متى يصبح البخل مرض وكيف يمكن التخلص منه
منذ العصور القديمة، كان العرب معروفين بفضائل الأخلاق والصفات الحميدة، ومن بين أبرزها الكرم والجود والعطاء بدون قيود أو حدود. وكان استقبال الضيوف والزوار والترحيب بهم وضيافتهم من أهم الأمور في حياتهم، حيث كانوا يضعون النيران أمام خيامهم لتوجيه المارة والمسافرين إليها وتقديم الطعام والشراب والمأوى لهم. وكان البخلاء يعتبرون أشخاصا مرضى ومنحرفين عن الطبيعة. وقد تغير هذا الأمر بعد بعثة النبي، حيث أصبح الكرم محل ثواب من الله في الدنيا والآخرة، والبخل يؤدي إلى الصعوبات في الدنيا والهلاك في الآخرة
متى يصبح البخل مرض
هناك مثلا عربيا مشهور يقول إن الاحتياط يفضل على العلاج. لذلك، توفير جزء من المال لمواجهة الظروف والتحديات التي قد تواجهها الإنسان أمر ضروري. من الضروري عدم إنفاق جميع الأموال حتى يصل الشخص إلى حد الإسراف في أمور غير ضرورية. إهدار المال في أمور تافهة لا جدوى منه يجعل الفرق بين البخل والاحتياط كبيرا، حيث يعكس البخل الانقطاع والبخل ويقابل الجود والكرم.
توجد بعض العلامات التي تدل على إصابة الشخص بالبخل، والتي تتمثل في التقصير في العلاج عند المرض، وتبذير الوقت في جمع المال، وعدم الإنفاق على ما يجلب السعادة، وأخيراً، الإهمال في الجودة على الرغم من التوفير.
التقصير في العلاج
في بعض الأحيان، يصاب الإنسان بمرض ما يتطلب منه الذهاب إلى الطبيب وشراء الأدوية المنصوح بها، مما يتطلب منه إنفاقا ماليا. إن الله منح الإنسان الصحة كنعمة من نعمه، ويجب عليه الحفاظ عليها. إهمال الصحة يعتبر تقصيرا في حق الله. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد شيء أثمن من الصحة. عندما يفضل الإنسان الحفاظ على المال بدلا من إنفاقه لتحسين صحته وشفائه، فإن البخل يصل إلى درجة المرض ولا يمكن تصنيفه حينها بأنه بخيل، بل هو شحيح، لأن بخله لم يقتصر على الآخرين بل تمتد تداعياته حتى على نفسه.
إهدار الوقت لجمع المال
قد يبدو الأمر غريبا، فكيف يمكن للشخص أن يضيع وقته في جمع المال وتوفيره؟ يمكن توضيح ذلك من خلال بعض الأمثلة، مثل الحالة التي لا يقوم فيها الزوج بشراء غسالة كهربائية لزوجته لكي لا ينفق أموالا على شرائها، بل يدعها تضيع الوقت والصحة في غسل الملابس يدويا. وكذلك تأخير إصلاح الأعطال المنزلية لكي لا يتعين عليه استدعاء فني وشراء الأدوات والإنفاق عليها، وهذه الأمور الهامة التي تستغرق الوقت وتؤثر على الصحة عند تأخيرها، لا يكون البخل وتوفير المال مجددا مفيدا في تلك الحالة.
عدم الإنفاق فيما يجلب السعادة
ما هي قيمة المال حينما يحتفظ به المرء ويعيش محروماً من أولويات الحياة التي تجلب له الراحة والتي هي العامل الأول للسعادة وهي أحد الصفات التي تدل على الشخص المريض بالبخل فلا يذهب للمتنزهات ولا المطاعم، لا يشترى التلفاز، كما لا يجدد من ملابسه ولا لنوع من أصناف الطعام التي يتناولها هو وأفراد أسرته.
إهمال الجودة في مقابل التوفير
اختيار المنتجات الأقل جودة لكونها أقل في التكلفة من مثيلتها ذات الجودة العالية حتى إن كان ذلك على حساب صحته وراحته الجسدية وهو ما يعد شح أكثر منه بخل حيث تعد الجودة من العناصر الهامة في الحاجيات والمشتريات مثلما يشتري حذاء رخيص عن الطبي المريح والذي سوف يسبب له في آلام القدم أثناء السير.
علاج البخل المرضي وكيفية التخلص منه
تتمثل الخطوة الأولى في علاج أي مرض نفسي في مواجهة النفس والاعتراف به، ولذلك يجب على من يعترف بإصابته بذلك المرض البحث عن علاج وطريقة للتخلص منه، ومن خلال اتباع النصائح التالية، سيتماثل شخص يتصف بتلك الصفة للشفاء بشكل أسرع
- يمكن للإنسان أن يتخلص من وسواس الشيطان باللجوء إلى الله تعالى وطلب الشفاء منه، وتغيير هذه الصفة إلى القدرة على العطاء والجود، وينبغي عدم الاستجابة لوسواس البخل الذي يدفعه الشيطان.
- يقول المثل إن إخبار النفس بالبخل يؤدي إلى أن يتم بخل الزوج والأب على أفراد أسرتهم، ومن ثم سيتم بخلهم عليه بمشاعرهم وحنانهم، وبالتالي يعتبر البخل عائقًا بين الأشخاص ومن حولهم الأحباء.
- يعلم الجميع أن كل إنسان على هذه الأرض له عمر محدود وسوف يرحل في النهاية، لذا يجب الاستمتاع بالحياة دون إسراف أو تبذير.
- ينبغي التأمل في حال البخلاء من حولك فيما يتعلق بصحتهم وهيئتهم، ثم النظر إلى الكرماء وعلامات رضا الله عنهم في الدنيا، ومحبة الناس واحترامهم لهم.
- يمكن زيادة التواصل والمصاحبة الكرم والمجالسة معهم، وعلى الرغم من أن الأمر قد يكون صعبًا في البداية، إلا أنه مع الوقت سيصبح عاديًا وستعتاد على الكرم.
هل البخل وراثة
هناك تساؤل كثيراً ما يتردد حول ما إذا كان البخل عادة أم وراثة وقد اختلفت الآراء حول الإجابة ولكن الشائع والأرجح أنه ليس وراثة حيث نرى الكثير من الكرماء ولديهم ابن بخيل والعكس فقد يكون أحد الوالدين بخيلاً ولكن ابنه أو ابنته يتصف بالكرم، ولذلك فإن البخل عادة على من يعاني منها أن يقاومها ويتغلب عليها من خلال اتباع سبل العلاج والاتصاف بأخلاق الأنبياء والرسل وخيرة القوم من الكرماء.
صفات البخيل في الإسلام
البخل هو صفة سيئة لها عواقب خطيرة على الشخص في الدنيا والآخرة، وذكر الله تعالى البخل سبع مرات في القرآن الكريم في ست سور مختلفة. ويعني البخل أيضا الشح، والذي يعتبر أكثر اتساعا وشمولا من البخل وأشد قوة منه. يعرف الشخص البخيل بأنه من يمتنع عن إنفاق المال، وهذا ينشأ نتيجة للمعتقدات الجذرية في النفس البشرية. فالمشاعر التي تميل إلى الشح تدفع الشخص إلى الامتناع عن الإنفاق.
وفي ذلك قال الله تعالى في سورة الحشر الآية التاسعة (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) كما وردت الآية الكريمة ذاتها في سورة التغابن بالآية السادسة عشر، ولابد من العلم أن البخيل يختلف بمن يتصف بالشح حيث إن البخيل هو من يبخل على الغير لكنه كريم مع نفسه بينما الشحيح يبخل على نفسه كما يبخل على غيره، وحينها يعد العطاء من قبيل المعاناة التي يتعرض لها الفرد ولا يتمكن من فعلها بسهولة.
بينت الآيات القرآنية ما ينتظر البخيل من الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة، وهو مهين. فالله يعد البخيل بالعسر في أموره، وذلك ما يأتي في سورة الليل: (وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى)، وهذا يعني أن الله سيجعل الخير والصلاح صعبا عليه، وأن ما كنزه من مال سيكون عديم الفائدة في الآخرة.
يذكر في السنة النبوية الأحاديث النبوية التي تنتقد البخل، حيث قال الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم: `احذروا البخل، فإنه جعل الأمم السابقة يسفكون دماء بعضهم، ويقطعون أرحام بعضهم، ويحلون محرمات بعضهم`. وقد قال النبي الكريم أيضا: `لا يدخل الجنة من هو بخيل`. وهناك العديد من الأحاديث النبوية الأخرى التي تذكر البخل والشح وتحذر من آفاتهما على صاحبهما في الدنيا والآخرة.