مذهب المركنتيلية الإقتصادي
سنتحدث في هذا المقال عن نظام اقتصادي شهد انتشاره في بدايات القرن السادس عشر في أوروبا واستمر حتى القرن الثامن عشر، وهو نظام المركنتيلية أو نظام التجارة. يعني هذا المصطلح ببساطة التوجه نحو التجارة والربح دون أي اعتبارات أخرى. وقد كان أول اقتصادي يهتم بهذا النظام هو الفرنسي انطوان دي مونكرتيان في كتابه “الاقتصاد السياسي”. واشتهر في إيطاليا الكاتب انطونيو سيرا. ولم يخل الأمر من العديد من النقاد والمعارضين لهذا النظام، ومن أبرزهم آدم سميث والكاتب الإنجليزي دولي نورث والباحث وليم بنتلي مؤلف كتاب “الحساب السياسي” الذين انتقدوا هذه المدرسة وطالبوا بتبني نظام “عدم التدخل” بدلا منه
نشأة مذهب المركنتيلية : بدأت بوادر نشوء المذهب المركنتيلي في أوروبا بظهور تقسيم الموارد من أجل زيادة قوة ثروة الدولة النقدية، والتركيز على زيادة كمية المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة، وإهمال قطاعات الإنتاج الأخرى مثل الزراعة والصناعة وغيرها. يعتقد أتباع المذهب المركنتيلي، أو ما يسمون بالتجارين، أن قوة المجتمع تكمن في ما يملكه من ذهب وفضة ومعادن ثمينة، وأن قوة المجتمع لا علاقة لها بقدرته على إنتاج السلع والخدمات الأخرى. كما فرضت حكومات الدول التابعة للنظام المركنتيلي قوانين صارمة تحظر بيع المعادن الثمينة للخارج بدون موافقتها، وهذا ما سمي بنظام السبائك، مما أتاح للحكومة التدخل في الحياة الاقتصادية للمجتمع من أجل المحافظة على تحقيق هدفها الأساسي وهو زيادة مخزونها من المعادن الثمينة. وقد قاموا بسن قوانين تجعل عملية التصدير سهلة ومحمية، وقدموا الكثير من الإعانات للصناعات المصدرة، بالمقابل شددوا على عملية الاستيراد وفرضوا ضرائب على الواردات، وهذا ما يسمى بالجمارك. عمل أتباع المذهب المركنتيلي على بناء دول قوية عسكريا، وسعوا إلى إنشاء شركات ضخمة احتكارية في الكثير من المناطق، ومن أشهر أتباع ومؤسسي النظام المركنتيلي وأكثرهم تشددا له هو وزير المالية الفرنسي جان بايتيست كولبير
سياسة المذهب الماركنيتيلي في تحقيق الأهداف
يَستَندُ أنصار هذا المذهب إلى وسيلتين أساسيتين لتحقيق الهدف الرئيسي لسياستهم، وهو جمع أكبر قدر ممكن من المعادن الثمينة، وخاصة الذهب والفضة
أولاً : هي سياسة تمييز المعادن عن غيرها من السلع، وهي السياسة التي اعتمدتها علماء المذهب المركنتيلي في بدايات القرن السادس عشر، وتتمثل فيما يلي:
- تم وقف عملية التصدير للمعادن، وخاصة الذهب والفضة، وتشديد الرقابة على تهريبها خارج البلاد، كما تم التشديد على المصدرين والمستوردين، ومن بين البلدان التي اتبعت هذه السياسة هي إسبانيا والبرتغال .
- قامت بتعزيز المصارف والبنوك، وفرضت فوائد عالية على الودائع الخارجية .
- استيراد العملة الذهبية والفضية .
ثانياً :انتشرت هذه الطريقة في القرن السابع عشر، حيث تبعت مبدأ `التوازن التجاري الناجح`. ويقول هذا المبدأ أنه من مصلحة الدولة الاحتفاظ بمخزون من الفضة والذهب، ولكي يكون هذا التوازن ناجحا وفي مصلحة الدولة، يجب تحسين الصناعة لزيادة عملية التصدير وتقليل الاستيراد. وتدفع الفرق بين التصدير والاستيراد بشكل من الذهب يوضع في خزينة الدولة. وكان من الضروري اتباع بعض القوانين لضمان نجاح هذه السياسة
- تتضمن استراتيجية المحاصصة اتباع نظام توزيع معين عند استيراد بعض المنتجات .
- تكون عملية نقل المنتجات محصورة بوسائل النقل التابعة للدولة .
- يتم العمل على تحسين جودة المنتجات واتباع نظام المنافسة في إنتاج السلع المصدرة .
- يتم التأكيد على بعض المنتجات المستوردة وفرض قوانين خاصة لذلك .
لابد أن يكون لهذا النظام الاقتصادي، مثل غيره من الأنظمة الاقتصادية المنتشرة، هدف سياسي خلفه. وكان الهدف الرئيسي للنظام المركنتيلي هو جعل المستعمرات تابعة اقتصاديا للدولة الأم. وهناك هدف أوسع وهو الحفاظ على الارتباط بين الطبقة الرأسمالية والحكومة ورجال الأعمال. يشير هذا الهدف بمصطلح دبلوماسي وهو المركنتيلية، وهو يهدف إلى تعزيز سيطرة الأقلية على السلطة. وعلى الرغم من عيوب هذا التوجه التجاري في الحكومات التي نفذته، إلا أن رجال الأعمال كانوا ومازالوا يدعمون هذا التوجه