مدينة أصيلة من أسماءها ( أزيلا _ أرزيلا )٬ لقبت بمدينة الفنون٬ تطل على شاطئ المحيط الأطلسي وهي قطب سياحي هام٬ إذ أنها تطورت على مدى ثلاث عصور رومانية وفينيقية ضمن العديد من الحملات الاستعمارية٬ مما جعلها تستقطب السياحة الثقافية الصيفية وتعتبر اكبر معرض فني مفتوح بالمغرب٬ لاحتوائها على الفن والثقافة بين الأزقة.
موقع و سكان مدينة أصيلة
تقع مدينة أصيلة على بعد 31 كيلومتر جنوب مدينة طنجة٬ في منطقة سهلية على الساحل الأطلسي محاطة بمجرى نهر الوادي الحلو الذي يصب على ساحل المدينة٬ تتمتع المدينة بشريط ساحلي بطول 17.2 كيلومتر٬ لكن تطغى عليه الشواطئ الصخرية٬ تبلغ مساحة المدينة 33 كيلومتر مربع و تشمل بالإضافة إلى المدينة بعض القرى المجاورة٬ يصل عدد سكانها إلى ما يقارب اثنا وثلاثون ألف نسمة ينتشرون في مجال ترابي مساحته ٣٢ كيلومترا مربعا٬ كما ينحدر أغلب سكانها من قبائل “جبالة” التي تسكن منطقة الشمال الغربي للمغرب.
تاريخ مدينة أصيلة
تعود تاريخ نشأتها إلى أكثر من ألفي سنة بداية من الأمازيغ، وبعد ذلك سيطر عليها الفنيقيون وسميت المدينة زيليس أو زيلي في عصر الفنيقيين. وبعد الإنشاء الإسلامي الثاني، أصبحت تعرف باسم أصيلة. وأثناء الاحتلال البرتغالي، أطلق عليها اسم أرزيلا، واحتفظت المدينة بهذا الاسم حتى استعادت استقلالها في عام 1550. وتعرف أيضا بتسمية أزيلا، وهو ما يعني “الجمال” باللغة الأمازيغية. وحتى اليوم، يطلق سكان جبالة الذين ينتمون إلى هذه المدينة على أنفسهم اسم “الزيلاشي”. احتلت مدينة أصيلة النورمانديون عبر صقلية للسيطرة على حركة التجارة عبر المحيط بعد ظهور الإمبراطورية البرتغالية كقوة بحرية في القرن الخامس عشر. تعرضت أصيلة للاحتلال من عام 1471 حتى عام 1589، حيث تم تحريرها بقيادة السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي بعد معركة الملوك الثلاثة في وادي المخازن. في تلك المعركة، قتل ملك البرتغال على يد عبد الملك السعدي. سقطت المدينة بعد ذلك بسرعة في يد الأسبان، ثم عادت إلى سيطرة الدولة العلوية بقيادة السلطان مولاي إسماعيل. وخلال الفترة الفرنسية الإسبانية التي فرضت على المغرب تحت مظلة الحماية، كانت تحت الاحتلال الإسباني حتى تحريرها في عام 1956.
في القرن العشرين، أصبحت أصيلة معقلا للقائد الريسوني الذي خاض سلسلة من الصراعات مع الإسبان. نجح في توسيع نفوذه على مناطق واسعة في شمال المغرب حتى عام ١٩٢٤م، قبل أن يدخل الإسبان إلى أصيلة بعد طرده منها. استمروا في السيطرة عليها حتى تم إعلان استقلالها. لم تعود المدينة تستعيد بريقها حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي مع انطلاق تجربة الموسم الثقافي السنوي، الذي يجذب في كل صيف سياحا خاصين يستمتعون بجمالها الثقافي وطبيعتها الساحلية الرائعة وهندستها المعمارية الأنيقة.
من حكم مدينة أصيلة
تاريخ المدينة قبل العصر الإسلامي غير ثابت ولكن تم التأكد بأن المدينة قد تعرضت للخراب بسبب غزو الوندال احد القبائل الجرمانية الشرقية٬ و قد تم إعادة إنشاء المدينة سنة 229 هجريا من طرف بربر كثامة وهوارة لمواجهة غزوات الوِيكنجار٬ وقد كانت مدينة أصيلة في ذلك الزمن عبارة عن مجمعات سكنية محاطة بسور وأبراج للمراقبة
في نهاية القرن الثالث الهجري، هاجر أهالي شذونة الهاربين من غضب الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأموي إلى المدينة، بعد فشل ثورتهم ضده، وهذا جعل المدينة مركزا مهما في شمال المغرب، وزاد صيتها خلال عهد الإدريسي، وكانت ميناء تجاريا يربط المغرب بالساحل الأوروبي على البحر المتوسط، وفي عام 1307م كانت المدينة مركزا للشركات الأجنبية من مدينتي البندقية وجنوة.
سنة 1465 اختارها السلطان محمد الشيخ المهدي الوطاسي عاصمة له لمهاجمة مدينة فاس عاصمة المرينيين٬ في سنة 1471 غادر السلطان محمد الشيخ لمهاجمة فاس ليستغل البرتغاليون تلك الفرصة ويهاجموا أصيلة بأسطول ضخم للغاية بقيادة ملك البرتغال ألفونسو الخامس٬ وحاول أهل المدينة حينها التصدي للهجوم وقتلوا بالفعل 200 جندي ولكن تم قتل 2000 مواطن وأسر خمسة آلاف من بينهم ولي العهد٬ وعندما عاد السلطان قام بمقايضة الأسرى مقابل الاعتراف بالبرتغال كحاكمة فعلية لمدة عشرون سنة٬ وامتلاك سبتة و القصر الصغير بالإضافة إلى أصيلة.
بعد ذلك، قامت القبائل المجاورة بثورة رافضة لهذه المعاهدة، وهاجموا المدينة أكثر من مرة، كما أصبحت مستهدفة من قبل القراصنة المغاربة، حتى انتهت هذه الهجمات تحت راية أمراء بني عروس وتم طرد البرتغاليين سنة 1550 م.
في عام 1576، قام السلطان محمد المتوكل بتسليم المدينة للبرتغاليين مرة أخرى، وهذا أدى إلى خلعه بسبب اعتباره خائنا للشعب، وتم تعيين عبد الملك الأول السعدي بدلا منه، ولكن المتوكل لم يكتف بذلك، بل أرسل استغاثة لحلفائه البرتغاليين، واندلعت المواجهة في معركة وادي المخازن في عام 1578م، وهي معركة الملوك الثلاثة التي قتل فيها ملك البرتغال سيباستيان، ثم عادت المدينة تحت حكم المغرب بقيادة السلطان أحمد المنصور الذهبي في عام 1589، واستعادت المدينة ما كانت عليه في السابق، خاصة في عهد الخضر غيلان الذي جعلها ميناء تجاريا ومركزا للجهاد البحري ومهاجمة الاحتلال البرتغالي في بعض مدن الشمال، ثم في عام 1692 استولى عليها السلطان إسماعيل بن علي الشريف العلوي، وأصبحت أصيلة كميناء تجاري مهم جدا في منطقة الشمال.
اقتصاد ومعالم مدينة أصيلة
يعتمد النشاط الاقتصادي في المدينة أساسا على الصيد البحري، وهو نشاط تتوارثه أجيال من ساكنة المدينة٬ وللمدينة موسم كبير سياحي يجعلها مقصداً لعشرات الآلاف من سكان المدن الداخلية خلال الشهور الثلاثة للعطلة الصيفية٬ وهو ما ينشط الحركة الاقتصادية المحلية والنشاط السياحي، ويرفع سعر المنازل التي يتم تأجيرها.
تحظى مدينة أصيلة بالعديد من المعالم التاريخية والعمرانية التي تعزز هويتها كمركز ثقافي وتراثي. تشمل هذه المعالم برج `القمرة` ومركز المراقبة على المحيط، حيث ذهب ملك البرتغال `دون سيباستيان` من هناك للمشاركة في معركة وادي المخازن وتعرضت قواته للهزيمة على يد عبد الملك السعدي. تم ترميم البرج في أوائل التسعينيات بالتعاون بين المغرب والبرتغال. وفي أقصى زاوية للمدينة المطلة على البحر، يقع قصر الريسوني الفخم البديع، الذي بناه القائد الريسوني في بداية القرن العشرين، وتم ترميمه أيضا من قبل مؤسسة منتدى أصيلة ليصبح معلما بارزا يستضيف الفعاليات الثقافية والفنية. خلال فترة الموسم الثقافي، تزينت المدينة بسلسلة من الحدائق التي تحمل أسماء شعراء وكتاب عرب وأفارقة مشهورين، بهدف الاحتفاء بتراثهم. تشمل هذه الحدائق حديقة تشيكايا أوتامسي ومحمود درويش والطيب صالح ومحمد عابد الجابري وبلند الحيدري وأحمد عبد السلام البقالي وغيرهم.
ساحة الطيقان وبرج القريقية مكان سياحي مهم كذلك٬ وهي عبارة عن ساحة مستطيلة في الناحية الجنوبية الغربية للمدينة٬ وتتميز بإطلالتها الرائعة على الساحل الأطلسي، وتشرف الساحة على برج دائري ضخم تعود أساسات بنائه إلى القرن الثالث الهجري ويزوره الكثير من السياح لالتقاط الصور التذكارية هناك.
قصر الخضر غيلان هو قصر بني وفقًا للنمط الأندلسي المغربي خلال القرن السابع عشر، وقد تم بناؤه بواسطة المجاهد أحمد الخضر غيلان عقب استيلائه على المدينة في أوائل القرن السابع عشر.
السياحة في مدينة أصيلة
يتجذب الآلاف من الزوار سنويا إلى المدينة لمشاهدة التغيرات التاريخية والثقافية بها، ولحضور مهرجان أصيلة الثقافي الذي يستمر على مدار العام بعرض لوحات وأعمال المشاركين به. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر شواطئ المدينة، مثل شاطئ برادايس والرميلات الممتدة على مسافة 17 كيلومترا، من أبرز أسباب جذب السياح إلى أصيلة. فهي تستقطب سنويا آلاف السياح من الداخل والخارج للاستمتاع بمقوماتها السياحية وتعد عاملا رئيسيا في جذب الزوار من الداخل وخارج البلاد.
تضم المدينة أحد أهم المنتجعات السياحية، وهو “مارينا جولف”، وشاطئ سيدي مغايت الذي يبعد 4 كيلومترات عن المدينة، بالإضافة إلى الحدائق العمومية الجميلة التي تتميز بالنباتات والأشكال الهندسية الجميلة والأحواض المائية التي تزيد من روعة المكان.
خلال الموسم الثقافي للمدينة، تتزين الجدران الأصيلة بألوان بهيجة وتصورات جمالية، ويأتي عشرات الفنانين من مختلف الدول والمدارس الفنية لعرض فنهم في المدينة على جدران المنازل العتيقة، مما يحولها إلى لوحة فنية بديعة.
أحد أجمل معالم مدينة أصيلة والذي يجذب السياح هو دروبها الضيقة الجميلة ومنازلها البيضاء ذات النوافذ الزرقاء والشرفات الأندلسية البسيطة المحاطة بالنباتات الجميلة. حصلت المدينة في وقت سابق على جائزة “أغا خان” لفن العمارة.
من بين أجمل الأماكن التي يمكن زيارتها، برج `القمرة` ومركز المراقبة على البحر. يقال إن ملك البرتغال دون سيباستيان قضى ليلة فيه ثم انطلق منه لمواجهة معركة وادي المخازن، حيث هزمت قواته على يد عبد الملك السعدي. كما تم بناء العديد من الأسوار في أصيلة خلال القرن الخامس عشر عندما كانت المدينة تحت سيطرة البرتغاليين. ومنذ ذلك الحين، تم الاعتناء بجدرانها وأسوارها وظلت شامخة حتى يومنا هذا.
يعتبر المسجد الجامع في أصيلة واحدًا من أبرز الرموز الدينية التاريخية، حيث يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالي الهجري، ويتميز بتصميمه العتيق البسيط الذي يعكس تاريخه العريق.
كما يوجد في المدينة قصر الريسوني الفخم الذي يعد من أهم المعالم السياحية في المدينة، الذي حولته الدولة فيها بعد بما الى قصر الثقافة، هذا القصر يعبر بنقوشه ومعماره الجميل عن الطابع الإسلامي الأصيل، أحمد الريسوني هو من قام ببناء القصر بداية القرن الـ20، وأعيد ترميمه فيما بعد ليصبح معلمًا بارزًا يحتضن تظاهرات ثقافية متنوعة.
مهرجان أصيلة السنوي
مهرجان موسم أصيلة الدولي يشمل جميع فروع الفنون مثل الأدب والموسيقى، ويبدأ المهرجان الذي يستمر لمدة أسبوعين من السابع من أغسطس إلى الثاني والعشرين، وتتحول المدينة بأكملها إلى معرض فني ضخم، وتستضيف الدولة المختلفة سنويا كضيف شرف للمهرجان، وتحتوي المدينة على مكتبة الأمير بندر بن سلطان التي تم افتتاحها رسميا في عام 2004 خلال فعاليات ملتقى أصيلة الأول، وتم تجهيز المبنى بأحدث التقنيات السمعية والبصرية، وتشمل قاعة سينمائية وأخرى للقراءة وأخرى للندوات الثقافية التي تعقد طوال أيام المهرجان. وتستمر تطوير المدينة حتى الآن.
اشتهرت اصيلة جوهرة الشمال بجانبها الثقافي، وأخرجت عدد من الفنانين في شتى المجالات أشهرهم السياسي ووزير الخارجية المغربي السابق محمد بن عيسى، و مجموعة من الفنانين التشكيليين و المبدعين و الأدباء، هذا بعض ما تتميز به مدينة أصيلة المغربية الساحرة ذات التاريخ العظيم، و الفن الأصيل ، فهي مكان يستحق الزيارة للتمتع بسحرها عن كثب، والاستمتاع بمؤهلاتها البديعة.