سورة هود: `وآتاني رحمة من عنده` (هود: 28).
- الرحمة بمعنى (القرآن)، قوله تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا}” (يونس: 58). فـ (الرحمة).
- الرحمة بمعنى (المطر)، قوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} (الأعراف:57)، قوله تبارك وتعالى: {فانظر إلى آثار رحمة الله} (الروم:50).
- الرحمة بمعنى (النعمة والرزق)، قوله سبحانه: وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: {أو أرادني برحمة} (الزمر: 38)، وقوله أيضاً: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} (الإسراء: 100)، وقوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} (فاطر: 2).
- الرحمة بمعنى (النصر)، من ذلك قوله تعالى: قل: من هو الذي يعصمكم من الله إذا أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة؟” (الأحزاب:).
- الرحمة بمعنى (المغفرة والعفو)، قوله تعالى: يقول الله تعالى: `كتب ربكم على نفسه الرحمة` في سورة الأنعام الآية 54، وأيضًا قوله تعالى: `قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله` في سورة الزمر الآية 53، أي: لا تيأسوا من مغفرته وعفوه.
- الرحمة بمعنى (العطف والمودة)، قوله سبحانه: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (الفتح:29)، وقوله عز وجل: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة} (الحديد:27).
- الرحمة بمعنى (العصمة)، قوله تعالى: النفس تأمر بالشر إلا ما رحم ربي” (يوسف: 53).
- الرحمة بمعنى (الثواب)، قوله سبحانه: الرحمة من الله قريبة من المحسنين (الأعراف: 56).
- الرحمة بمعنى (إجابة الدعاء) قوله سبحانه: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} (مريم:2).
الرحمة في الإسلام
أول ما لفظ آدم هو الحمد “لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ. فَحَمِدَ اللهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ اللهُ يَا آدَمُ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ -إِلَى مَلَإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ- فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ”. أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
أوضح الإسلام أن الأصل في العلاقة بين الناس كلهم العدل والرحمة: “لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يدعو لأصحاب قريش بالخير، ويحبهم، وكان يقول: `اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون`
وقد بعث الله رسوله رحمة للإنسانية ورحمة للعالمين، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
– ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال عن التصرف بهذا الخلق: “لا يرحم الله من لا يرحم الناس” وذلك حسب البخاري
وقد أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر قائلاً: – “والذي نفسي بيده، لا يضع الله رحمته إلا على رحيم. قالوا: يا رسول الله، نحن جميعاً نرحم. فقال: ليس برحمة أحدكم أن يرحم صاحبه فقط، بل ينبغي عليه أن يرحم جميع الناس
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: الترحم على من في الأرض يجلب لنا الرحمة من السماء
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار لأنها قَسَتْ على هِرَّةٍ، فقال صلى الله عليه وسلم: “دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ” (صحيح البخاري).
كما تكلم صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل غفر لرجل رحم كلبًا فسقاه من العطش، فقال صلى الله عليه وسلم: “بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ؛ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي. فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ”. قالوا: يا رسول الله، وإنَّ لنا في البهائم أجرًا؟ قال: “فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ” ( البخاري).
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن الجنة فتحت أبوابها لزانية، لرحمتها بكلب، حيث رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، وهو يطيف ببركية وكاد يقتله العطش، فنزعت موقها وسقته، فغفر لها به. وبالإضافة إلى هذه الأحاديث عن الرحمة في الإسلام، هناك أيضا قصص أخرى تبين سعة رحمة الله بعباده ويتجلى بها مفهوم الرحمة .
الفرق بين الرحمة والشفقة
الفرق بين الشفقة والرحمة واضح، لأن هناك اختلاف في التعريف والمشاعر، وسوف يتم توضيح الفرق بينهما:
الشفقة : الاسم من الإشفاق، وهو الخوف ، والشفقة عبارة عن عناية يشوبها خوف، وفي القاموس : أشفق أي حاذر . أما الرحمة، فهي التعطف والرقة، وهي مجموعة من العواطف، ولا يصاحب الرحمة خوف.
أنواع الرحمة في القرآن والسنة
- الرحمة بالأرملة والمسكين والبنات
قال النبي صَلى الله عليه وسلم: من يسعى لرعاية الأرامل والمساكين كمن يجاهد في سبيل الله.
وقالت عائشة – رضي الله عنها – :أتتني امرأة فقيرة تحمل ابنتين، فأطعمتها ثلاث تمرات، وأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها، فأطعمت ابنتيها، وانشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني موقفها النبيل، فذكرت ما قامت به لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: `إن الله قد وعد بها الجنة، أو أعتقها بها من النار`.
- الرحمة بالصغار
قَبَّلَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم الحسنَ بن عليّ رضي اللّه عنهما، وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي، فقال الأقرعُ: لدي عشرة من الأولاد ولم أقبّل أحدًا منهم، فنظرَ إليه رسولُ اللّه صلى الللّه عليه وسلم ثم قال: “مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ.
وقدم أناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: `أتقبلون صبيانكم؟` فقال: `نعم` قالوا: `لكننا والله ما نقبل.` فقال: `أو أملك أن ينزع الله من قلوبكم الرحمة`.
- الرحمة بالمسلمين كافة
قال الله تعالى: محمد رسول الله والذين معه قويون وشجعان في مواجهة الكفار، وفي الوقت ذاته رحماء ومتسامحون بينهم. تجدهم يسجدون ويركعون متطلعين إلى فضل الله ورضوانه. وتظهر على وجوههم آثار السجود، وهذا يشبههم في التوراة والإنجيل، مثل زرعة ينمو وينشأ فروعها، ثم يقويها ويستقيم ساقها في الأرض، فتعجب الزارعين. هذا لكي يغضب بهم الكفار. وعد الله المؤمنين الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة والأجر العظيم.” [سورة الفتح: 29.].
“مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”.
- الرحمة بالحيوان
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها عذبت امرأة بسبب هرة حبستها حتى ماتت جوعًا، ودخلت النار بسبب عدم إطعامها وسقيها، وإنما حبستها دون إطعامها أو تركها تأكل من خشاش الأرض.
- الرحمة بالحيوان الأعجم والطيور الصغيرة
من الرحمة التي جاء بها الإسلام، دعوته إلى الرحمة مع الحيوانات الأعجم، وفي هذا الصدد قال النبي صلى الله عليه وسلم عند مروره ببعير مرهق: “اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة”، وهذا الحديث صححه الألباني ورواه أبو داود.
وقال رجل: يا رسول الله، أنا أشفق على الشاة ولا أريد أن أذبحها. فقال: `وإن كنت ترحم الشاة، سيرحمك الله.` (رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني).
وأيضا الرحمة بالطيور الصغيرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم يقول في عصفور: “مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللهِ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ!” (النسائي وغيره).