ما هي الفلسفة السوفسطائية
لطالما سمعنا أن شخصا ما يصف حديثا على أنه حديث سوفسطائي، لكن هل تساءلت يوما عن معنى السوفسطائية، هل كنت تظن أن هذه الكلمة تحمل في ثناياها إرثا فلسفيا عظيما، إذن فما هي السوفسطائية، ومن هم أبرز فلاسفة هذه المدرسة؟ وكيف نظروا إلى المعرفة والأخلاق و القانون والدين والجمال؟ وأين تتجلى مكانتهم في تاريخ الفلسفة.
تعريف السوفسطائية
إن السوفسطائية هي مدرسة فلسفية يونانية ضهرت في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد ، و عرفت هذه المدرسة بفنون الخطابة والجدل واستمالة الجمهور ، وتشير الكلمة اليونانية سوفيسطوس الى معلم علم البيان والجدل ، إن السوفسطائية في بداياتها كانت صفة تميز الشخص الخطيب المتمكن من قواعد الجدل والبلاغة ، لكن لا بد من الإشارة أن الجدل السوفسطائي مختلف عن الجدل العادي ، إذ يقصد بالسفسطة الكلام الذي فيه تمويه للحقائق وقلب لها باستعمال أدوات الخطابة وأساليب الحجج، مع صرف الذهن أيضاً عن الحقائق والأحوال الصحيحة أو المقبولة في العقل ، وتضليل الخصم عن الوجهة الصحيحة.
مميزات مدرسة السوفسطائية
تميزت هذه المدرسة بركزها على فن الخطابة والجدل، ولكن ليس لاستكشاف الحقيقة بل للتضليل والتلاعب، فالحقيقة بالنسبة لهم مرتبطة بمصلحتهم فقط ولا تحمل أي قيمة خارج هذه المصلحة، وكانوا يتباهون بدعم واحد وتحريفه على حد سواء وتقديم الحجج في مختلف المسائل والمواقف، مدافعين عن الخير والشر في نفس الوقت، والحق والباطل، والعدل والظلم، ومن خلال ذلك كانوا يشككون في الدين وشعائره، وهناك سمة أساسية أخرى تميزهم، وهي استغلالهم للعلم، فكانوا يكونون معلمين وخطباء، ولم يكونوا حكاما.
فلاسفة المدرسة السوفسطائية
يتفق معظم الباحثين على صعوبة تحديد فلاسفة هذه المدرسة نظرا لعدم وجود نصوص تاريخية ومصادر موثوقة، إذ إن كل ما وصلنا من اليونان القديم هو مجرد شذرات، ولكن من المؤكد أن بروتاغوراس ( ٤٨٠-٤١٠) وجورجياس أو غورغياس (٤٨٠-٣٧٥) يعتبران من أبرز ممثلي التيار السوفسطائي بلا منازع، إذ أشار كل من أرسطو وافلاطون في كتبهما إلى هذين الفيلسوفين في محاوراتهما الأفلاطونية.
نظرية السوفسطائين في المعرفة
يعتبر المعرفة، في نظر السوفسطائيين، معرفة حسية تساعدنا على استكشاف الحقائق والعالم الخارجي من خلال حواسنا. ومع ذلك، فإن المعرفة التي تحصل عليها حواسنا هي معرفة شخصية تختلف من شخص إلى آخر، ولا توجد حقيقة واحدة أو معرفة مطلقة، بل المعرفة نسبية. فمفهوم الخير والشر يختلف في النظر إليهما من شخص إلى آخر، وهذا ينطبق أيضا على المواضيع الأخرى. وبالتالي، فإن المعرفة في هذا المعنى هي مرتبطة بالزمان والمكان ومتغيرة. ولهذا السبب كان السوفسطائيون يرددون دائما عبارة `إن الإنسان هو مقياس كل شيء`، أي أن الإنسان هو الذي يضفي القيمة على الحقائق، وليس الحقائق هي التي تمنح الإنسان قيمته.
نظرية السوفسطائين في الأخلاق
انتقل السوفسطائيون إلى النظر في الأخلاق بنفس منهجية المعرفة، فإنها تكون ذاتية وتتغير قيمتها في الزمان والمكان. فما قد يكون سيئا بالنسبة لي قد يكون جيدا بالنسبة للآخرين، وما قد يكون محرما في ثقافة أو دين معين قد يكون مشروعا في ثقافة أخرى. ومصدر الأخلاق في رؤيتهم هو الحواس وليس العقل، فهي وسيلة لتلبية الرغبات الحسية مثل الطعام والشراب، وليست وسيلة لتلبية الرغبات الروحية والعقلية.
نظرية السوفسطائيون للجمال والفن
يتبع مفهوم الجمال نفس الأسس التي تتبعها الأخلاق والمعرفة، وهو مفهوم نسبي وذاتي ينبع من الذات الإنسانية، ويختلف تبعا لاختلاف الأفراد والظروف الزمانية والمكانية. أما الفن فهو ظاهرة إنسانية، ويستند مصدر القيم الجمالية والفنية فيه إلى اتفاق الناس في الزمان والمكان، وينفي السوفسطائيون وجود مصدر إلهي ومقدس للجمال والفن، بينما تعتقد الديانات الشرقية القديمة بوجود إله للجمال. يعتبر الفن فعلا إنسانيا ومهارة يمكن اكتسابها بالتجربة والتعلم، وليس موهبة إلهية.
السوفسطائيون و الدين
يعتبر الدين أحد أهم القوى الفكرية التي تتناولها السوفسطائيين. ينظر إلى الدين كصنع إنساني، حيث يعزى منشأه إلى عجز القانون البشري عن تحقيق تحرير الناس من العنف والخوف والجهل. وبالتالي، كان من الضروري ابتكار قانون إلهي لتوحيد مشاعر الناس تجاه القانون. يعبر عن هذا الفكر كيريتياس، الشاعر السوفسطائي، حين يقول: `وكما تمنع القوانين الناس من الاحتكاك بشكل علني، يمكن أن يكون الإثم مرتكبا سرا. ولذلك، يخطر ببالي أن هناك إنسانا ماكرا قد صاغ خوف الإنسان من الآلهة، حتى عند ارتكاب أحدهم للإثم أو ارتكاب خطأ في القول أو الفعل، سيخشى حتى لو كانت أعماله سرية.` بمعنى آخر، يكون الهدف من الدين عند السوفسطائيين هو السيطرة على مشاعر الناس في العلن والخفاء ومساعدتهم في تطبيق القانون.
السوفسطائيون والقانون
إن القوانين التي كانت سائدة في اليونان قد جعلت السوفسطائيون يفكرون في بديل للقوانين الطبيعية physei ونقيظ للنواميس nomo أي القوانين الإلهية ، ذلك أن هذه القوانين تلزم البشر بالقبول بأمور خارج طبيعتهم الإنسانية، ونظرا لهذه الاعتبارات كان البديل هو القانون الوضعي الذي يضعه المشرع حتى يتسنى له التوافق مع الطبيعة البشرية ليكون له قبولا عند الأغلبية، واقد اختلف القول في القانون من فيلسوف سفسطائي إلى أخر ، و ذلك لاختلاف وجهات نظرهم ، إذ نجد مثلا على سبيل المثال لا الحصر، تراسيماخوس يرى بأن القانون هو أداة يسيطر بها الأقوياء على الضعفاء ، من جهة أخرى نجد كاليكلاس وهو شاعر ومفكر سوفسطائي يذهب نقيض ذلك بقوله، إن القانون هو أداة يتساوى بها الأقوياء والضعفاء ، فيما ذهب كاليكلاس إلى اعتبار القانون ضمانة متبادلة بين المواطنين.
أهمية الفكر السوفسطائي ومكانته
يشكل الفكر السوفسطائي جزءا لا يتجزأ من تاريخ الفلسفة اليونانية، حيث يفصلهم عن الفكر التقليدي الطبيعي اليوناني والشرق القديم عموما، ولهم تأثير كبير في تاريخ الفلسفة سواء في المعرفة أو القانون أو الأخلاق أو الدين والجمال، إضافة إلى الربط الكبير بين المسألة اللغوية والخطابة والفلسفة. بالإضافة إلى ذلك، يتميزون بالقدرة النقدية الكبيرة، وينتقدون القيم الأخلاقية السائدة بغض النظر عن المستوى الديني أو القانوني، مما فتح الطريق للاستعانة بالعقل بدلا من الأسطورة والخرافة.
لا يمكن فهم المرحلة اللاحقة من الفلسفة إلا عند العودة إلى الفكر السوفسطائي وفهمه بشكل جيد، لأن الفلسفة اللاحقة ستأتي كردٍ ونقدٍ على التقاليد الفكرية السوفسطائية، وبالأخص الفلسفة الأفلاطونية والأرسطية.
إذا كان للحركة السوفسطائية فلسفة قائمة على الذات ، على الرغم من التسميات الخاطئة التي ألصقت بها وبفلسفتها ، وعلى الرغم من التحريف الذي تعرضت له فكرها وأصالتها الفلسفية ، فإن معظم الانتقادات الموجهة للحركة السوفسطائية هي تلك التي قدمها سقراط بأسلوبه التحقيري في الحوار ، وتبعه أفلاطون ، تلميذ سقراط ، في صياغة الانتقادات الموجهة للفلسفة السوفسطائية.