ما هي درجات الصبر
ليس بالإمكان للإنسان أن يعيش في حالة راحة وسعادة دائمة، وكذلك ليس بالإمكان أن يكون في حالة بؤس مستمرة، ولذلك أمرنا الله -عز وجل- بأن نشكره ونحمده عندما نكون في حالة السرور، وأن نصبر على البلاء والمحن عندما نتعرض للابتلاء، فالصبر هو عبادة عظيمة يغفل عنها الكثيرون، ولكنها تحظى بأجر عظيم عند الله -عز وجل- على الرغم من أنها لها أجرا كبيرا جدا يعادل أجر أعظم العبادات. وإذا نظر الله -عز وجل- إلى عبده وهو يتحمل الضرر ويصبر، سيمنحه أجرا عظيما ويكافئه بدرجات عظيمة بسبب صبره، وإذا رأى الله -عز وجل- أنه يصبر برضا عن قضاءه، سيكافئه بالتعويض عن ما أصابه، والمؤمن يصبر على البلاء في هذه الحياة لأنه يعلم أن كل أمر من الله هو خير .
ما هو الصبر
- يعني الصبر عند أهل اللغة الحبس، ولكن المعنى الأكثر اتساعًا بين العلماء هو ما قاله ابن تيمية – رحمه الله – وهو أن الصبر هو الذي لا يرافقه شكوى أو جزع من الإنسان، ويعتبر الصبر نصف الإيمان، وقد قال ابن مسعود إن الصبر هو نصف الإيمان .
- عندما نعيش في هذه الحياة دون الصبر، تصبح الحياة أكثر حزنًا وتعاسة، ويدرك المسلم أنه يعيش في دار الابتلاء وأن الصبر يجب أن يحققه في الدنيا، حيث أن السعادة الحقيقية تأتي في الآخرة .
- وكل فرد في هذه الحياة يحتاج إلى تجوال الصبر، وليس شرطا أن يكون الصبر في مواجهة البلاء، وإنما هناك العديد من الأمور التي تحتاج إليها صبرا. فالأم بحاجة إلى صبر في تربية أبنائها، والأب يحتاج إلى صبر في تعليم الأولاد، والمبتلى يحتاج إلى صبر في مواجهة الابتلاءات، وغير ذلك بكثير. وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- حالة المؤمن، فقال: (عجبا لأمر المؤمن، إن كل أمره خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إذا أصابه سراء فشكر، فكان خيرا له، وإذا أصابته ضراء فصبر، فكان خيرا له).
أنواع الصبر مع الأمثلة
يوجد أنواع مختلفة من الصبر، ويمكن تقسيم الصبر في هذه الحياة الدنيا إلى ثلاثة درجات أو مراتب، وهي:
الصبر على قضاء الله وقدره
- أعظم أنواع الصبر هي التي يصبر فيها المسلم على البلاء ، وعلى المصيبة التي وقعت في حياته ، وهو لا يدرى ما سببها ، وما الحكمة منها ولكنه يعلم أن الله – عز وجل – لا يفعل له إلا الخير وقد وصف الله -تعالى- حال الصابرين على بلائه في الضراء في قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)، وبين حال الصابرين عندما يقع عليهم البلاء فقال: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
- فعندما تحل المصيبة على المؤمن يجب أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ، ويعلم أن الله – عز وجل – يريد أن يمتحن صبره وقدرته وإيمانه ، ولا يسخط من قضاء الله وقدره لأنه لا محالة سوف ينفذ أن رضى العبد ، أم سخط ، فإن رضي فله الأجر ، وأن سخط فله السخط من الله – عز وجل – والتسليم بقضاء الله هو المرتبة الأولى من مراتب الصبر .
- أما بالنسبة لأعلى مستويات الصبر، فهي أن يدرك الإنسان بكل يقين أن ما حدث هو خير له في حياته الدنيا ودينه. وأن الله – عز وجل – لا يمكن أن يصيبه بشيء يكون سيئا له، وإذا كان ظاهره سيئا، فإن القناعة والصبر في هذه الحالة تعتبر أعلى درجات الصبر التي يمكن للعبد أن يشعر بها. وفي هذه الحالة، لا يتمنى العبد أن يتخلص من المحنة إلا إذا كانت فيها خيرا. أما إذا كانت المحنة نفسها خيرا بالنسبة له، فإنه لا يتمنى أن تنتهي ويسلم أمره لملك الملوك – جل وعلا
الصبر عن المعصية
- قد يكون الكثير من الناس في هذه الدنيا يفعل هذا النوع من الصبر لكنه لا يدري ، هو أن يصبر العبد على ترك المعصية أو عدم فعلها ، وهو نوع عظيم من الصبر ، سواء كانت هذه المعصية بالقول ، أو الفعل ، أو العمل ، فأن لها ثواب عظيم عند الله – عز وجل – والصبر على المعصية ثلاثة مراحل هم :
- ينبغي للمسلم أن يحاول طرد حب هذه المعصية من قلبه، وألا يعلق قلبه بها، ويحاول أن يشغل نفسه عنها بكثرة الذكر ومجالسة الصالحين .
- يجب على الشخص البعد عن أي شيء يمكن أن يقربه من شخص معين، فإذا كان يفعل ذلك في مكان معين فلا يجب عليه العودة إلى هذا المكان مرة أخرى .
- ينبغي علينا الإسراع في التوبة إلى الله – عز وجل – والعودة إليه في كل مرة نعود فيها إلى المعصية .
وينشأ الصبر على المعصية من أسباب كثيرة أهمها :
- يجب على العبد أن يدرك أن المعصية، ومهما كان لها أثر في نفسه ومهما استمتع بها، فإنها متعة زائلة .
- يتم مراقبة العبد لأفعاله ويعلم بأن الله – عز وجل – يرى ويسمع كل ما يفعل .
- الخوف من أن ينظر الله إلى العبد وهو في حالة لا ترضيه أو أن يتم احتجازه في سوء خاتمة .
- ينبغي على الإنسان أن يتذكر النعم التي وهبها الله عليه، وأنه لا يجوز الرد على النعم بالمعصية .
- ينبغي للمسلم أن يدرك أن الله خلق له نفساً طاهرة نظيفة، وأنه يجب أن يرتقي بها عن الذنوب والمعاصي.
- إذا كان العبد يحب ربه أكثر من أي شيء آخر، فإن هذا الحب يدفعه للابتعاد عن ما يكرهه الحبيب .
- يجب على الإنسان أن يتذكر الموت في كل وقت، فهو الواعظ الأكبر للإنسان .
الصبر على طاعة الله
كما أن ترك المعصية وعدم فعلها يحتاج إلى صبر ، ومجاهدة لنفس كذلك فإن الصبر على طاعة الله – عز وجل – والمداومة عليها يحتاج للكثير من الصبر ، وخاصة وأن الحياة فيها الكثير من الأشياء التي تلهي الإنسان عن طاعة الله – عز وجل – فقد قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) فأن مصاحبة الأخيار هي أكبر دافعاًَ وسبباً يجعلك تستمر على الطاعة ، وتداوم عليها .
أنواع الصبر في القرآن
- تحتوي القرآن الكريم على العديد من الآيات التي تتحدث عن الصابرين وتثني عليهم، ومن بينها قوله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، فالصابرون يحظون بأعظم جزاء يمكن أن يحصلوا عليه وهو صلوات الله – جل وعلا – عليهم .
- أشار الرسول -صلىالله عليه وسلم- إلى أن الصبر هو نعمة من نعم الله -عز وجل-، حيث قال: (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)،
- كذلك فإن الصابرون لهم أجر كبير كما قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).
- ذكر الله – عز وجل – أن الصابرون هم الذين يحظون بمحبة الله – عز وجل – فقد قال: `والله يحب الصابرين`.
- وبالصبر تتحقق معية الله -تعالى- للعبد؛ فقال: (وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ) .