مفهوم الاقتصاد البيئي
يعد الاقتصاد البيئي مجالا ثانويا في مجالات الاقتصاد، يركز على استخدام الموارد الطبيعية بكفاءة، لأن البيئة توفر القيمة المباشرة والمواد الخام التي تستخدم في النشاط الاقتصادي. وبالتالي، فإن البيئة والاقتصاد مترابطان، ولذلك قد تؤثر طريقة إدارة الاقتصاد على البيئة، والتي قد تؤثر بدورها على الرفاهية والتنمية والأداء الاقتصادي.
الاقتصاد البيئي هو مجال متعدد التخصصات، ومع ذلك، فإنه لا يزال يستند إلى المبادئ الاقتصادية السليمة. حيث يدرس الاقتصاديون البيئيون موضوعات واسعة، بما في ذلك الطاقة والتنوع البيولوجي والأنواع الغازية وتغير المناخ.
اتخاذ قرارات فيما يتعلق بأفضل السبل للحفاظ على الموارد الطبيعية وجودة البيئة ليست مهمة سهلة، وذلك لأن العديد من المشكلات البيئية ليست سهلة الحد منها، ويُمكن أن تكون الحلول باهظة الثمن وتشكل مخاطرًا أخرى.
ما هو الاقتصاد البيئي
الاقتصاد البيئي هو فرع من الاقتصاد يركز على المسائل البيئية، ويتناول ثلاثة موضوعات رئيسية؛ وهي: تحديد الآثار الاقتصادية للتدهور البيئي، وتحديد أسباب ومصادر التدهور البيئي، واستخدام الأدوات الاقتصادية للحد من التدهور البيئي والعمل على إيجاد حلول للمشكلات الناتجة عنه. وأصبح موضوعا شائعا في الدراسات الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين بسبب زيادة الاهتمام بالمسائل البيئية. يعمل الاقتصاد البيئي على إجراء دراسات نظرية أو تجريبية لتقييم التأثير الاقتصادي للسياسات البيئية على المستوى الوطني والمحلي في جميع أنحاء العالم، وتشمل هذه الدراسات تحليل التكاليف والفوائد المختلفة للسياسات البيئية البديلة لمعالجة مشكلات الهواء الملوث وجودة المياه والمواد السامة والنفايات الصلبة والاحتباس الحراري. ويساعد الخبراء في الاقتصاد البيئي على تحديد الآثار النظرية أو التجريبية للسياسات البيئية على الاقتصاد، ويساعد هذا المجال الاقتصادي على تصميم السياسات البيئية الفعالة وتحليل آثار ومزايا السياسات الحالية أو المقترحة.
الفكرة الرئيسية التي يعتمد عليها الاقتصاد البيئي هي أن هناك تكاليف بيئية للنمو الاقتصادي لا تحتسب في النموذج الاقتصادي الحالي، وذلك بسبب العوامل السلبية الخارجية مثل التلوث وأنواع أخرى من التدهور البيئي. هذه العوامل قد تؤدي إلى فشل السوق. لذا، يقوم الاقتصاديون البيئيون بتحليل التكاليف والفوائد للسياسات الاقتصادية المحددة، ويشمل ذلك أيضا إجراء اختبارات أو دراسات نظرية حول العواقب الاقتصادية المحتملة للتدهور البيئي.
الاستراتيجيات الاقتصادية البيئية
يهتم خبراء الاقتصاد البيئي بتحديد المشكلات البيئية الخاصة التي يجب حلها، وعلى الرغم من وجود العديد من الأساليب المختلفة لحل نفس المشكلة البيئية، إلا أن الحكومة يمكنها اتخاذ العديد من الإجراءات، مثل فرض حدود قسرية على انبعاثات الكربون أو تبني حلول تحفيزية، مثل فرض لوائح جديدة على الصناعات ذات الانبعاثات العالية أو فرض ضرائب مشددة على الشركات التي تستخدم طرقا تؤدي إلى انبعاثات الكربون في إنتاجها، ويمكن أيضا عرض إعفاءات ضريبية على الشركات التي تستخدم مصادر الطاقة المتجددة، أو فرض قيود على إجمالي الإنبعاثات أو الفضلات السائلة، وتحديد حدود للتركيزات الملوثة في تدفقات النفايات السائلة، ويمكن أيضا فرض قيود على الإنبعاثات الإجمالية أو النفايات السائلة.
تعتمد جميع هذه الاستراتيجيات، بدرجات متفاوتة، على تدخل الدولة في السوق، وهذا عامل مهم في تحديد السياسة الاقتصادية البيئية، حيث تتحكم الحكومة يدويًا في انبعاثات الكربون، وتحدد الأهداف وتضع الحوافز، ومع ذلك تسمح للشركات بتحقيق تلك الأهداف بأي طريقة كانت.
تحديات الاقتصاد البيئي
يمكن للاقتصادي البيئي تحديد التهجين المائي الناجم عن الصيد المفرط، والذي يعد عاملا سلبيا خارجيا يجب معالجته. على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة فرض لوائح على صناعة صيد الأسماك الخاصة بها، ولكن هذه المشكلة لن تحل إلا إذا قامت العديد من الدول الأخرى التي تشارك في الصيد المفرط بإجراء مماثل. وقد أدى الطابع العالمي لهذه القضايا البيئية إلى ظهور منظمات غير حكومية مثل الفريق الدولي المعني بتغير المناخ، الذي ينظم مؤتمرات سنوية لرؤساء الدول للتفاوض حول السياسات البيئية الدولية.
تميل مقترحات السياسة المستمدة من الاقتصاد البيئي إلى إثارة نقاشات سياسية مثيرة للجدل، على سبيل المثال في أمريكا وأوروبا، حيث نادرا ما يتفق الزعماء على درجة التكاليف البيئية الخارجية، مما يجعل من الصعب صياغة سياسات بيئية جوهرية. ويستخدم خبراء الاقتصاد البيئي في وكالة حماية البيئة لتقديم مقترحات السياسات المتعلقة بالبيئة، ومن ثم يتم فحصها وتقييمها من قبل الهيئات التشريعية. ويشرف المركز الوطني للاقتصاد البيئي على هذه المقترحات، ويركز على إيجاد الحلول المثالية لتخفيض انبعاثات الكربون، وتشجيع استخدام الوقود الحيوي، وتحليل التكاليف الاقتصادية لتغير المناخ، ومعالجة مشاكل النفايات والبيئة.
يأخذ الاقتصادي البيئي في الاعتبار قضايا مثل الحفاظ على الموارد الطبيعية وتقييمها، ومكافحة التلوث، وإدارة النفايات وإعادة التدوير، وإنشاء معايير الانبعاثات بكفاءة عالية وغيرها العديد من القضايا الهامة.
على العموم، يعد الاقتصاد أداة هامة لاتخاذ قرارات بشأن استخدام الموارد الطبيعية وحفظها وحمايتها؛ لأنه يقدم معلومات حول الخيارات التي يتخذها الناس وتكاليف وفوائد التدابير المختلفة المقترحة والنتائج الممكنة للسياسات البيئية وغيرها من السياسات. نظرا لأن الموارد، سواء كانت بشرية أو طبيعية أو مالية، غير محدودة، فإن هذه السياسات العامة تكون أكثر فعالية عندما تحقق أقصى فائدة ممكنة بأكثر الطرق كفاءة. ولذلك، تتمثل إحدى مهام وتحديات واضعي السياسات في فهم كيفية استخدام الموارد بكفاءة أكبر لتحقيق الأهداف المرجوة.
الاقتصاد البيئي و الاقتصاد الايكولوجي
الاقتصاد البيئي يتميز عن الاقتصاد الإيكولوجي في أنه يعتبر الاقتصاد فرعا من النظام البيئي مع التركيز على الحفاظ على رأس المال الطبيعي. وقد أظهرت الدراسات أن الاقتصاد البيئي والايكولوجي هما مدارستان مختلفتان في الفكر الاقتصادي، حيث يؤكد الاقتصاديون الإيكولوجيون على الاستدامة “القوية” ويرفضون الاقتراح الذي يقول إن رأس المال الطبيعي يمكن استبداله برأس المال البشري المصنوع. ويستخدم هؤلاء الاقتصاديون الإيكولوجيون أدوات من الاقتصاد الرياضي، مثلما يفعل الاقتصاد السائد، ولكنهم يطبقونها بشكل أفضل على العالم الطبيعي.
وفي حين أن الاقتصاديين الرئيسيين يميلون إلى التفائل بشأن التكنولوجيا، يميل الاقتصاديين الإيكولوجيين إلى الشك بشأن التكنولوجيا، وهم يرجعون السبب في أن العالم الطبيعي لديه قدرة تحمل محدودة وأن موارده قد تنفد ويتم استنزافها، وبما أن تدمير الموارد البيئية الهامة يمكن أن يكون كارثة كبيرة، فإن الاقتصاديين الإيكولوجيين يميلون إلى تقديم التدابير التحذيرية القائمة على النهج التحوطي أو مبدأ الوقاية.
وبالتالي يمكن أن يكون الاقتصاد البيئي مرتبطا بالاقتصاد الإيكولوجي، ولكن هناك اختلافات بينهما كما ذكرت. بالإضافة إلى ذلك، تم تدريب معظم خبراء الاقتصاد البيئي كخبراء اقتصاد، حيث يستخدمون أدوات الاقتصاد لمعالجة المشاكل البيئية، والتي يرتبط العديد منها بما يعرف بفشل السوق، وهي الظروف التي تكون فيها “اليد الخفية”، كما يسميها الاقتصادي آدم سميث، غير موثوقة. وتم تدريب معظم الاقتصاديين الإيكولوجيين كعلماء إيكولوجيين، لكنهم قاموا بتوسيع نطاق عملهم للنظر في تأثير البشر ونشاطهم الاقتصادي على النظم والخدمات الإيكولوجية، والعكس صحيح. ويصف الاقتصاد الإيكولوجي أحيانا بأنه يتبع نهجا أكثر تعددية للمشكلات البيئية ويركز بشكل أكبر على الاستدامة البيئية طويلة المدى والقضايا الكبرى.
كما يُنظر إلى الاقتصاد البيئي على أنه أكثر عملية في نظام الأسعار، بينما يعتبر الاقتصاد الإيكولوجي أكثر مثالية في محاولاته عدم استخدام المال، باعتباره الحكم الأساسي للقرارات، و لدى هاتين المجموعتين من المتخصصين أحيانًا وجهات نظر متضاربة يمكن إرجاعها إلى الأسس الفلسفية المختلفة.
تزايد معدلات التلوث في معظم دول العالم يؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة، ويمكن تجنبها أو تقليل حدتها عن طريق زيادة وسائل حماية البيئة من الملوثات التقليدية والمتجددة. ولا يعد التلوث نتيجة حتمية للنشاط الاقتصادي، وعلى السياسات البيئية أن تلزم الشركات الملوثة بتنظيف انبعاثاتها وتشجيع الناس على تغيير سلوكياتهم، لتحقيق نتائج إيجابية للمجتمع.