ما هي نظرية مالتوس
كان المفكر الإنجليزي توماس مالتوس واحدا من أعظم علماء الاقتصاد في التاريخ، وكان أول من سعى لوضع نظرية شاملة تتعلق بالسكان والديموغرافيا والتطور في عام 1798 من خلال كتابه `رسائل حول مبادئ تعداد السكان`. قد طرح مشكلة زيادة السكان والنمو الطبيعي، وقدم حلولا لمواجهة هذه المشكلة.
ورغم أن نظريته حينها قد ثبت فشل أجزاء كبيرة منها إلا أنه بعد جائحة كورونا بدأ البعض بالتفكير من جديد في هذه النظرية ومجموعة الأفكار التي طرحها مالتوس، أهمها أن الإنسانية ستُواجه أزمة كبيرة نتيجة للزيادة السكانية مما سيخلق حالة عدم توازن ستشهد معها الإنسانية مجاعات و أوبئة و أمراض، أو ما سماه هو الكارثة المالتوسية، ثم تعود الأمور لنصابها بعد أن تقرر الشعوب خفض النسل مع الندرة الغذائية، بالإضافة للعوامل الطبيعية. لنتعرف على هذا الكاتب المثير للجدل ونظريته من خلال هذا المقال.
نشأة توماس مالتوس
توماس روبرت مالتوس هو رجل دين و باحث إنگليزي في الاقتصاد السياسي و الديموغرافيا، ولد في 14 فبراير سنة 1766 في مدينة تدعى روكري بإنجلترا، ينحدر من أسرة إنگليزية ميسورة الحال، كان والده صديقا للفيلسوف الإنجليزي ديفد هيوم، كما كان متأثرا بأفكار جان جاك روسو، وهذا ما اثر بشكل ملحوظ في شخصية مالتوس و فلسفته الليبرالية.
تلقى مالتوس تعليمه في البيت على يد مدرس خاص حتى دخوله “كلية المسيح” التابعة لكامبريدج عام 1784، حصل على الإجازة سنة 1788، ثم حصل على شهادة الماستر سنة 1791، فأصبح كاهناً بكنيسة إنجلترا سنة 1798، وفي سنة 1805 تم تعيينه أستاذاً للتاريخ و الاقتصاد في كلية الهند الشرقية، التي تم إنشاؤها بالقرب من لندن، اختير زميلا في الجمعية الملكية سنة 1819، وانضم إلى نادي الاقتصاد السياسي عام 1821، كما أصبح من الأعضاء البارزين في الجمعية الملكية للأدب سنة 1824، ثم الأكاديمية الفرنسية للعلوم الأخلاقية والسياسية سنة 1833، وأكاديمية برلين الملكية. وكان أيضا من بين الأعضاء المؤسسين لجمعية لندن للإحصاء.
نظريات النمو السكاني لـ مالتوس
تأثر مالتوس بالفلسفة الليبرالية وأفكار جان جاك روسو، وكان يميل إلى الاقتصاد المتنوع والمتوازن. ومع ذلك، حذر من التخصص المفرط في الصناعة والتجارة، ودعا إلى تحقيق توازن بين مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة. كما كان يدعم الدول بشدة في اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحفاظ على الاقتصاد الوطني من التنافس الأجنبي. وتدعم نظرياته مبادئ التفاوت الطبقي وتدعو إلى الملكية الفردية والنظام الليبرال.
تم تأليف `بحث في مبدأ السكان` في عام 1798 و `مبادئ الاقتصاد السياسي` في عام 1820، وتشتهر برؤيتها المتحيزة لصالح فئة مالكي رأس المال على حساب الفقراء. ومن أبرز أمثلة تحيزها هو هجومها على قانون المساعدة الاجتماعية لمساعدة الفقراء في بريطانيا في عام 1975، الذي قررت الحكومة تنفيذه بسبب الفقر المدقع الذي عانته طبقة العمال بسبب التحولات الاجتماعية والاقتصادية الجذرية التي نتجت عن الثورة الصناعية.
نصح مالتوس الطبقة الفقيرة بالتزام “القيود الأخلاقية” من خلال تأجيل سن الزواج والحفاظ على العفة قبل الزواج. هاجم أيضا الفقراء بسبب سلوكهم الجنسي والزواج المبكر والإنجاب الكثير من الأطفال دون اعتبار للظروف. يؤكد أن الفقر نتيجة لأخطاء الفقراء أنفسهم. وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد أن منع المساعدات في حالات الجوع والأزمات يقلل من النسل بشكل ملحوظ.
من بين أفكاره المثيرة للجدل أيضا، أنه لا يوصى بزيادة أجور العمال، لأنه إذا زادت أجورهم، فسيتزوجون مبكرا وينجبوا المزيد من الأطفال، مما سيؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة عدد السكان بشكل يتجاوز توافر الغذاء، وبالتالي ستعود الفقر مجددا. كما رفض مالتوس زيادة الضرائب المخصصة للإنفاق على العاطلين، حيث ستؤدي هذه الزيادة إلى تشجيع الكسل والرغبة الجنسية لدى الزوجين وزيادة عدد أفراد الأسرة بوتيرة أكبر من توافر الطعام، وسيؤدي ذلك إلى منافسة حادة بين الناس، حيث سيرتفع البائعون أسعار بضائعهم.
لتوضيح هذه النظرية، افترض مالتوس أن الطعام يزيد كل 52 عاما بتسلسل حسابي “من 1 إلى 2 إلى 3 إلى 4 إلى 5 إلى 6 وهكذا”، أما السكان فيزدادون بتسلسل هندسي “1، 2، 3، 4، 8، 61، 23 وهكذا”، حيث افترض أن كل زوج وزوجة سينجبان أربعة أطفال يبقون على قيد الحياة.
نظرية مالتوس للسكان
ظهرت هذه النظرية في القرن الثامن عشر و تعتبر من أكثر النظريات المثيرة للجدل التي وضعها مالتوس في عام 1798 ، تؤكد هذه النظرية أن وتيرة التزايد السكاني هي أسرع من وتيرة إنتاج المحاصيل الزراعية وكميات الغذاء المتوفرة للاستهلاك، مما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة أهمها الجوع و الفقر .
إذا لم يتم تدارك المجتمع هذه المشكلة وفرض القيود على الفقراء في معدل زيادة السكان وفقا لقدرتهم على إنتاج الغذاء، ستحدث كارثة. لن تترك قوانين الطبيعة أحدا، وستعيد التوازن للمجتمع من خلال انتشار المجاعات والأمراض وما إلى ذلك. يبقى السؤال المطروح في هذه النظرية هو، هل هناك تناقض أساسي بين زيادة عدد السكان ومستوى الكفاف، أي الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة؟ هل هناك طريقة لتجنب المجاعة العامة
انتقد مالتوس بشدة الطبقة الفقيرة التي تنجب الأطفال بشكل مفرط، وانتقد أيضا مساعدة الأغنياء للفقراء التي لا تفيد سوى زيادة مستويات الفقر والفقراء في العالم. واعتبر مالتوس زيادة سكان بريطانيا في ذلك الوقت بداية للكارثة وفقا لنظريته، حيث أوضح أن الموارد الطبيعية تزداد بنسبة حسابية بطيئة بينما يزداد عدد السكان بنسبة هندسية سريعة، كما ذكرنا سابقا، مما يعني أن عدد السكان سيتجاوز إمدادات الغذاء في السنوات المقبلة.
و طرح في كتابه بعض الحلول القوية لمواجهة هذه المشكلة منها التقشف في استهلاك الطعام بحيث يكون الاستهلاك بقدر الحاجة دائما للبقاء على قيد الحياة. كما نصح بتحديد حجم السكان حسب توافر الغذاء لكي يتحقق التوازن بالإضافة إلى رأيه المثير للجدل الذي يقترح من خلاله منع زيادة إنتاج الغذاء من خلال تقليل عدد العمال، وتخفيض رأس المال المستثمر في الزراعة.
يقترح مالتوس نوعين من الضوابط لتخفيض عدد السكان الذين ينجبون المزيد من الأطفال ويحتاجون إلى الغذاء. وبالتالي، ستقل حصة الفرد الواحد من الغذاء بسبب زيادة عدد البشر. أولا، هناك ضوابط وقائية تؤثر على السكان من خلال خفض معدل الولادات وتوعية الرجال بخطورة الإنجاب المفرط الذي سيؤدي بالضرورة إلى حياة بائسة وأعباء لا يمكن تحملها. يمكن أن تحرم هذه الضوابط أطفالهم من التعليم وتسبب لهم الفقر والحرمان،
الأمور التي تدفع الرجل للحد من حجم أسرته وتؤخر زواجه، وكذلك يقوم الأب بضبط علاقته الزوجية لتجنب إنجاب أعداد كبيرة من الأولاد. ثانيا، القيود الإيجابية التي تؤثر على عدد السكان وتكاثرهم، وتعتبر الظروف الطبيعية سببا لذلك، فبالنسبة لمالتوس، جميع الكوارث الطبيعية تقلل أعداد البشر وتعتبر إيجابية، سواء كانت زلازلا أو فيضانات أو أعاصير، أو المصائب التي يتسبب فيها الإنسان من خلال الحروب والأمراض والمجاعات وما إلى ذلك. كل هذه العوامل تساعد في زيادة نسبة الوفيات، وبالتالي تقليل عدد السكان.
انتقادات نظرية مالتوس
وكما تعرضت كل نظرية للنقد، تعرضت نظرية مالتوس أيضا لانتقادات. توقع مالتوس تدهور الأوضاع الاقتصادية في دول أوروبا الغربية وزيادة عدد السكان بشكل ملحوظ، ولكن هذا لم يحدث بل ارتفع إنتاج الغذاء بشكل كبير بفضل التقدم التكنولوجي في الزراعة وإنتاج الطعام والتقدم العلمي الكبير، مما أدى إلى ارتفاع مستويات المعيشة للشعوب الأوروبية بدلا من انخفاضها. بريطانيا تعد أفضل مثال على ذلك، حيث لم تعاني من نقص في المواد الغذائية؛ فقد قامت بإنتاج الحديد والآلات والفحم والسفن وغيرها، وتبادلتها بمواد غذائية من دول أجنبية.
كما أن نظريته بخصوص معدل المواليد الذي يزداد مع ارتفاع في مستوى المعيشة أثبتت عدم صحتها ففي الدول الغربية، هناك انخفاض في عدد المواليد رغم النمو الاقتصادي بينما في الولايات المتحدة الأمريكية تضاعف عدد السكان عدة مرات منذ سنة 1800، ومع ذلك زاد الإنتاج الزراعي عن الحاجة وتبقى فائض وفير للتصدير.
كما أثارت النظرية الكثير من الانتقادات خاصة بعد تطبيق قانون الفقراء الانجليزي في عام 1934، و يعتبر من أكثر القوانين إثارة للجدل حيث يدعو الفقراء للهجرة و الإقامة في إصلاحية تؤمن لهم التغذية والملبس لهم و لأطفالهم وفي المقابل يعمل الفقراء لعدة ساعات يومياً، و قد تسبب هذا القانون بأعمال شغب كبيرة في بريطانيا حيث اعتبر الكثيرون أن هذا القانون هو تطبيق لنظرية مالتوس حيث يعمل الفقراء بأجور اقل من المعتاد ناهيك عن حالة التقشف التي يعيشونها، بينما رحبت الطبقة الرأسمالية بالقانون و أيدوا تطبيقه بشدة.
على الرغم من الانتقادات التي وجهت لنظرية توماس مالتوس وصاحبها، إلا أن هناك الكثير من المؤيدين لأفكاره. ويوجد من قدم نفس الأفكار بطريقة جديدة تسمى `المالتوسية الجديدة`. ومن الممكن أن يكون تطبيق سياسة الطفل الواحد في الأسرة في الصين استجابة واضحة وملموسة لأفكاره.
رغم توقف هذه السياسة منذ سنوات بسبب انخفاض معدل الولادات ومحاولة تباطؤ شيخوخة المجتمع، بالإضافة إلى تجربة الاتحاد السوفيتي التي تسببت في مجاعة هائلة وقتل العديد من البشر بحجة تحقيق التراكم المطلوب للتنمية والتقدم الصناعي، وأجبرت بعض الأعراق المضطهدة مثل الهنود والسود في أمريكا على إجراء عمليات تعقيم قسرية
وفاة توماس مالتوس
تُوفي توماس مالتوس فجأة بسبب مرض القلب في 23 ديسمبر سنة 1834، ودُفن في قرية سانت كاثرين بالقرب من مدينة باث جنوب غربي إنجلترا عن عمر يناهز 68 عامًا في منزل والد زوجته.
في الوقت الحاضر، لم يعد الأمن الغذائي مشكلة للبشرية، على الرغم من ارتفاع عدد السكان في العالم إلى مليارات البشر. طالما أن لديهم القدرة على استخدام الموارد بشكل صحيح من خلال العلم والتكنولوجيا. ومع ذلك، تظل نظرية مالتوس مخيفة ويجب أن نأخذها في الاعتبار، حيث يمكن أن يشكل التكاثر السكاني مشكلة للطبيعة ويؤثر سلبا على مواردها الأساسية، مما يدفع الدول إلى تنظيم النسل.