مفهوم التحليل النفسي الكلاسيكي
التحليل النفسي
يعد مفهوم التحليل النفسي الكلاسيكي جزءًا من المفهوم العام للتحليل النفسي، وتم تطويره في أواخر القرن التاسع عشر كنظرية وشكل من أشكال العلاج.
بناءً على فرضية أن الصراعات اللاواعية تشكل جذر المشكلات النفسية، يشير التحليل النفسي إلى أنه يمكن تخفيف الأعراض عن طريق إدراك هذه الصراعات وجلبها إلى الوعي.
تمت مراجعة هذه النظرية ونقدها عدة مرات، ومع ذلك، فهي لا تزال واحدة من أكثر الأساليب تأثيرًا في مجال علم النفس.
تعود بدايات التحليل النفسي إلى الشخصية المشهورة سيغموند فرويد الذي ولد عام 1856، وكان طبيب أعصاب مشهوراً عرضته ممارسته لحالات أفراد يعانون من أعراض تشبه الجسدنة، والتي كانت تسمى الهستيريا في ذلك الوقت.
تأثر فرويد بعمل زميله طبيب الأعصاب جان مارتن شاركوت، وبدأ في تجربة التنويم المغناطيسي لعلاج هؤلاء الأفراد.
مع تعمق اهتمامفرويد بالتنويم المغناطيسي، عمل مع جوزيف بروير على تطوير شكل جديد من العلاج يركز على مساعدة الأفراد على استرجاع ذكريات الأحداث الصادمة التي حدثت بالقرب من الوقت الذي بدأت فيه الأعراض.
لاحظ كل من فرويد وبروير أن الأعراض تتضاءل عندما يتحدث الناس بحرية عن هذه الذكريات تحت التنويم المغناطيسي.
في عام 1895، نشر فرويد وبريور دراسات حول الهستيريا، حيث وصفوا حالات عديدة لأشخاص تم علاجهم باستخدام التحليل النفسي.
بعد مواجهته للعديد من المشاكلات مع التنويم المغناطيسي، انتقد فرويد فيما بعد هذه الطريقة وتخلى عنها لصالح ما أسماه بـ”الارتباط الحر.
عندما طالب فرويد الأفراد بالتحدث بحرية عن كل ما يخطر في بالهم وتحليل هذه الروابط الحرة، وجد أنه يمكنه العودة إلى جذور المشكلات النفسية التي واجهها من خلال الكشف عن الذكريات المكبوتة.
نظرية التحليل النفسي
عندما اكتسبت حركة التحليل النفسي زخمًا في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية، تعرضت أفكار فرويد لردود فعل متباينة.
نقل منتقدوه أفكارهم الخاصة حول كيفية عمل العقل، وقاموا باستخدام جوانب نظرية فرويد كوحدات بنائية لأفكارهم الخاصة.
وبالتالي، يتكون التحليل النفسي المعاصر من مجموعة من المناهج النظرية والعملية المتنوعة التي تتعلق بالنفسية.
فيما يلي بعض نظريات التحليل النفسي التي لها تأثير حتى الآن.
التحليل النفسي الكلاسيكي
يرى فرويد أن السلوك البشري يتم تحفيزه بالدوافع البيولوجية أو الغرائز، ويقسم هذه الغرائز إلى فئتين رئيسيتين وهما:
- إيروس وهي غريزة الحياة الذاتية.
- ثاناتوس وهي غريزة الموت المدمرة للذات.
في البداية، بنى فرويد نموذجًا طبوغرافيًا للعقل، مشيرًا إلى أنه يعمل على ثلاثة مستويات مختلفة من الوعي، وهي كما يلي:
- الوعي هو كل ما يدركه الشخص في لحظة معينة من الزمن.
- الوعي الذهني يتألف من الذكريات التي يمكن استرجاعها بسهولة، وتسمى ما قبل الوعي.
- اللاوعي هو أي شيء لا يدركه الشخص في وقت معين.
يشمل اللاوعي أيضًا الذكريات والتجارب التي تم إخراجها من الإدراك الواعي، لأنها تثير الكثير من القلق أو قد تكون مؤلمة للغاية لتحملها.
وقدم فرويد لاحقًا نموذجًا هيكليًا للعقل يتكون من:
- الهو
يعتبر الجانب الأكثر بدائية في الشخصية هو الجانب الذي يعمل بشكل كامل في اللاوعي، ويعمل على أساس المتعة، ويسعى لتلبية الرغبات البيولوجية الفورية دون النظر للآخرين أو الخوف من العقوبات. - الأنا
تعد الجزء العقلاني من العقل المسؤول عن تنظيم الشخصية ويعتمد على مبدأ الواقعية ويسعى إلى تلبية متطلبات الهوية بطرق واقعية ومقبولة اجتماعيًا. - الأنا العليا
الثقافة الأخلاقية هي مزيج من القيم الأبوية والمعاييرالاجتماعية التي يتعرض لها الفرد مع الوقت، وتعمل على إرساء مبادئ الأخلاق وتوجيه الشخص نحو اتخاذ قرارات مستقيمة وعادلة من الناحية الأخلاقية.
ومع ذلك، تعتبر الأنا العليا هي الكمال ويمكن للناس أن يناضلوا من أجل تحقيق مثل هذا الكمال الذي لا يمكن تحقيقه.
يمكن للأنا في الأفراد الأصحاء تنظيم وإدارة المطالب المتضاربة للهوية والأنا العليا بطرق بناءة، ومع ذلك، فإن ضعف التحكم في الأنا قد يمهد الطريق للصراع داخل النفس، والذي يعتقد فرويد أنه يؤدي إلى القلق والقضايا النفسية الأخرى.
التطور النفسي الجنسي
في إحدى نظريات التحليل النفسي، اقترح فرويد أن الطاقة الجنسية تتركز في كل مرحلة من مراحل تطور الشخص على جزء مختلف من الجسم، وأن الأفراد يسعون للحصول على المتعة الجنسية من هذه الأجزاء من الجسم.
نظرية علاقات الكائنات
يتفق معظم منظري علاقات الكائنات مع فرويد على أن تجارب الطفولة المبكرة هي عامل حاسم في نمو الشخصية.
على عكس فرويد، يرون بعض الخبراء أن الحاجة إلى العلاقات الشخصية هي القوة الدافعة الأساسية بدلاً من الدوافع الطبيعية البيولوجية.
من بين المنظرين البارزين في علاقات الكائنات ميلاني كلاين وفيربيرن ومارجريت مالر ودونالد وينيكوت.
في نظرية علاقات الكائن، يشير مصطلح الكائن عادة إلى شخص مهم يرتبط به الفرد، أو الكائن الخارجي، أو التمثيل العقلي للذات والآخرين، وتبدأ الأجسام الداخلية في التطور.
تطبيقات نظرية التحليل النفسي
يهدف العلاج التحليلي النفسي بشكل رئيسي إلى جلب المواد اللاشعورية إلى الوعي وتعزيز عمل الأنا، مما يساعد الفرد على أن يصبح أقل تحكمًا بواسطة الدوافع البيولوجية أو مطالب الأنا العليا.
في التحليل النفسي التقليدي، يبقى المعالج مجهول الهوية في أقصى حد ممكن، ولا يشارك سوى بنسبة ضئيلة جدًا من الكشف عن الذات، إن كان موجودًا.
بسبب أن الهدف من العلاج التحليلي هو غالباً إعادة هيكلة الشخصية بدلاً من تخفيف الأعراض، فقد يستمر العلاج لعدة سنوات.
تم تعديل طرق التحليل النفسي التقليدية باستخدام الأساليب الحديثة، ولكن تلك الأساليب التالية لا تزال تشكل جوهر هذا النوع من العلاج.
الرابطة الحرة
يشمل ذلك تشجيع الفرد الذي يتلقى العلاج على التحدث بحرية حول ما يدور في ذهنه دون أي رقابة أو تقييم من المحلل.
يولي المعالج اهتمامًا شديدًا لربط الأفراد بشكل حر، ويستمع إلى المعاني الخفية والأخطاء اللفظية المعروفة باسم زلات فرويد، والتي يمكن أن تكشف عن صراعات اللاوعي.
يلاحظ المعالج أيضًا أي تفكك في الارتباط الحر يمكن أن يشير إلى وجود مادة مكبوتة ومثيرة للقلق، وعند ظهور هذه المواد اللاشعورية، يساعد المعالج الفرد على فهمها وتحقيق رؤية أعمق.
في الأساليب التحليلية الكلاسيكية، كان الفرد يرتبط بحرية أثناء الاستلقاء على الأريكة والمحلل النفسي يجلس خلفه بعيدًا عن الأنظار، ومع ذلك، فإن الأريكة لم تعد عنصرًا أساسيًا في العلاج في الأساليب الحديثة للتحليل النفسي.
تحليل الأحلام
اعتبر فرويد أن الأحلام هي الوسيلة الأمثل للوصول إلى اللاوعي، وتعد وسيلة للأفراد للتعبير عن الرغبات والمشاعر اللاواعية التي تؤثر في حياتهم الواعية.
لذلك يحتلُّ تحليلُ الأحلامِ مكانةً بارزةً في العلاجِ التحليلي النفسي، ويُطلبُ من الشخصِ الخاضعِ للعلاجِ الإبلاغَ عن أحلامِه، قائلاً كلَّ ما يخطرُ ببالِه أثناءَ قيامِه بذلك.
بعد ذلك، يمكن للمعالج أن يساعدهم في استكشاف المعاني الخفية والرمزية للحلم أو المحتوى الظاهر والذي يحمل المحتوى الكامن، والتي تكشف الأفكار والنوايا اللاواعية.
تحليل المقاومة
في علم التحليل النفسي، تشير المقاومة إلى المحاولات الغير واعية للأفراد لمنع المواد المسببة للقلق من الدخول إلى الوعي.
تشمل أمثلة المقاومة في العلاج رفض الحديث خلال الجلسات أو التأخر المتكرر عن المواعيد، وعلى الرغم من أن هذه المقاومة أحيانًا تؤثر سلبًا على عملية العلاج، إلا أنها يمكن أن توفر نظرة عميقة لتحديد المشكلات التي يواجهها المريض ومساعدته في التغلب عليها.
يمكن للمعالج أن يساعد في تحديد المقاومة والتغلب عليها لمساعدة الأشخاص على التغلب على صراعاتهم اللاواعية والعمل من خلالها.
تحليل التحويل
في عملية التحليل النفسي، يعمل المعالج كشاشة فارغة، ليسمح للأفراد بنقل المشاعر اللاواعية التي قد تكون كانت توجهت نحو شخص مهم في ماضيهم، مثل أحد الوالدين، إلى المحلل.
يبدأ الفرد في العلاج من خلال هذا التحول بالتواصل مع المعالج بنفس الطريقة التي كان يتفاعل بها مع الأشخاص في ماضيه، ويعيد تجربة المشاعر المحتجزة المرتبطة بالعلاقات السابقة.
لا يحاول المحلل منع حدوث التحول، ولكن يمكنه تفسير معنى ردود الفعل هذه لمساعدة الفرد على أن يصبح أكثر وعيًا بكيفية تأثير العلاقات السابقة على كيفية عمله في الوقت الحاضر.