التاريخزد معلوماتك

ما هي أسرار التحنيط عند الفراعنة

 ما هو التحنيط

هو الاحتفاظ بجسم الإنسان أو الطيور أو الحيوانات، وتغليفها ومعالجتها ببعض المواد العطرية لتجعلهم وكأنهم يبدون على قيد الحياة، ويُطلق على الجسد الذى تم تحنيطه اسم المومياء، ويضعونه في تابوت أو صندوق مزخرف، ويعد التحنيط أحد الفنون والمهارات التي كان المصريون القدماء أول من استخدمها بسبب اعتقادهم بفكرة الحياة بعد الموت أو الخلود الدائم.

وقد تم البدء في عملية تحنيط الموتى في مصر القديمة منذ 3500 عام قبل الميلاد، وكلمة مومياء مشتقة من الكلمة اللاتينية mumia وتعني “شمع” ويشير ذلك المعنى إلى الجثة المحنطة بالشمع، وتُعد مصر القديمة والفراعنة تحديدًا وما تركوه من مومياوات وقطع أثرية ثمينة جدًا، والمحفوظة بواسطة رمال الصحراء الساخنة والحرارة الجافة، مكانًا رائعًا للسياحة الخارجية، إذ أن كل ما سبق يعمل على إبهار العلماء والزوار من الدول الأجنبية، وقد أقام علماء الآثار في مصر العديد من المشاريع الأثرية للمساهمة في نجاح السياحة من جديد بعد تراجعها لوقت من الزمن.

الحياة ما بعد الموت

كان المصريون القدماء هم الأوائل الذين عرفوا تحنيط الموتى، كانوا يرون الموت كانقطاع مؤقت وليس توقفا للحياة، وكان لديهم اعتقاد قوي في الخلود والحياة بعد الموت، ولذلك ابتكروا فكرة التحنيط، وخاصة لتكريم الآلهة. عندما يموت أحدهم، يتم تحنيطه، ثم تعود روحه إلى جسده وتمنحه الحياة من جديد. كما كانوا يضعون الطعام والشراب والأدوات المنزلية الأخرى على المائدة المخصصة للقرابين خارج غرفة الدفن في المقبرة، لتأمين احتياجات المتوفى في الحياة الآخرة. وكانوا يضعون بعض النصوص الجنائزية المكتوبة، والتي تتضمن تعاويذ وصلوات، لمساعدة الموتى في رحلتهم نحو الحياة الأخرى.

ومن أجل إعداد المتوفى لرحلته في الحياة الأخرى، يقوم الكهنة بإجراء بعض الطقوس والاحتفالات بما في ذلك “فتح الفم” للمومياء والتابوت الذي يوضع فيها. تتضمن هذه الطقوس أيضا تطهيرا بواسطة الاستنكار (أي حرق البخور) ودهن الجسم وترديد الأعواد السحرية. كما يتم جعل المومياء تلمس أشياء من هذه الطقوس لاستعادة حواسها، مثل القدرة على الكلام والرؤية واللمس والشم والتذوق.

بالنسبة لطبيعة الرحلة إلى الحياة الآخرة أو ما يعرف بالعالم الآخر، كانت مليئة بالمخاطر، حيث عبرت المومياء عبر العالم السفلي، الذي يعيش فيه أنواع من الثعابين التي تحمل السكاكين والتنانين التي تنفث النار، والزواحف ذات الخمسة رؤوس وكانت مفترسة للغاية. يتعين على المتوفى المرور عبر سبع بوابات أو سبع مراحل، وفي كل مرحلة يجب أن يقرأ التعويذة السحرية بدقة تامة، وعندما ينجح، يصل إلى قاعة أوزوريس، بوابة الحكم.

وصف المقابر عند القدماء

المقابر هي أماكن مخصصة لتخزين رفات الموتى، وفي القدم كانت المدافن موجودة في الكهوف أو تحت الأرض، وتم اعتبار المقابر منازل للموتى، التى تحيا أرواحهم في العالم الآخر، وفي أوقات كثيرة يمكن دفن القطع الأثرية والحيوانات الأليفة الخاصة بالمتوفي معه في قبره، لأنهم يعتقدون أنها قد تكون ضرورية بالنسبة له في الحياة الآخرة، بالإضافة إلى ذلك تكون القبور بمثابة دلالة على الحالة الاجتماعية والثقافات والمعتقدات الخاصة بالحياة الأخرى، وتعتبر المقابر المميزة في مصر القديمة هي التى تم بناؤها للملوك الفراعنة، وفي وقت قبل ذلك، قام المصريون ببناء المصاطب، وهي عبارة عن قبور مصنوعة من الطوب المجفف، واستخدمت فيما بعد لدعم الأعمدة والغرف المحفورة في الأرض، وتحتوي كل مصطبة على غرفة كبيرة لإقامة الاحتفالات من أجل تكريم روح المتوفي، بالإضافة إلى وجود غرفة أخرى مجاورة يطلق عليها السرداب، سوضع فيها تمثال للمتوفي، من أجل استحضار الروح واستمتاعها بالاحتفالات.

خطوات التحنيط وأسرار الموتى

تتألف خطوات التحنيط في مصر القديمة من سبع خطوات رئيسية، وتشمل ما يلي:

  • إعلان الوفاة

تمثل الخطوة الأولى في عملية التحنيط في إخبار الناس بوفاة شخص ما، ويقوم رسول بتلك المهمة الإخبارية، وذلك لتجهيز الناس لموسم الحداد وطقوس الاحتفال.

  • تحنيط الجسد

أما الخطوة الثانية فهيتحنيط الجثة، وذلك بوضعها في خيام أو بنايات تسمى بـ “ورش التحنيط”، ويقوم بعض أعضاء فريق الكهنة بصيانة تلك الورش. ونظرًا لأن رائحة المتوفي تكون كريهة جدًا، يقوم الكهنة بالابتعاد قليلًا إلى الخارج.

  • إزالة المخ

يعتبر المخ أو الدماغ هو الجزء الأول الذي يتم إزالته، وقد كان المصريون القدماء لا يعترفون بقيمة المخ وأن ليس له غرض واضح في الحياة الأخرى، وتم استخدام خطاف بإدخاله عن طريق الأنف لسحب واستخراج المخ قدر الاستطاعة، ثم وضع المخ في الماء لإذابته، يقال أنه تم إلقاء ذلك الماء، ويعتقد آخرون أنه تم نقل الماء المذاب فيه المخ إلى غرفة الدفن مع المتوفي.

  • إزالة الأعضاء الداخلية

بعد خطوة إزالة الدماغ أو المخ، يقوم المحنطون بإزالة الأعضاء الداخلية وهي الكبد والرئتين والمعدة والأمعاء، وذلك بشق جزء صغير في الجانب الأيسر من البطن وسحب تلك الأعضاء باليد، وتحنيط كل عضو وحده، ثم البدء في العضو الآخر، بعد ذلك يتم تخزينه في توابيت صغيرة يطلق عليها الجرار الكانوبية، وقد كان هنام أربعة من الأواني الكانوبية، كل واحدة كانت لعضو واحد، وبعد الانتهاء من عملية إزالة الأعضاء الداخلية، يبدأ المحنط فورًا بغسل الجزء الداخلي من الجسم باستخدام زيت النخيل والمستحضرات للمحافظة على السوائل، ثم حشو الجثة بالكتان أو القش أو أي مادة أخرى للحفاظ على الشكل العام، وقد يقع المحنطون في خطأ الحشو الزائد عن الحد مما يجعل المومياء مشوهة أو منتفخة.

  • التجفيف

يتم وضع الجثة على لوح ويتم تغطية الجثة بالكامل بملح النطرون، ويتم إمالة اللوح قليلاً لتدفق الملح إلى الحوض، ويتم ذلك لإزالة الرطوبة ومنع التعفن وتكون البكتيريا. وبعد ذلك، يتم وضع الجثة في الهواء الطلق لمدة 40 يومًا لتجف، وبعد أن تجف الجثة تمامًا، يتم البدء في الخطوة التالية وهي تغليف الجسم.

  • تغليف الجسم

تعتبر عملية تغليف الجسم هذه مرهقة، حيث يقوم المحنط بتدليك الجسم بالزيوت ووضع قطعة ذهبية فوق الشق في البطن، واستخدام كمية كبيرة من قماش الكتان لتغليف الجسم، بحيث يتم لف كل إصبع بشكل محكم. ويتم وضع سحر وتمائم وورق بردى بين كل طبقة من الضمادات أو لفائف الكتان، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن هذه التعويذات تحمي الجسد وتجلب الحظ في الحياة الأخرى. ويتم توقيف عملية التغليف بشكل مؤقت ليتمكن الكهنة من تلاوة الصلوات والكتابة على الكتان. في النهاية، يتم وضع كفن نهائي على المومياء للحفاظ على جميع الأغلفة متماسكة مع بعضها، ثم يتم وضع المومياء في تابوت ملون ومزخر.

  • الموكب النهائي

وقد حان تنفيذ آخر خطوة من خطوات التحنيط، وهي المسيرة الأخيرة أو الموكب النهائي، وهو المكان الذى يسير فيه أفراد أسرة المتوفي وأصدقائه في البلدة في طريقهم إلى مكان الدفن، ثم البدء في البكاء من قبل الأشخاص المغزين وذلك حتى ترى آلهة العالم الآخر أن الشخص المتوفي كان شخصًا محبوبًا، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يبكون كلما كان المتوفي محبوبًا أكثر، وسنحت الفرصة للذهاب إلى أفضل مكان في العالم الآخر.

طقوس التحنيط

بالإضافة إلى الخطوات التي ذُكرت للنحنيط، كانت هناك بعض الطقوس المشهورة في عملية التحنيط في مصر القديمة، ومن أبرزها:

  • فتح الفم

يتم للكهنة فتح الفم خارج حجرة الدفن، ويعتبر ذلك من أبرز الاستعدادات والطقوس عند التحنيط. تلوي العائلة المتوفي أو المومياء التعاويذ. يستخدم الكهنة أدوات خاصة لملامسة أجزاء مختلفة من وجه المومياء، ويعتقدون أن المومياء لن تتمكن من الأكل أو الرؤية أو السمع أو الحركة في الآخرة إلا بأداء تلك الطقوس. بعد ذلك، يوضع المومياء في غرفة الدفن الخاصة بها مع جميع ممتلكاتها والجرار الكانوبي الذي يحتوي على أعضائها وكتاب الموتى. يحتوي هذا الكتاب على أكثر من 200 تعويذة سحرية مكتوبة على ورق البردي، ويوجد فيه تعليمات حول كيفية تحقيق الحياة الأبدية. في النهاية، يقوم أحدهم بختم القب.

  • وزن القلب

يطلق على المهمة الأساسية لتحقيق الخلود اسم “وزن القلب”، حيث اعتقد قدماء المصريون أن أقوى جزء في جسم المتوفي هو القلب، لذلك لو لاحظت الخطوات السابقة بمنتهى التركيز، سوف تجد أنهم لم ينتزعون القلب من الجسد أبدًا، وذلك لأنهم اعتبروه مركز وجود الإنسان، وفي تلك الطقوس قامت آلهة العالم السفلي بالحكم على قلب المومياء، أو معرفة كيف تصرف القلب بصورة جيدة خلال حياته الأولى، وأن هذا القلب إذا كان بوزن الريشة، فإن روح المومياء تم منحها الخلود، ولكن في حال كان القلب أثقل من الريش “كان الخطايا تفوق الفضائل” حينئذٍ فإن الروح محكوم عليها بمصير رهيب، إذ يتم إلقاء القلب على وحش يدعى عميت أو مفترس الموتى.

الوصفة الأساسية للتحنيط عند الفراعنة 

قام المصريون القدماء باستخدام بعض المكونات في إعداد الوصفة الأساسية لعملية التحنيط، وعند خلط تلك المكونات يحدث تفاعل بين الصمغ والزيت، وينتج عنهذا التفاعل مضادات للبكتيريا التي تحمي الجسم من التحلل والتجفيف والتخلص من المواد السائلة به، وتساعد على حمايته لملايين السنين

  • زيت نباتي (زيت السمسم).
  • نبات البلسم أو استخراج الجذر من القصب.
  • الصمغ النباتي هو سكر طبيعي يستخرج من شجرة الأكاسيا.
  • المر.
  • راتنج أو صمغ الصنوبر.
  • ملح النطرون.
  • الملح (كلوريد الصوديوم).
  • القار.
  • بعض النباتات مثل البصل والأزهار ونشارة الخشب والحناء.
  • زيوت عطرية.
  • شمع العسل.
  • لفائف من قماش الكتان.

كيف توصل العلماء للكشف

أجرى بعض العلماء في مدينة تورينو بإيطاليا دراسة على جثة محنطة تبلغ حوالي 5600 عام، بهدف الكشف عن أسرار تركيبات المواد التي استخدمها المصريون القدماء في عملية التحنيط. وتوصل هؤلاء العلماء إلى أن المواد التي استخدمها المصريون القدماء كانت تتألف من سائل يحتوي على بعض الزيوت النباتية المختلطة بالصمغ النباتي أو السكريات، بالإضافة إلى صمغ الصنوبر الساخن ومستخلصات نباتية عطرية، وذلك للمحافظة على المحنطة ومنع نمو البكتيريا عليها

وتم تشكيل هذه المكونات لتكوين لاصقة بنية اللون توضع على الجسم مع استخدام الضمادات المصنوعة من قماش الكتان والتي يلفها المحنطون حول الجثث التي يتم تحنيطها. ثم يتم وضع الجثمان في الرمال الساخنة للحفاظ على سلامة الجسم داخل المكونات المستخدمة للتحنيط. يجدر بالذكر أن تحنيط الموتى هو أمر مهم للغاية بالنسبة للمصريين القدماء، وترتبط عملية تحنيط الجثث بشكل عام بمسألة الخلود والحياة بعد الموت.

تم الكشف عن آثار الحمض النووي في العظام وبقايا الجثمان، وهذا يوفر معلومات مهمة عن الإنسان الذي توفي منذ آلاف السنين، ويمكن استخدام الأشعة السينية والفحوصات المقطعية لتحديد سبب الوفاة وعرض نظرة عامة على حياة الناس من خلال الأطعمة التي كانوا يأكلونها وما أدى إلى مرضهم ووفاتهم، بالإضافة إلى معرفة ما إذا كانوا نشطين أو لا، وما إذا كانوا يتناولون كميات كبيرة من الحبوب أو اللحوم، وإذا كانوا يعانون من أمراض مثل السل أو الفتق، ويمكن أيضا اكتشاف الوشم أو معرفة لون صبغة الشعر، وتظهر سمات الجسم الخارجية الحالة الاجتماعية للشخص المتوفى.

طريقة وأدوات ومكونات التحنيط

يجدر بالذكر أن الحفاظ على الجسد لم يكن مقتصرا على الإنسان فحسب، بل تم توسيعه ليشمل تحنيط الحيوانات أيضا. هناك بعض التقنيات المستخدمة في حفظ المومياوات وتحنيط جثمان المتوفي، وبعض طقوس التحنيط المختلفة لدى الفراعنة:

  • تم استخدام طريقة التجميد لمومياء النهر الجليدي `أوتزي` التي يبلغ عمرها 4200 عام بعد إصابة الرجل بجروح ناجمة عن سهم أودى به إلى الموت.
  • أما في المناطق القاحلة، يكون تحنيط الجثث بواسطة الحرارة الجافة أو ارتفاع نسبة ملوحة التربة، أو وضعه في الرمال العميقة، أو في المستنقع وذلك من خلال حموضة المستنقع، وذلك يؤدي إلى نزع العظام كليةً عن الجسم، وتذوب العظام بينما يبقى الجلد والأنسجة والشعر والغضاريف والأظافر، بفعالية حمض التانيك.
  • يتضمن إزالة الأعضاء حشو الجثث بالقش وأكياس الصودا، بالإضافة إلى استخدام الأعشاب والتوابل المختلفة والدهون أو العسل، والضلك لتجنب تلف الجمجمة.
  • تتضمن طريقة التحنيط في الثقافة المصرية وضع الجثة في جلد الحيوانات، ثم خياطتها وتغطيتها بالجص، وهذه الطريقة منتشرة في بعض الثقافات الأخرى، ولكن تظل الثقافة المصرية في علم التحنيط هي الأكثر انتشارًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى