ما هو نعيم القبر

الموت هو الحقيقة المؤكدة التي لا يمكن لأي بشر أن ينكرها وما بعد الموت من نعيم أو عذاب هو حقيقة مؤكدة على كل من يؤمن بالله سبحانه وتعالى أن يؤمن بها، فالموت نهاية للحياة وبداية للحساب فمن عمل صالحاً يصليه رب العباد نعيماً ويجزيه خيراً ويجعله في القبر من المنعمين ويوم القيامة من الفائزين بجنات النعيم.

نعيم القبر

خلق الله سبحانه وتعالى الجن والإنس ليعبدوه سبحانه وتعالى لا شريك له وأرسل منذ خلق الكون أنبيائه ورسله مبشرين ومنذرين بالحق ليحذروا العاصين من عذابه وليبشروا المتقين بنعيمه، والموت هو بداية الحياة الأبدية التي وعد بها الله عباده فمن كان مؤمناً متعبداً لله فاز بجنة الخلد فلا يجوع فيها ولا يشقى ولا يعرى ولا يضحى.

ويبدأ نعيم العبد منذ اللحظة الأولى التي يقبض فيها روحه وهي من الغيبيات التي حدثنا به المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والتي يجب على كل مسلم أن يؤمن بها، فقد جاء في حديث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن العبد حين يموت ويدخل القبر فيأتيه الملكان منكر ونكير ليسألاه عما قدمه لنفسه فإن كان صادقاً في قوله بشر بمقعده في الجنة كما جاء في الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنه-:”إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثُكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.

ونعيم المؤمن يبدأ من لحظة انقباض روحه فتأتيه الملائكة بوجوه مشرقة كأنها الشمس وبكفن من الجنة ويجلسون من حوله على مد بصره، ثم يأتي ملك الموت ويجلس عند رأسه ويقول كما جاء عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-:”…يا أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء….”، فتأخذها الملائكة وتضعها في الكفن ويخرج منها رائحة أطيب مسك على الإطلاق ويصعدوا بها للسماء فما مروا بملأ من الملائكة إلا تسائلوا من هذه الروح الطيبة فيخبروه أن هذا فلان بن فلان بأفضل الأسماء التي سمي بها في الحياة الدنيا حتى يصلوا بها للسماء التي بها الخالق عز وجل فيقول:”….اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى….”، وبعدها ترد روحه لجسده فيأتي الملكان ويسألانه من ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في محمد؟ وما علمك؟ فينادي من السماء منادي”…فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا….”.

لذلك، فإن نعيم القبر حق وتحققه مع المؤمنين المتعبدين حق، وهو وعد الحق الذي لا يخلف وعده ولا ميعاده، وذلك كما حدثنا به الرسول الذي لا ينطق عن الهوى.

صور نعيم القبر

ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأحوال السعيدة التي ينعم بها العبد في قبره بعد وفاته، منها:

• أول نعيم يرونه العبد الصالح في قبره هو بشرى الملائكة له بمقعده في الجنة، مما يسعد روحه، وذلك لأولئك الذين يؤمنون بإجابة أسئلتهم.
• يفرش للمؤمن قبره من الجنة ويلبسه لباسًا من الجنة، ويفتح له بابًا من الجنة بطيبها الذي لا يحصى.
• يمن الله على العبد في القبر بأن يجعل أعماله الصالحة تتجسد له في هيئة رجل، وجهه حسن، وثيابه حسنة، ورائحته طيبة، لكي يشعره بالراحة في قبره. وكما جاء في حديث النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: .”..وسيأتيه رجل بوجه جميل، وملابس جميلة، ورائحة طيبة، فيقول له: ابشر بما يسرك، هذا هو يومك الذي وعدت به. ثم يقول له: من أنت؟ وجهك الجميل يجلب الخير؟ فيقول له: أنا أعمالك الصالحة.
• ينعم الله على عباده بفضله ورحمته فيفسح له في قبره بعد أن كان ضيقاً، وينيره بعد أن كان مظلماً قاحلاً لا يمكن أن ترى اليدين فيه وإن وضعت في مرمى البصر، كما في جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:” …ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِيْ سَبْعِيْنَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيْهِ..”.
• من أحد النعم التي يتمتع بها الإنسان في قبره أن ينام فيه نومة تشبه نوم العروس، كما ورد عن النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – القول: “نم كنومة العروس التي لا يوقظها إلا أحب الناس إليها، حتى يبعثها الله من مضجعها ذلك الوقت.” هذا التشبيه البليغ من النبي الكريم يعبر عن أن النوم في قبر الإنسان ليس هنأ أكثر من نوم العروس السعيدة بحياتها الجديدة، حيث تكون مطمئنة مع رفيق دربها الذي ستكمل معه حياتها. وعندما يأتي الصباح، يأتيها أهلها الذين تحبهم ويحبونها. وبالمثل، يتمتع المؤمن بنوم هانئ في قبره، وعندما تقوم الساعة، يأتيه الفرح والسرور، فقد حان الوقت ليحصل على المقعد الذي بشر به من قبل الملائكة في الجنة.
• يرجو العبد بفضل النعيم الذي يراه أن تقوم الساعة لأنه يشتاق بشدة لما وعده الرحمن من نعيم، كما أخبرنا المصطفى – عليه الصلاة والسلام -: `فيقول رب أقم الساعة.

الفوز بنعيم القبر

كل عبد يؤمن بوحدانية المولى عز وجل يتمنى الفوز بجنته والنجاة من ناره، وحتى يحظى المؤمن برحمة وفضل الله سبحانه وتعالى بنعيم القبر والجنة، ويتجنب عذاب القبر والنار، يجب أن يطيع الله ويتبع ما جاء به رسوله المختوم والمرسلين. ومن الأعمال الصالحة التي يمكن للعبد أن يقوم بها ليقترب من المولى ويتجنب العذاب هي

تتمثل الأعمال الصالحة التي ترضي الله في اتباع أوامره وترك ما نهى عنه، وهي كثيرة ومنها:

• يجب الحفاظ على الفرائض التي أمر الله بها في العبادات، مثل الصلاة والصوم، والاهتمام بأدائها كما أمر الله سبحانه وتعالى.
• تتضمن الأعمال الصالحة القريبة من الله والتي تثقل ميزان العبد الصيام والصلاة وغيرها من النوافل.
• تخريج الزكاة والصدقات ومساعدة الفقراء والمحتاجين.
• أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
• اتباع سنة رسول الله وقراءة القرآن.

الجهاد في سبيل الله من الأمور التي ينجو بها المسلم من عذاب القبر وعذاب النار، كما ذكر في قوله تعالى: `يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.

الاستشهاد في سبيل الله هو من بين الأمور التي حثنا عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- لكي نحصل على نعيم القبر. وقد حدثنا عن مكاسب الشهادة التي وعد الله بها الشهداء، ومنها النجاة من عذاب القبر.

ينجو المرء من عذاب القبر ويحظى بنعمه إذا مات بمرض في بطنه، حسبما حدثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإذا كان السبب في وفاته هو مرض في البطن، فلن يعذب في قبره.

واحد من الأشياء التي يمكن للمسلم أن يفعلها وأن يستمر فيها للنجاة من عذاب القبر هو أن يتعوذ ويدعو الله سبحانه وتعالى أن ينجيه منه، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يحث أصحابه على الاستعاذة من عذاب القبر وعلمهم هذا الدعاء: “اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ونستعيذ بك من عذاب القبر، ونستعيذ بك من فتنة المسيح الدجال، ونستعيذ بك من فتنة المحيا والممات” لكي يدعو به في التشهد الأخير من كل صلاة.