ما هي الرومانسكية
مصطلح رومانسك يشير إلى الفنون المأخوذة من الفن الروماني، وأول من استخدم هذا المصطلح هو العالم الفرنسي للآثار شارل دو جيرفيل، وظهر هذا النمط من الفنون المعمارية في معظم أقطار غرب أوروبا بعد انحسار الإمبراطورية الرومانية ومظاهرها، وهو مرتبط بالكنائس والأديرة الغربية في الفترة ما بين القرن الخامس والثالث عشر الميلادي، ويتميز بأنه أسلوب فني مميز بين الفن الروماني والفن القوطي
فنون العمارة الرومانسكية، على الرغم من اعتماد اسمها على العمارة الرومانية، إلا أنها في الأصل متأثرة بالعمارة البيزنطية، وقد ظهرت هذه الفنون تأثرا بالعديد من المباني الرومانية الموجودة في إيطاليا وجنوب فرنسا، ولقد تأثرت العمارة فيما بعد بهذه الخصائص، ولكنها كانت غير متواجدة لدى ألمانيا وإنجلترا وشمال فرنسا، وتميزت بالعقود المستديرة المعروفة في الكنائس البازيليكية الرومانية
بعد مرور أكثر من مائة سنة من العصر الأولى للميلاد، حدثت تغيرات جذرية في الثقافة والحضارة الأوروبية، وذلك بعد استخدام التكنولوجيا الحديثة في مجال الزراعة للتغلب على نقص الغذاء، حيث زاد الإنتاج الغذائي وبدأت فترة من الازدهار في أوروبا، وهذا أدى إلى ظهور طبقة اجتماعية جديدة متخصصة في الأنشطة الصناعية والتجارية والمعروفة باسم الطبقة البورجوازية، التي كانت تربط بين الفلاحين والأرستقراطيين ورجال الدين، وحدث نفس الشيء في فرنسا عندما ظهرت طبقة السادة الحربة بسبب تفكك النظام الإقطاعي الحاكم في ذلك الوقت
طالبت الطبقة البرجوازية وهيمنة الحرب بإنشاء مبانٍ دينية جديدة، وطلبت إصلاح الدين في الأديرة، كما حدث في دير كلوني في القرن الحادي عشر الميلادي ودير يستواكس في القرن الثاني عشر الميلادي، وكذلك في الكنائس الأبرشية في الأرياف.
الفنون والعمارة الرومانسكية
بالرغم من أن العمارة الرومانسكية مأخوذة من العمارة الرومانية، إلا أنها تختلف عنها في عدة جوانب، ومنها تقليل الحجم الضخم المتعلق بالهندسة المعمارية الرومانية. تتميز العمارة الرومانسكية بعدم وجود العديد من التراكيب المعمارية المعقدة مقارنة بالعمارة الرومانية. ومع ذلك، فإن العنصر المشترك الأكبر بين العمارة الرومانسكية والعمارة الرومانية هو استخدام مخططات “الباسيليكا” التي تتميز بوجود صحن دائري بسيط في المنتصف، ويحدها ممران مرتفعان على كلا الجانبين يتوسطهما الأعمدة
اشتهرت العمارة الرومانسكية بجودتها العالية وتميزها بمستوى مهارة فنية مرتفعة، ويشهد بذلك استمرار وجود المباني والمنشآت التي تم تشييدها على الطراز الرومانسكي حتى اليوم. كما اشتهرت بالزخارف الفريدة التي تتميز بالأقواس النصف دائرية والأعمدة المعمارية المتينة التي تحمل تيجانا شبيهة بالكورنثية. وقد تنوعت أشكال أوراق النباتات وحتى بعض الحيوانات الصغيرة في هذه الأعمدة. كما تمتلك قواعد تستند إلى تماثيل منحوتة يدويا بأشكال غريبة للحيوانات. وعلى الرغم من هذا التنوع والاختلاف في استخدام الأعمدة، تظهر لنا بتنسيق معماري متكامل وجميل للغاية. وكانت تمتلك أيضا قبوات بشكل أسطواني وأروقة مزخرفة.
سمات عمارة الكنائس الرومانسكية
كان للمعماريون الرومانسكيون تجارب مستمرة في البناء والعمارة، وهذا ساهم في تطور مبانيهم تدريجيا من الحصون الثقيلة إلى مبان رشيقة وجميلة. تطورت الزخارف الرومانسكية نحو النحت الصرحي والتصوير الجداري. فقد كانت الكنائس الرومانسكية تحتوي على واجهات مزينة بالعقود المستديرة، وعند المدخل يكون هناك عقدة كبيرة الحجم، وبعد المدخل نجد الرواق الرئيسي المحاط بعقود ودعائم سميكة، وتسهم هذه الدعائم في تخفيف الحمل عن العقود الجانبية
تمتاز واجهات الكنائس القديمة بشكلها الفريد الذي يتضمن البوائك والعقود المزخرفة المتدرجة في شكل طوابق، ويوجد عقد صغير زخرفي في الأطراف العلوية للحوائط، بالإضافة إلى وجود شرفات مطلة على الخارج تحمل أعمدة فوق الأجنحة الجانبية للكنيسة. ويتميز هذا العمل الفني المعماري بالرخام الذي يغطي الحوائط الداخلية والخارجية، وأسقف خشبية ملونة بألوان زاهية.
في العمارة الرومانسية، كانت الكنائس تتميز بوجود نوافذ صغيرة مستديرة بشكل فتحات، وعادة ما تكون هناك نافذة واحدة مزينة بعقدة، وأحيانا توجد نافذتان محاطتان بعقدة كبيرة. كانت هذه النوافذ متواجدة على واجهات الكنائس، وكانت كل واجهة تحتوي على نافذتين مقوستين مفصولين بدعامة. في الأصل، كانت هذه الدعامة نافذة كبيرة مقوسة. بالإضافة إلى ذلك، كان الفن المعماري الرومانسي يشمل شرفات فوق الأجنحة الجانبية للكنيسة، واستخدمت الأعمدة لفصل المذبح عن الممرات الجانبية.
في فترة الحروب الصليبية في الشرق، ازدهر الطراز المعماري الرومانسكي بسبب زيادة التعصب الديني الناجم عن تلك الحروب. زادت سلطة رجال الدين، وكان تأثيرهم واضحا على الفنانين والمعماريين. كانت العمارة الرومانسكية تخدم الدين فقط وتركزت على بناء المنشآت الدينية بدلا من المنشآت المدنية. وكان لبناء الكنائس الضخمة قوة كبيرة، مما أظهر للعالم قوة العقيدة المسيحية. كان تصميم الكنائس على شكل صليب لاتيني، وكان لها ضلع طويل ينتهي عند المذبح. كان المذبح محاطا برواق يحده الأقواس والأعمدة، وكان هناك ممر مواز للضلع الكبير، ويعرف أيضا بالرواق الرئيسي. ونظرا لوجود عدة مواعظ دينية للمسيحيين، زادت عدد القباب والصالات التي يتم فيها أداء الصلاة والتراتيل، وزاد عدد الحجرات في الممر الواحد
القبو في العمارة الرومانسكية
كان القبو في العمارة الرومانسكية هو علامة مميزة لها، فكانت العمارة الرومانسكية تتميز بكثرة الأقبية، ويرجع ذلك إلى أن المباني المبنية على الطراز الرومانسكي كانت أسقفها من الخشب مما زاد من خطورتها في حالة حدوث نيران، من هنا جاءت الحاجة إلى وجود قبو في كل مبنى، وكانت طريقة بناء الأقبية مستوحاة من الطراز الروماني القديم، حيث كان كل قبوين نصف دائريين يتقاطعان معا، بالتالي كان سطح هذه التقاطع نصف بيضاوي، ثم تطور الأمر وأصبح الأقبية تتقاطع عن طريق العقود التي تتكون من أضلاع عرضية وأضلاع أخرى متقاطعة، وكانت دعائم هذه الأقبية تتكون من أعمدة مربعة الأضلاع، محاطة بأعمدة أخرى وأكتا.