معنى وتفسير “عليكم من الأعمال ما تُطِيقُونَ”
عليكم من الأعمال ما تُطِيقُونَ الحديثِ كامل
اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، والتي تعد اتباع لأوامر الله ونواهيه، هي السبيل إلى الجنة ووسيلة النجاة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على توضيح جميع الأمور الحياتية والدينية للمسلمين بشكل عام ومنعهم من الوقوع في الخطأ، ومن ضمن ذلك حديثه صلى الله عليه وسلم عن الأعمال والقدرة على أدائها
حدثنا محمد بن المثنى، وراوي آخر يدعى عبد الوهاب الثقفي، حدثنا عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة، ورواية أخرى عن عائشة قالت: كان لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حصير يستخدمه للصلاة في الليل. وكان يضعه أمام الناس في النهار ليصلوا عليه. فقد استجابوا لهذا الأمر في ليلة معينة، فقال: يا أيها الناس، قوموا بالأعمال التي تتحملونها، فإن الله لا يمل ولكنكم قد تتعبوا. وأعظم الأعمال المحبوبة لدى الله هي التي تستمر عليها، وإن قلت. وكانت عائلة محمد صلى الله عليه وسلم تثبت على أعمالها.
وتعتبر الحديث درسا مهما في حياة المؤمنين وأعمالهم، يحث على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأهله والمقربين منهم، ويشجع على الاستمرار في أداء الأعمال بشكل عام. يعتبر المعنى العام للحديث “عليكم من الأعمال ما تطيقون” هو ضرورة أن يقوم الإنسان بما يستطيع القيام به من أعمال، وأن يكون الالتزام دائما، وأن لا يقوم بأعمال تشق عليه وتثقل عليه في المستقبل
شرح حديث عليكم من الأعمال ما تطيقون
تختلف مراتب الأعمال الصالحة في الرتبة والدرجة التي تمتاز بالتفاضل بينها، حيث يمكن أن تكون إحدى المراتب أفضل من الأخرى، ويشير الحديث الشريف إلى أن الدوام هو العامل المحوري في هذا التفاضل.
تتحدث السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يستخدم حصيرا كحاجز بينه وبين الآخرين في الليل، حيث كان يعد هذا الحصير من المواد الخام التي تجعله يشعر كأنه في حجرة، وهذا ما يعنيه قولها: “كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير وكان يحجره من الليل
هذا المكان كان في ساحة المسجد النبوي الشريف، وكان الناس يصلون خلفه ويستريحون عليه في النهار، وعندما شاهد الناس رجلاً يصلي بهذا المكان، بدأوا يصلون خلفه ويمدون أنفسهم عليه، وزاد عددهم، وهذا الرجل هو الذي جعل الناس يصلون بهذه الصلاة ويجعلونه مكان استراحة لهم في النهار، ولذلك أصبح هذا المكان معروفًا باسم “في.
يأتي الإرشاد النبوي الحكيم للناس بطلب منهم العمل بما يستطيعونه أو يستطيعون القيام به، حيث يقول: “يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون”، أي قوموا بما تستطيعون القيام به، سواء كانت أعمال الخير أو في العبادة، دون إحداث مشقة.
يعني قوله `إن الله لا يمل حتى تملوا` أن ثوابكم وجزاؤكم ليس محدودا بل مستمرا. لا يمل الله من مكافأتكم حتى تملوا أنتم من العمل. `وإن أحب الأعمال إلى الله` يعني أنها الأعمال الأفضل والأقرب إلى الله، وهي السبب في حصول الأجر والثواب. حتى إذا كانت الأعمال قليلة، ولكنها دائمة ومتواصلة، فإنها تحافظ على الاتصال الدائم بين الشخص وربه. وعلى العكس، الأعمال الشاقة التي يتعذر مواصلتها تنقطع بها العلاقة بين الشخص وربه.
والقول متعدد في كلمة لا يمل حتى تملوا، حيث فيها ما يدل على إثبات صفة الملل، لله سبحانه وتعالى، ولكنه ليس ملل البشر الذي هو عبارة عن ضجر، ونقص، وضيق، وإنما هو الكمال، مثل باقي صفات الله سبحانه وتعالى، بعكس البشر، وقد فسرها بعض العلماء باعتبار أن كل أعمال الإنسان يجزى بها، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى لا يمل من ثواب العبد حتى يمل العبد من العمل.
وبناء على ذلك، رأى بعض العلماء أن ثبوت صفة الملل لله ليس أمرًا ضروريًا، وإنما هو معنى مقصود لتحفيز الإنسان على العمل الصالح والاستمرار فيه، وعلى معرفة الإنسان بأن أجوره تكتب بغض النظر.
وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه، هذه الجملة قيل فيها آل محمد أي أهل بيته يقومون مثل النبي صلى الله عليه وسلم، في العبادة بالمداومة عليها، وأدائها، وقيل المقصود أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والمقربين.
وبهذا يكون شرح مجمل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد اتخذ من حصير له حاجز يحيط به، ويفصله عن غيره، وكأنها جدار يصلي فيه في فترات الليل، ويمده بالنهار أو يفرشه للجلوس عليه، ورآه الناس ليلاً فأخذوا يصطفون ويصلون ويزيدون، فهنا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينبههم لمبدأ هام.
معنى هذا المبدأ هو أن من يرغب في زيادة الأعمال الخيرية بشكل عام، وليس فقط الصلاة، عليه أن يقوم بما يستطيع ويقدر عليه، لأن الأهم هو الاستمرار في العمل الخيري وعدم التوقف عنه، لكي يبقى مرتبطا بربه. وليس الأهم تكرار الخير بكثرة حتى يصبح ثقيلا على النفس فيتوقف الشخص عن أدائه
ثم أضاف صلى الله عليه وسلم، على ذلك منبهاً، أن أهل بيته، ممن يلتزمون بما يقومون به، وما يفرضونه من طاعات يقدرون عليها حتى يتأسى الناس بهم ويكونوا على علم أن صلاة النبي بالليل ليس استثناء له، بل هو عمله الدائن، كما نبه النبي على فضل الله في عدم الملل من تقييد كل خير وبر للبشر، ماداموا عليه.
الدروس المستفادة من حديث عليكم من الأعمال ما تطيقون
تحتوي آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية على العديد من الدروس الهامة والتي يمكن الاستفادة منها والتحذير بها، ومن الدروس المستفادة من حديث “عليكم بالأعمال التي تُطِيقُونَ” عدة دروس هامة
- تعتبر الأعمال الدائمة أفضل من الأعمال المتقطعة على الرغم من الأولوية.
- يجب عدم تحميل النفس ما هو أكثر مما يمكنها تحمله، وعدم التخلي عن الالتزام به.
- النبي وأهل بيته هم القدوة الدائمة، ويجب أن نتعلم منهم.
- حب النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين وإشفاقه عليهم يجعلهم يكلفون أنفسهم بما لا يطيقون
- صفات الله جميعها صفات كمالية، ولا يجب تفسيرها أو تطبيقها على البشر.
- الملل هو صفة توجد في البشر نتيجة لنقص في النشاط، ويجب توخي الحذر لأنه يمكن أن يؤثر على أدائهم في العمل.
- يتضمن الإقبال على العبادة، واختيار الأعمال الصالحة والمفيدة بدون إلحاق الضرر أو التعب.
ما صحة حديث عليكم من الأعمال ما تطيقون
بالنسبة لتخريج الحديث فهو في البخاري ومسلم:
- يشير المحدث المسلم في كتابه الصحيح إلى حديث صحيح للرسول محمد ، ويذكر الراوي عائشة أم المؤمنين ويشير إلى المصدر ، وذلك في الصفحة أو الرقم 782.
- يروي عائشة أم المؤمنين الحديث، وهو من مصدر صحيح البخاري، ورقمه 5861، ويحمل حكم حديث صحيح.
- وفي رواية أخرى للحديث عَنْ عَائشَةَ – رَضْيَ اللهُ عنها – أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَلَ عليها وعندَها امرأةٌ قال: «مَنْ هذه؟» قالت: هذه فُلانةٌ، تذْكرُ مِنْ صَلاتِها، قال: «مَهْ»، عليكم بِما تُطِيقونَ، فوَ اللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حتَّى َتملُّوا»، وكانَ أجبُّ الدِّينِ إِليهِ ما دَاومَ صَاحبُه عليه. متفق عليه.
والصيغة الثانية، أو الرواية الثانية للحديث، تبين كيف يتفقد النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته، ويسأل عمن يجلسون معهم، ويعرف من يتعامل مع زوجاته، ولا حرج في ذلك حتى لا يدخل بيته أو يجالس زوجاته من يفسد عليهم الحياة، ولما وجد المرأة تذكر في الصلاة الكثير قال عليكم بما تطيقون، ليعلمهم صحيح الدين.