اقتصاد العالممال واعمال

معلومات عن خط غاز قوة سيبيريا

يوم الثاني من شهر ديسمبر 2020 كان مهما في تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين روسيا والصين، حيث تم تسلم الصين أول شحنة من الغاز الطبيعي الروسي عبر خط الغاز الذي يسمى “قوة سيبيريا” والذي انتظر طويلا. يعتبر هذا المشروع الأكثر أهمية لروسيا بين جميع التزامات الطاقة التي تم إبرامها منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، وهو جزء من اتفاقية كبرى بقيمة 400 مليار دولار لتزويد الصين بـ 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في السنة لمدة 30 عاما

سبب توجه روسيا شرقا

تأثرت روسيا بشدة بالضغوط الكبيرة والعقوبات الغربية التي فرضت عليها بسبب ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، مما أسهم في تسريع تحولها الاستثماري بعيدا عن الاتحاد الأوروبي وتحويل اهتماماتها إلى الشرق الجائع للطاقة. يعد خط الأنابيب، الذي يمتد لحوالي 1800 ميل، طوق النجاة الذي يمكن لروسيا الاعتماد عليه لمواجهة تراجع الطلب في السوق الأوروبية، حيث تؤثر التوترات الدبلوماسية والتحول الكبير نحو مصادر الطاقة المتجددة سلبا على شهية الدول الأوروبية للاعتماد على النفط والغاز الطبيعي الروسي على المدى الطويل .

أهمية قوة سيبيريا للصين وروسيا

قائدي كلا البلدين متأكدين تماماً من أن بداية تزويد الصين بالغاز الروسي , تعتبر نقلة نوعية مهمة في تعاونهما في مجال الطاقة , وبالتالي تجعلهما أقرب لغايتهما برفع قيمة التعاون التجاري فيما بينهما إلى ما يقارب ال نئتي مليار دولار , بحلول عام 2024 . وهذا سيؤمن سوق جديد لشركة غاز بروم الروسية ، و سيعزّز التنوع في صادرات الدولة .

بالنسبة لروسيا، هذا المشروع ذو أهمية بالغة ليس فقط للتصدير، ولكن أيضا لأنه سيتضمن نقل الغاز إلى مصنع معالجة الغاز في آمور، والذي سيصبح واحدا من أبرز المنشآت المعنية بمعالجة الغاز على مستوى العالم.” هذا ما صرح به الرئيس الروسي خلال حفل انطلاق المشروع. بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرتقبة في المناطق التي سيمتد خط أنابيب قوة سيبيريا عبرها .

الصين , بدورها , تعتبر من أكثر الدول استهلاكاً للطاقة على مستوى العالم وتسعى لاستبدال اعتمادها على الفحم لتأمين احتياجاتها من الطاقة بوسيلة أخرى تعتبر أكثر صداقةً للبيئة وهي الغاز الطبيعي . وطبقا لتنبؤات الصناعة من الداخل الصيني ، فمن المتوقع ارتفاع استهلاك الغاز من ثلاثمئة وسبعة مليار متر مكعب هذه السنة إلى 510 مليار بحلول عام 2030 . وهنا يأتي دور روسيا في تقديم المساعدة .

خط أنابيب قوة سيبيريا

بحسب العقد المتفق عليه في عام 2014 ، خلال الاجتماع الذي تمّ بين العملاق الروسي أي شركة غاز بروم ومؤسسة البترول الوطنية الصينية ، والذي يمتد لثلاثين سنة يتم إرسال 38 مليار متر مكعب من الوقود الأزرق إلى الصين في كل سنة . و إجمالي الكمية المرسلة على امتداد سنوات العقد  تقدر بحوالي تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي .

لقد بدأت بالفعل عمليات ضخ الغاز الروسي بعد خمس سنوات من عمليات التشييد والتحضير ، و وصلت أولى جزيئاته إلى الصين في الثاني من ديسمبر من العام 2019 عبر القسم الشمالي من خط الأنابيب والذي سيؤمن مبدئيا خمسة مليارات متر مكعب من الغاز في السنة الأولى ،ليصل إلى طاقته التوصيلية القصوى بحلول عام 2025 .

مناطق يعبرها خط قوة سيبيريا

يتم تقدير طول خط الأنابيب الإجمالي بحوالي 3000 كيلومتر في الجانب الروسي، ما يعادل 1864 ميلا، بالإضافة إلى 5111 كيلومترا في الأراضي الصينية. يمتد الخط من منطقة إيركوتسك إلى ياقوتيا ومنطقة آمور، ويمر عبر مناطق جبلية وصخرية ومستنقعات ومناطق زلزالية نشطة وأخرى متجمدة حيث تصل درجة الحرارة فيها إلى 40-60 درجة تحت الصفر على مقياس سيلزيوس. وتم تصميم “قوة سيبيريا” لتخفيف آثار تأثير البيئة الصعبة، حيث يمر في الغابات المنتشرة والمناطق القريبة من بقع الحرائق .

تمويل خط قوة سيبيريا

امتدت عمليات التشييد والإنشاء لخمس سنوات , واشترك فيها عشرة  آلاف شخصاً , و استخدم فيها 130,000 قطعة ذات أقطار مختلفة ، و التي يبلغ وزنها معاً أكثر من 1.8 مليون طنّاً . بينما لا يوجد رقم رسمي نهائي فيما يخص إجمالي التكاليف ، أحد التصريحات الرسمية لشركة غاز بروم ذكر فيها أن المبلغ يقدر بحوالي 1.1 تريليون روبل ( 17.2 مليار دولار ) .

أهمية قوة سيبيريا استراتيجيا

تملك روسيا أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في كوكب الأرض – بواقع عشرين بالمئة من إجمالي الاحتياطي العالمي – فيما تعتبر الصين أكبر مستورد للطاقة على مستوى العالم . زمن خلال هذا المشروع وضعت روسيا نفسها بين الأسواق الأوروبية من جهة الغرب ، والأسواق الصينية ذات النمو المتسارع و الجائعة لاستهلاك الغاز من جهة الشرق .

وبهذا ، تخطط روسيا لأن تملك أفضلية المراجحة بين فرص البيع التي ستتوفر لها مستقبلا . كذلك لن تفوّت روسيا فرصة الاستفادة من التأثير الإيجابي الاقتصادي – الجغرافي الذي سوف يأتي من خط أنابيب الطاقة الجديد – حيث يعرف الكرملين جيدا كيف يستخدم صادرات الغاز الطبيعي كسلاح أجنبي لحماية روسيا .

استفادة القسم الشرقي الروسي

سيتم البدء باستخراج الغاز من حقول جديدة تقع في الشرق الأقصى من الأراضي الروسية ، كما سيبدأ العمل على تشييد المزيد من أنابيب نقل الغاز باتجاه الشرق . وهو ما يعتبر حجر الأساس في تنفيذ مخططات الكرملين التي تسعى لتنمية وتطوير الأجزاء الشرقية من الأراضي الروسية . إذ أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ، تناقص عدد السكان في المدن التي تقع شرق روسيا بمعدل عشرين بالمئة، ووصل الانخفاض في بعض المناطق إلى نسبة مذهلة تبلغ سبعين بالمئة من العدد الأصلي للسكان ، بسبب تفضيل الكثيرين من السكان للانتقال والعيش في المدن الغربية من روسيا .

تأثير مشروع قوة سيبيريا

يأتي هذا المشروع لتأكيد متانة العلاقات الروسية الصينية، وتعزيز الشراكة والاعتماد المتبادل بين البلدين في مجال الطاقة. ويمكن استخدامه لفهم طبيعة العلاقة الطويلة الأمد بين حكومتي البلدين، فندرك أن هذا التعاون لن يتوقف عند هذا المشروع، بل سيمتد لأبعد من ذلك .

تعد بكين شريكا مهما في دعم جهود موسكو في مشاريعها في منطقة القطب الشمالي، من خلال المساعدات والتقنيات التي تقدمها الشركات الصينية لتحقيق تلك المشاريع، بما في ذلك مشروع “يامال إل إن جي” الذي تديره شركة نوفاتك الروسية بمساعدة عدد من الشركات الصينية واليابانية والفرنسية، على الرغم من العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على قطاع الطاقة الروسي .

في النهاية، تهدف جميع هذه المشاريع إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين على جميع الأصعدة، حيث تمتلكان رؤية مشتركة ومواقف موحدة تجاه العديد من القضايا الإقليمية والعالمية. يشمل ذلك موقفهما الموحد لمواجهة الهيمنة الأمريكية على السياسة العالمية، والتنسيق الأمني في منطقة آسيا الوسطى، وتحقيق أعلى مستوى من التعاون في المجال الاقتصادي والعسكري. وقد أصبح ذلك واضحا من خلال تشكيلهما للتحالفات والمشاريع المشتركة مؤخرا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى