مطويات عن الرفق
لم يترك ديننا الإسلامي الحنيف خلقا جميلا إلا وحثنا عليه، ومن هذه الأخلاق الرفق. فقد زادت الأحاديث التي تحث على الرفق واللين في كل شيء، وكم هو عظيم ثوابه ومكافأته في الدنيا والآخرة، وقد تحلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلق الرفق، فلم يؤذ أحدا بالقول أو الفعل، وليس الرفق مجرد منهج إسلامي، بل إنه طبيعة إنسانية تميل إليها النفوس .
وفي الشرائع الأخرى، حث الله عليه باللطف والرفق. فعلى الرغم من تجاوز فرعون حدود التكبر والقمع، أمر الله موسى وهارون قائلا: `اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى` (سورة طه: 43-44). وذلك ليثبت القرآن الكريم أن اللطف والرفق من الصفات المحمودة وأن الله يأمر بالتحلي بهما .
وهذا الخلق القويم يقوم على استخدام اللين مع جميع الخلائق، سواء كانوا من الناس أو الحيوانات أو جميع الكائنات. إنها صفة جميلة يتبناها الإنسان. تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن أهمية هذا الخلق حيث قال: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي لطيفة ما لا يعطي للعنف، وما لا يعطي لغيره” (صحيح البخاري، باب الرفق في الأمر كله ــ 5678)، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه .
وما كان اللطف في خلق إنسان إلا جماله وأحبه لجميع الناس، فاللطف هو سلوك يتضمن الرحمة واللين والتعاطف مع مشاعر الآخرين واحترامها. ومن اللطف أن نتعاطف مع أنفسنا وأهلنا وأصدقائنا، وحتى مع أعدائنا وخصومنا. وأمر الله تعالى عباده بأن يتصفوا باللطف، لأن الله يبارك الأشخاص الذين يتصفون باللطف. ونهانا الله عن القسوة والعنف التي تؤدي إلى انتشار التوتر والكراهية. وأشار الرسول الكريم في الحديث الشريف إلى ذلك بقوله: `من يحرم اللطف يحرم الخير كله`. وأضاف الرسول الكريم أيضا أنه باللطف يمكن تحقيق الصلح بين المتخاصمين وإرشاد الكفار وتحقيق الوئام .
وقد قال رسول الله صلَ الله عليه وسلم : من منح حظه من الرفق فقد حصل على حظه من خير الدنيا والآخرة، من الصلة بالأقارب وحسن الخلق وحسن المعاملة يجعلان الأماكن مليئة بالحياة ويزيدان في العمر. وقد روي عن السيدة عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثها عن رفق النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: “ما خير رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما فكان أبعد الناس منه.” ويدل ذلك على تحلي النبي صلى الله عليه وسلم بصفة الرفق .
أنواع الرفق كما وردت بالسنة الشريفة
الرفق مع الاطفال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصا رفيقا وعطوفا، ففي السنة النبوية ورد الحديث كثيرا عن رفق الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الأطفال. وقد ظهرت العديد من المواقف التي تبرز رفقه ولينه وبساطته في التعامل معهم، فكان يقبل الحسن والحسين ويجعلهما يلعبان على ظهره. وروي عنه أنه حمل بنت زينب أمامه أثناء الصلاة لتخفيف عن والدتها، وعائشة رضي الله عنها روت قائلة: “كان رسول الله يلعب مع الأطفال ويحنو عليهم ويدعو لهم”، وعن أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم .
الرفق مع الأهل
وبما أن الرفق مطلوب مع جميع الناس، فإنه يجب أن يكون الرفق أولا مع الأهل والأقارب. فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتعاطف مع أهل بيته وأقاربه، ويظهر الرفق حتى مع الخدم. ومن أظهر رفقه مع أم المؤمنين السيدة عائشة واهتمامه بصغر سنها، أذنت له رضي الله عنها بأن تلعب وتلهو في العيد ومشاهدة أهل الحبشة وهم يلعبون. وقد ذكر في الحديث الشريف عن عائشة – رضي الله عنها – أنه لم يضرب رسول الله شيئا أبدا بيده، سواء كان رجلا أو امرأة أو خادما، إلا في سبيل الله. ولم ينتقم من أحد ما لم ينتهك حرمة الله تعالى، فإذا تعدى على محظورات الله تعالى، فإنه ينتقم لله تعالى .
الرفق في الصبر على الأذي
الرفق في الأوقات السهلة يختلف كثيرا عن الرفق في الأوقات الصعبة والمؤلمة. وقد أعطى لنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثالا في الصبر على الأذى والعفو وعدم الانتقام من أعدائه. وفي الحديث الشريف، أشارت عائشة رضي الله عنها إلى أنه سئل عما إذا كان يوم العقبة هو اليوم الأكثر صعوبة في حياته، فأجاب النبي: “لقد واجهت من قومي ما واجهت في يوم العقبة، وكان الأكثر صعوبة لي. عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، ولم يستجب لي كما أردت، وانطلقت وأنا حزين على وجهي، ولم أستيقظ حتى وجدت نفسي في قمة الجبل، وكانت السحابة تغطيني، وتحدثني جبريل، وقال: إن الله سمع قول قومك المتجاهل لك، وأرسل ملك الجبال ليطيعك فيما شئت، فنادى ملك الجبال، وقال: يا محمد، أمرك فيما شئت، هل تريد أن يغرق الله قومك في البحر، فقال النبي: لا، بل أتمنى أن يهديهم الله للإسلام .