مطويات عن الرسول قدوتي في العفو والتسامح
نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة التي يجب على كل مسلم أن يتبعها، ويتميز بالتسامح والعفو والأمانة. فعلى الرغم من كل ما واجهه من بني قريش قبل الهجرة، إلا أنه عند فتح مكة قال لهم “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. تعكس هذه الحملة المدى الذي وصل إليه التسامح لدى النبي عندما كان يملك السلطة على أعدائه الذين اتهموه وآذوه وطردوا من مكة، وعذبوا كل من ناصره واتبعه .
لم يفكر النبي صلى الله عليه وسلم في الانتقام منهم أو الثأر لنفسه، أو حتى رد الإساءة، بل صفح عنهم وسامحهم .
مواقف عن النبي صلى الله عليه وسلم في العفو والتسامح
توضح أحداث تاريخية من حياة رسولنا الكريم مدى تسامحه، حيث حاول رجل عربي قتل النبي وهو نائم تحت شجرة، لكن سيفه علق عليها ولم يستطع إكمال جريمته
عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الموقع (رقعة) في غزوة الرسول، وهناك نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وعلق سيفه عليها.
وصل رجل مشرك، وكان سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلقا على شجرة، فأخذه الرجل، فسأله الأعرابي: هل تخاف مني؟ فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، فقال الأعرابي: فمن يمنعك مني؟ فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله، فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للأعرابي: من يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: أنت خير من يمنعني. فقال صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله وأنا رسول الله؟ فقال الأعرابي: لا، ولكني أعاهدك ألا أقاتلك ولا أنضم إلى أي فئة تقاتلك. فسمح له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغادرة، ثم جاء إلى أصحابه وقال: جئتكم من عند أفضل الناس” [صححه ابن حبان].
غلظة الأعرابي وتسامح الرسول
عن أنس بن مالك قال: (وردح) عباءة غليظة كانت على عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كنت أسير معه، وأدركنا رجل من بني عرب فجذبها بشدة حتى ترك آثارا على عنق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: يا محمد، أعطني من مال الله الذي عندك. فلما التفت الرسول صلى الله عليه وسلم إليه وضحك ثم أمر بإعطائه ما يريد.
التسامح والعفو مع الخدم والعمال
يقول أنس رضي الله عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم عن تسامحه وعفوه صلى الله عليه وسلم معه: (خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما سبَّني سبة قط، ولا قال لي أف قط، ولا قال لي لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته) رواه أحمد. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نِيل منه شيء قطُّ، فينتقم مِن صاحبه، إلا أن يُنْتَهك شيء مِن محارم الله، فينتقم لله عزَّ وجلَّ) رواه مسلم
تسامح النبي صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهودي
كان للنبي صلى الله عليه وسلم جار يهودي يعاني منه الإيذاء المستمر. ومع ذلك، كان النبي يخشى تدخل أصحابه في الأمر. لذا، كان جاره اليهودي يذهب في ساعات الليل أثناء نوم الناس، ويقوم بجمع الشوك والقاذورات، ثم يلقيها أمام بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت ردة فعل النبي أن يضحك، على الرغم من أنه يعلم أن الجار اليهودي هو الذي يقوم بذلك. وعندما تقوم النبي صلى الله عليه وسلم بإزاحة القاذورات بعيدا عن منزله، فهو لا يرد على الإساءة بمثلها، بل يتعامل معها برحمة. وعلى الرغم من ذلك، لم يتوقف الجار اليهودي عن إيذاءه حتى أصيب بحمى شديدة، فأصبح مضطربا في فراشه من آلام الحمى التي تقربت من أن تودي بحياته .
عندما كان اليهودي نائمًا في بيته، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن على باب المنزل للدخول، فأعطاه اليهودي الإذن ودعا له النبي بالشفاء، فتعجب اليهودي وسأله من أين عرف بمرضه
فضحك النبي “صلى الله عليه وسلم” وقال له: تعودت اليهودية على رمي قاذوراتها أمام بيت النبي، ولكن بعد أن أبدى النبي تسامحًا شديدًا وطيبة قلبه، بكى اليهودي بشدة وأدرك حقيقة دين الإسلام وأسلم بنطق الشهادتين .
يذكر الآية الكريمة في سورة فصلت، حيث أمر الله تعالى نبيه بالعفو والإحسان والسماحة، وقال جل وعلا: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}(فصلت 35:34)، وفي تفسير ابن كثير: “وقوله: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} أي: هناك فرق كبير بين الخير والشر، و{ادفع بالتي هي أحسن} أي: إذا أساء إليك شخص ما، فرد عليه بالإحسان والخير، وقوله: {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} وهو الصديق، يعني إذا أحسن الإنسان إلى من أساء إليه فسيحصل على الحسنات، وسيندم المسيء وسيتوب، وقد يتحول إلى صديق مقرب، ومعنى ولي حميم: هو الشخص الذي يشفق عليك ويتعاطف معك ويحسن إليك.
ثم قال: وما يقبل هذا التوصية ويتبعها إلا الذين يصبرون عليها، لأنها تعتبر صعبة على النفوس. ولا يتبع هذه التوصية إلا الأشخاص الذين لديهم نصيب كبير من السعادة في الدنيا والآخرة.