الخليج العربي

معلومات عن عاصفة سنة الطبعة

معلومات عن سنة الطبعة

كانت سنة الطبعة من السنوات التي هبت فيها عاصفة شديدة القوة على ساحل البحر شرق شبه الجزيرة العربية، وتسبب في غرق معظم المراكب التي كانت قد شاركت في موسم الغوص، وقد سميت بهذا الاسم لأن كلمة الطبعة تعني الغرق، ولم تكن تلك الحادثة هي الوحيدة في التاريخ لكنها كانت الأعنف والأشد قسوة بالتأكيد، حيث ضربت العاصفة سواحل الخليج العربي من عمان وحتى الكويت، فتسببت في تدمير معظم أساطيل الغوص على اللؤلؤ.

شهدت تلك السنة أحداثًا قاسية جدًا في تاريخ شبه الجزيرة العربية بأكملها، حيث كان هناك حداد في كل بيت على أحد الأشخاص الذين توفوا في تلك الحادثة، والذين خرجوا من منازلهم تحدوهم أحلام الرزق، وقد توفوا شهداء، ويقدر أن عدد الوفيات في تلك الحادثة بلغ حوالي 8000 شخص.

حدثت تلك الحادثة في عام 1923م، حيث خرجت المراكب لموسم الغوص كالمعتاد. ويذكر أن عدد المراكب الموجودة في منطقة اللؤلؤ في تلك الليلة كان حوالي 700 سفينة، وكان على متنها نحو 25 ألف رجل. في البداية، كانت الأمور طبيعية وهادئة، وكان من المقرر عودة المراكب في بداية أكتوبر، وكانت تبقى يومين فقط على هذا الموعد. في ليلة العاصفة، وفي بدايتها، كانت السماء مقمرة، وتجمعت معظم سفن دولة البحرين التي خرجت في تلك الليلة في منطقة تسمى هير شتيه، وهي إحدى المناطق الشهيرة في البحرين. استمر هذا الوضع حتى منتصف الليل، وكان الرجال يتحدثون عن عودتهم إلى منازلهم ولقاء أحبائهم وتوصيل الهدايا، وبعد أن تعبوا، اغتنموا الفرصة للنوم جميعا.

في تلك الليلة، التي كانت توافق يوم 13-3-1344 هـ، كانت ليلة جمعة، وفجأة ظهرت سحابة حمراء في السماء، وكانت تقترب بسرعة من المراكب، وهبت العاصفة وتلاطمت الأمواج وهطلت الأمطار بكثافة، وأصبحت المراكب هشة كالقش في وجه قوة الرياح، وترمى الرياح حبات من الحصى والرمال على المراكب، فبدأ الرجال في الدعاء لله عز وجل وهم يحتمون برؤوسهم من الحصى والرمال والأمطار الغزيرة التي تتساقط عليهم.

ارتفعت أصوات البحارة في الأفق وبدأ بعضهم يردد “يا كريم يا كريم”، وفي هذه الفترة امتلأت معظم السفن بالماء وتطايرت الألواح، وسقط كثير من الرجال في البحر، حيث بعضهم تشبث بألواح السفن التي طفت على الماء، وبعضهم لم ينجو من الأمواج الهائجة والظلام الدامس، وغرق في قاع الخليج.

وكان من طفا من الرجال يحاول أن يستغيث لكن لم يسمعه أحد، ويقول شاهد العيان السيد صالح بن مشعل وهو أحد الغواصين الذين حضروا الحادث، أن محمله قد انقلب فأخذ هو ومن معه ينادون على المنقذين الذين لكنهم لم يسمعونهم، فغاص ودخل إلى المركب المقلوب وحمل بندقية، وبدأ يطلق الرصاصات في الهواء حتى يجذب انتباه المنقذين إليهم وبالفعل رأهم المنقذون وحضروا إليهم وأنقذوهم.

بعد انتهاء العاصفة، توجه الأهالي إلى السواحل للبحث عن ذويهم، وتم العثور على بعض الجثث على شواطئ البحر. وحسب رواية بعض البحارة البحرينيين الذين شهدوا تلك الحادثة، تعرضت قاربهم لموجة عاتية وجرفتهم بعيدا، وظلوا في الماء بدون مساعدة إلا من الله تعالى. لذا بدأوا بقراءة القرآن والدعاء لعدة أيام، حتى في إحدى الأيام، ظهر أمامهم زورق صغير في فجر النهار، فاستغاثوا به، وقدموا لهم المساعدة وتزويدهم بالطعام والماء، وساعدوهم في الوصول إلى شواطئ عمان.

يزعم بعض المؤرخين أن هناك عائلات، بمن فيهم عائلة الشملان، قد مات جميع رجالها في ذلك الحادث الأليم.

شعر سنة الطبعة

من القصص التي ذكرت عن ذلك الحادث، قصة الشاعر راشد بن عبدالله بن حركان الذي حضر ذلك اليوم، وكان على إحدى المراكب التي كادت أن تغرق، فكتب هذه الأبيات حول ذلك اليوم

يـا حـظ قلبي يـــوم أرفع النــاف

يشـوفه إلـي من بعيـد يجينا

واحذف لها حبــال يمين ومجداف

عنها يسـار وواحـــــد من يمينا

و يا ليت منهو ما تعــرف بالأسياف

و لا مشى في ديـــــرة المشكلينا

ولا رُكْبٌ ما شَوَّه بينها صاف

مـوج البحر قـام يتلاطــم علينـا

و يا ليت منهو ما غـرف له بمغراف

في طول ليله والملأ نايمينا

فـي غــبـة والنـو جـالـه تـرزاف

غــربيــة هبـت عليـنـا بحينا

تـمـت وصـلى الله علـى سيــد الأشراف

عداد من زار الحــــــرم حاجينا

ومن بين الأشعار الشهيرة التي كتبت لوصف تلك الحادثة، يأتي قول الشاعر ناصر بن عبدالله بن كليبالكثيري، الذي نجا أيضًا بفضل الله، وقام بكتابة رسالة لأخيه ليصف له ما حدث قائلاً:

يا راكب من فـوق بنت العماني

مأمونة تقطع أفجوج الأخبــة

ما ساقها العمال بين السواني

ولا صدرت بالغرب ماها تصبــة

الصبح تسرح من ديار ابن ثاني

وفي يوم ثالث صلب جدي تنبه

تنصا عضيدي وأخبـره وش جاني

غطا على الموج في وسط غبة

الطبعـــة الخطــرة خطرها غطاني

مــوج البحر في غبته مطلحبة

ومن بين الأبيات الشهيرة التي قيلت عن سنة الطبعة، قال الشاعر ناصر التميمي وهو كان شاهدا على يوم الطبعة:

أنا مــــا تهيا لي ابعمـــري وهالني                    أحــذا ليلة سوداء على اللي ســــرابها

يوم على الديبل تطبع بهــــــا الخشب              كم واحـــد جت قدرته مـا درابها

ضربنا بنصف الليل نصـــف من الشهر              شهر ربيع أول ابعـــــــــــــــدة احسابها

دالوب غـــــــريبة من الله أمطبعــة                    ثلاث ســــــــــــــــــــاعات تنفض ربابها

و اللي ضرب بالـمــوج ـوجه يشيلنا                   شفنا الهوايل يـــــــــــــوم زاد اقتلابها

في غبة والموج يــــركب على الدقل                  يوم هدير القـــــــــــــــوع يقلب ترابها

تفرقوا من غير عقـــــــــد وجيرة                      ونفوسهم اللي مــــــــــــــا يعدد حسابها

لا هوش غلمان نهـــــــوش أو نمتنع                  ولا عبلة بيضاء نـــــــزين هضابهـــــــــا

كم جالبوت بـــــــوال الموج ثبرت                      ضاعـوا جـزاويــهـا وقصـــــوا خــــرابـها

يامــا غـدابه من صبي وشــــايب             و مـن نـواخــذا غالــي ومـــــال غدابهــا

و أهل الكباير خصهــــا الله بذنبها                 جمها أبـو سـط الهـيـر وعـجـــــــل ذهابهـا

ولون وآل العـــــرش زاد بدقيقة                    ما راح منا من يـرد ابجوابهــــــا

مير انه نشر الرجمة وسلم عشيرهم        تسعين كله راح فيها ومـا بها

رأي خبراء الطقس في سنة الطبعة

ويرى المتنبئ الجوي حسن عبدالله بأن المنطقة الشرقية للملكة العربية السعودية دائمًا ما تشهد سحب رعدية، في نفس هذا الوقت كل عام، بسبب تدفق تيارات من الهواء البارد عبر طبقات الغلاف الجوي العليا، ولأن الهواء في منطقة الخليج العربي يكون محملًا بكمية كبيرة من بخار الماء ونظرًا لشدة حرارة الجو، تتكون العواصف الرعدية، وفي هذا العام تأثرت سواحل الخليج العربي بحالة قوية من عدم الاستقرار الجوي، وتشكلت السحب الكثيفة وتساقطت الأمطار الرعدية الغزيرة والتي صحبتها رياح قوية، كما أن الحصى والرمال الذي حملته الرياح هو دليل على أن هذا الحدث الذي شهده الخليج في ذلك اليوم إنما هو عبارة عن عاصفة رملية جدارية.

كتاب حادثة سنة الطبعة

نظرا لخطورة الحادث الذي أصاب العديد من منازل الخليج العربي من عمان إلى المملكة العربية السعودية وحتى الكويت والإمارات، قام الكاتب سعد بن العزيز السيف بتوثيق هذا الحدث في كتاب يكرم روح شهداء هذا اليوم، وسماه “حادثة سنة الطبعة”، ووثق هذه الأحداث من خلال الشعر والرواية، وذكر أيضا في كتابه حوادث أخرى مشابهة لهذا الحدث التي وقعت في سنوات سابقة مثل حادثة طبعة الكويت في عام 1871.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى