لقد ذكر الله تعالى في كتابه الحكيم شجرة الزيتون، حيث قسم الله تعالى في بداية السورة بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين، واستمر هذا الذكر إلى نهاية السورة الكريمة. وكانت هذه الشجرة الكريمة التي بارك الله فيها وفي ثمارها، من أكثر الأشجار فائدة. وتتميز العديد من الدول العربية بزراعة شجرة الزيتون وإنتاج زيت الزيتون. ومن بين الدول العربية التي تنتج الزيتون بكميات كبيرة هي تونس، التي تعد ثاني أكبر دولة في إنتاج الزيتون في العالم. وإضافة إلى ذلك، تشتهر تونس بوجود أقدم شجرة زيتون في العالم، وتعرف بشجرة زيتون العكاريت.
شجرة العكاريت
في ولاية تطاوين في الجمهورية التونسية، توجد أقدم وأكبر شجرة زيتون في العالم، تسمى هذه الشجرة زيتونة العكاريت، وهذه التسمية نسبة إلى صاحبها عروسي العكروت، ويؤكد الخبراء أن عمرها يتجاوز التسع قرون، ويبلغ محيط جذعها 116 متر، ما يجعلها تغطي مساحة كبير على دائرة يصل مساحتها حوالي ألف متر مربع.
يقول العروسي العكروت في تصريح له أن هذه الشجرة العمرانية يعود تاريخها إلى فترة الحكم الروماني، وعلى الرغم من ذلك، فهي لا تزال قادرة على الإنتاج بشكل جيد كما لو كانت في شبابها، حيث بلغ إنتاج زيت الزيتون منها في عام 1992 أكثر من 1500 لتر، ومع ذلك، انخفضت إنتاجيتها في السنوات الأخيرة بسبب ندرة الأمطار في المنطقة.
يجدر بالذكر أن تونس هي أكبر منتج لزيت الزيتون في العالم، حيث حققت المركز الأول عالميا، وتمكنت من تحقيق صادرات قياسية تزيد عن 300 ألف طن، وبالتالي تفوقت على إيطاليا وإسبانيا.
تاريخ الزيتون في تونس
منذ زمن بعيد، كان زيت الزيتون متميزا في جميع أعظم الحضارات التي نشأت في تونس. فقد تم زراعة شجرة الزيتون من قبل الفينيقيين والإغريق والقرطاجيين والرومان والعرب، وهو تقليد ينتقل من الأب إلى الابن من ذلك الحين.
يعود تاريخ زراعة الزيتون في تونس إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وحتى قبل تأسيس قرطاج على يد الملكة ديدو؛ إذ كان الفينيقيون أول من أدخلوا هذه الزراعة إلى شمال إفريقيا. وفي الفترة القرطاجية، بدأت زراعة الزيتون تنتشر وتمنح العديد من المزايا لمزارعي الزيتون. واستمر التوسع بفضل الرومان الذين أسسوا تقنيات ري مكثفة وأحدثوا ثورة في استخراج زيت الزيتون.
الحفريات في سوفيتولا (سبيتلة الحالية) وتيسدروس (الميم) وكذلك الفسيفساء الرومانية المكتشفة في سوسة، تشهد على انتشار زراعة أشجار الزيتون في جميع أنحاء البلاد، من الناحية التاريخية.
على مر العصور، تم استخدام زيت الزيتون لأغراض متعددة، حيث استخدمه الرياضيون لتدليك عضلاتهم والنساء للحفاظ على بشرتهم، إضافة إلى ذلك، تم إثبات أن عصير الزيتون منشط يساعد على منع الصلع، وعند مزجه مع النبيذ والتوابل، يستخدم لأغراض التجميل.
تعطي دراسة الأشياء الأثرية والإثنوغرافيا، التي تم جمعها في أواني معينة على الأراضي، دليلا على أهمية زيت الزيتون في الحياة اليومية لأولئك الذين يعيشون في البلاد.
الزيتون في تونس
شاركت تونس، كعضو مؤسس في اللجنة الأولمبية الدولية منذ إنشائها في فبراير 1956، بنشاط في الاتفاقيات الدولية المتعاقبة المتعلقة بزيت الزيتون وزيتون المائدة، وساهمت في جميع مجموعات العمل التي تم إنشاؤها لمراقبة أنشطة البحث والتطوير وكيمياء زيت الزيتون.
خلال الستين سنة الماضية، كانت تونس واحدة من الدول التي وقعت الاتفاقية الدولية الأولى لزيت الزيتون في عام 1959، إلى جانب بلجيكا وفرنسا واليونان وإيطاليا وليبيا والمغرب والبرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة.
تمتلك تونس المركز الثاني عالميا في زراعة الزيتون بعد إسبانيا، حيث كانت تستخدم 800000 هكتار من الأراضي لزراعة الزيتون قبل 50 عاما، وهو ما يمثل 16 قطعة من مساحة زراعة الزيتون في العالم، وتستخدم أكثر من 99 قطعة من إنتاج بساتين الزيتون التونسية في إنتاج الزيت، بينما يتم استخدام الباقي في تصنيع زيت الطعام. ويوجد في البلاد أكثر من 800 مليون شجرة زيتون، منها 35 قطعة تعود لعمر يصل إلى 5 سنوات.
أصناف الزيتون الرئيسية في شمال البلاد هي شيتوي وسيالي وجربوي، تبلغ كثافة الزراعة في هذه المنطقة 100 شجرة / هكتار، توجد أصناف Chemlali و Oueslati في الوسط بكثافة تتراوح من 50 إلى 60 شجرة / هكتار، بينما تزرع أصناف Zalmati و Zarrari و Chemlali في الجنوب بكثافة 17 شجرة / هكتار.
يعتبر زراعة الزيتون أحد الأنشطة الزراعية الرئيسية في تونس، حيث أنه يلعب دوراً اجتماعياً واقتصادياً أساسياً، وهو يساهم في إبطاء الهجرة الجماعية من الريف وتحقيق إيرادات، يتمتع قطاع زراعة الزيتون ببنية تحتية صناعية قوية، مع أكثر من 700 منشأة لمعالجة زيت الزيتون، و15 مصفاة، و 10 وحدات لاستخراج زيت ثفل الزيتون، وأكثر من 40 مصنع تعبئة.
على مدى السنوات الخمسين الماضية، ارتفع متوسط الإنتاج لكل سنة محصولية من 79000 طن بين 1965 و1975 إلى أكثر من 176000 طن في السنوات العشر الأخيرة من المحاصيل من سنة 2005 إلي 2015، ولا سيما نتيجة لإنتاج كم قياسي يصل إلى 340 ألف طن في 2014/2015، ومع ذلك لا يزال تقلب الحصاد كبيراً.
مستويات إنتاج الزيتون
يعد تصدير زيت الزيتون الصادرات الزراعية الأولى في تونس، حيث تنتج تونس حوالي 14،000 طن من زيت الزيتون سنويًا، وفقًا لتصريحات سوندا لارويسي، خبيرة زيت الزيتون المقرَّة في صفاقس، ويمثل زيت الزيتون حوالي 15٪ من الاقتصاد التونسي.
في السنوات الخمس الماضية، أصبحت مستويات الإنتاج في البلاد أكثر تنافسية في السوق الدولية وزاد الاهتمام بجودتها، ولكن مع ضعف الاقتصاد، خاصة منذ ثورة 2011، تواجه الصناعة صعوبة في الدخول إلى السوق الدولية.
بدلاً من ذلك، فإن الاقتصاد الضعيف يعني أن المزيد من الأجانب يأتون إلى تونس لشراء زيت الزيتون بالأسعار المحلية، والذين يتم شحنه بعد ذلك ويتم بيعه تحت علامة تجارية مختلفة محلية بسعر أعلى، والنتيجة هي أنه لا يوجد ذكر لأصلها التونسي.
يمكن للمشترين الاستفادة من الثغرة الموجودة في القانون 72، والتي تسببت في خسارة البلاد ما يقرب من 43 مليار دينار، أو حوالي 13 مليار يورو بين عامي 2006 و 2016، وفقًا للمرصد التونسي للاقتصاد.
يسمح القانون لغير المقيمين بالاستثمار في البلاد، في قطاعات مثل الزراعة، وعلى الرغم من ذلك، لا يتوجب على هذه الشركات الأجنبية دفع أي ضريبة للدولة. وبالإضافة إلى ذلك، إذا تم تحقيق أيربح في بلد الاستثمار، فلن يطلب من المشترين دفع أي شيء إلى تونس.
للأسف لا يوجد خيارات، غالباً لا يكون للمزارعين خيار سوي البيع للأجانب في تونس، إذا لم يتمكنوا من بيع منتجاتهم في الأسواق الدولية، وحلم مُنتج زيت الزيتون التونسيين مازال مستمر وهو بيع زيت الزيتون الخاص بهم في زجاجة كمنتج تونسي يحمل علامتهم الخاصة، لكن الأمر ليس بهذه السهولة.
في الوقت نفسه، يقول خبراء إنتاج زيت الزيتون لارويسي وغديرة وهجري وهالة أن الأوروبيين، وبشكل خاص الإيطاليين والإسبان، ما زالوا يشترون زيت الزيتون التونسي بكميات كبيرة. نأمل حقا أن يكتشف المستهلك خارج تونس في يوم من الأيام الصورة الحقيقية لزيت الزيتون التونسي هذا. وتقول لارويسي إن كل ما يحتاجونه هو أن يأتوا ويرى ويتذوق.