ادببوح القصيد

ما هو فن الكسرة – الكسرات الحجازية

يعتبر سكان الخليج لديهم فنا عريقا يعدونه من أرقى أنواع فنونهم الشعرية الغنائية، ويطلقون عليه اسم `فن الكسرة`. إنه تصوير دقيق لمعاناة يجسدها الشاعر في بيتين من الشعر، حيث يجمع شتات الموضوع المطروح أو الرأي في معالجته. ولا يستطيع أي شخص أن يبدع في الكسرة إلا إذا كان لديه مقدرة فنية وموهبة نافذة، لأن سر إكمال الكسرة يكمن في جودة بنائها من حيث دقة التعبير وانتقاء العبارات والكلمات التي تتكون منها، وأخيرا أسلوب الإثارة. كل ذلك له أهمية في تشكيل الكسرة واعتراف النقاد بها، ومن ثم تداولها بين عشاقها. ويوجد العديد من الكسرات، ولكن قليلة هي التي تصل إلى درجة الجودة التي تستحق أن تسمى `كسرة` .

جدول المحتويات

موطن الكسرة الاصلي

الكسرة هي فن شعبي في الحجاز، وتعتبر منطقة ما بين الحرمين الشريفين هي الموطن الأصلي لشعر الكسرة، وتمتد هذه المنطقة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وتشمل جميع الأودية والمدن والقرى الحجازية والموجودة على ساحل البحر الأحمر

ومن الشواهد التي تؤيد ذلك ما يلي :

نظم الشعر في تلك المنطقة يعتمد بشكل أساسي على وزن شعر الكسرة، وهو يتفوق على غيره بمراحل. يستخدم هذا النظام في جميع الأغراض مثل الرثاء والمدح والفخر والهجاء، وما إلى ذلك. ومن المثير للدهشة أن بعض الأشخاص في تلك المنطقة ليسوا شعراء ولم يعرف عنهم قدرتهم على صياغة الشعر. ومع ذلك، يمتلك أحدهم قدرة على صياغة كسرة أو حتى عدة كسرات ليصف بها حوادث ألمت به .

ـ وتعتبر شعر الكسرة هو الأساس للعب الشعبية في تلك المنطقة، وخاصة الألعاب الرئيسية التي تعتمد على المحاورة الشعرية مثل: التقاطيف، زيد، البدواني، الرديح. وتتفق أصول تلك الألعاب على أمر رئيسي وهو مفاتيح اللعب، وهي عبارة عن كلمة واحدة قابلة للاشتقاق لتطويع لحن الغناء مثل: واحليه، ياليحاني، حيوم، يا ليحيومه، … الخ.

يتميز شعر الكسرة بسهولة ترتيبه وإيقاعه السريع الذي يسر النفس عند الاستماع والغناء به، حيث يشجع على طرد الملل وتحرير النفس وتحفيز الحماس والإصرار. ولذلك، يمارس أهل تلك المنطقة المزارعين والصيادون والحرفيون غناء شعر الكسرة خلال أعمالهم اليومية .

لديه نقاد الكسرة قدرة فائقة على تحديد المنطقة التي تنتمي إليها الكسرة من خلال كلماتها، لأن لكل منطقة طابعا خاصا يتجلى في فنها وأشهر الكسرات الجيدة تشمل وادي ينبع ووادي الصفراء ووادي فاطمة والأودية المجاورة مثل خليص ورابغ وقديد والمدن الساحلية ومحيطها. وهذا ليس كل شيء، بل هو تحديد لأشهر المناطق التي تتمتع بهذا الفن.

معنى اسم ” الكسرة “

وإذا رجعنا إلى أصل معنى “كسرة” فليس لها تعريف متفق عليه بين نقادها وعشقاها ، ولكن اصطلح الناس هذا المسمى لهذا الفن الذي يمكن أن نجتهد فنستنتج مما يدور في مجالسهم عنه ما يعنيه معنى ( كسرة ) فتقول : أن المعنى الذي تحمله هذه الكلمة إنما أخذ من أنها تدور حول معنى أو مضمون يراد ( تفسيره أو تكسيره ).

وعلى هذا يمكن اعتبار الكسرة تفسيرا لما يدور في خلد الشاعر أو تفكيكا لمضمونها ولما كان الأصل في ( الكسرة ) إلا تزيد عن بيتين ، فإننا نجد أحيانا أبياتا تصل إلى العشرة وعلى وزن الكسرة ويعدونها كسرة وهي ظاهرة جديدة مهما كان عمرها ، وترجع الزيادة هذه إلى رغبة الشاعر في الإيضاح .

تعريف بالكسرة

الكسرة هي مثنى شعري يتكون من بيتين مقفيين، حيث يكون صدر البيت على قافية واحدة وعجز البيت على قافية واحدة في جميع الأبيات الشعرية، ويسمى صدر البيت أو عجز البيت بالغصن، وتنقسم الكسرة إلى أربعة أغصان هي:

أصدر البيت الأول ويسمى الغصن الأول .

عجز البيت الأول ويسمى الغصن الثاني .

صدر البيت الثاني ويسمى الغصن الثالث .

عجز البيت الثاني ويسمى الغصن الرابع .

انتشار الكسرة الحجازية

ساهمت المهن والحرف التي يمارسها سكان تلك المنطقة في انتشار شعر الكسرة ، ووصوله إلى سكان المناطق الأخرى المجاورة لهم عن طريق ممارسة تلك المهن ، خصوصا بين فئتي البحارة والجمالة. ولذلك ، في ظل قيام البحارة برحلات طويلة ومتعددة بواسطة السفن الشراعية على سواحل البحر الأحمر الشرقية والغربية لممارسة الغوص ونقل البضائع والمسافرين بين تلك الموانئ ، وكذلك قيام الجمالة بنقل البضائع والمسافرين بين المناطق الداخلية ، فقد أسهم ذلك بشكل كبير في نقل شعر الكسرة إلى سكان المناطق التي يصلون إليها. ولا عجب إذا أعجب الشعراء من هذا اللون من الشعر وقاموا بتأليفه ، ولا يمكننا الإفراط إذا قلنا أن نظم شعر الكسرة يمتد حاليا على طول سواحل البحر الأحمر من الجنوب الأقصى إلى الشمال الأقصى وفي المناطق الداخلية .

من طرائف الكسرات الحجازية

الكسرة هي شكل شعري يتميز بتكثيف المعنى واختصاره في بيتين فقط، وتحمل فكرة واحدة، وتستخدم الكسرة في المراسلات بين الشعراء وفي التعبير عن المشاعر الخاصة والمعاني العميقة، وبناء على أهمية بناء الكسرة، فإنها لا تنبغي أن تكون موضوعا للنقد من قبل أولئك الذين لا يجيدون قواعدها، حتى يتم التعامل معها بجدية واحترام للتجربة الرصينة، ولمن يرغب في المزيد من التفاصيل، يمكنه الرجوع إلى كتاب “ألف كسرة وكسرة” وكتاب “أهل الكسرة”، حيث يتم تقديم التفاصيل والأمثلة حول الكسرة .

 يحتوي ما حمله الرواة من طرائف ونوادر الكسرات على نماذج رائعة تتميز بالعذوبة والتسلية للنفس، وتستحضر مشاهد اجتماعية من حياة الناس في الماضي وكيف تحولت المجتمعات عبر الزمن .

من بين الأمثلة على ذلك، شخص عاش طفولته في قريته المنسية وعانى من صعوبة الحياة فيها، ثم انتقل إلى المدينة وعاش حياة مختلفة ومريحة لفترة من حياته، ثم عاد إلى القرية واضطر لمواجهة أصعب الظروف. وقال:

في دياركم صرت انا ما أطيق

تركت مالي وماليّه

مشيت انا من السعة للضيق

واحفيت أقدام رجليه

فيجيبه عن تنكره لمراتع صباه شاعر آخر بقوله:

اسأل وفكّر عساك تفيق

وتنيّر الدار الاصلية

إنته تعلّمت جَنْي الريق

نسيت خبط الرتيعية

يذكر الشاعر في قصيدته ماضيه عندما كان يرعى البهم ويخبط الرتيعية، وهي شجرة شوكية قصيرة الارتفاع، وكانت تستخدم كعقاب للأطفال من قبل أصحاب العنف الأسري الذين يقلبونهم على فروعها لمعاقبتهم وتأديبهم، وكان الشاعر الأول من بين الذين تعرضوا لذلك في شبابه .

قرأ أحدهم قصائد العذراء وكان يعيش في قرية صغيرة. تأثر قلبه بالحب وتخلى عن حياته السابقة، وعاش في الراحة والعزلة يعاني من وجع الهوى، وتخلى عن واجباته الأسرية، واستغفى من والده الذي قال له

لا تحسب الحب دَنْدرمة

والاّحلاوة ثلاث اشكال

قم للبقر فت له ضرمة

حبلين والا ثلاث حبال

فيما يتعلق بمن لم يجد العطف من شخص يحبه أو التناغم معه، فعندما يتعرض لصدمة عنيفة منه، فإنه لم يعبر عنها بنفس الطريقة التي كسرتها

سيدي ضربني بجذبة جذع

جذبة ولا هو مسَلِّكْها

والله ضربني على آخر ضلع

واليا سموعي ما احرِّكْها

هذا يشير إلى العنف والقسوة في الرد.

الشاعر الذي لم يخلص أصدقائه من نفورهم لحبه، لا يتمتع بالجمال ولا الأناقة، وكان رده عليهم كالتالي:

أحب سيدي وهو لابس

وأحب سيدي بجرموده

وان قالوا الناس ذا يابس

أشوف أخضر انا عوده

ويا أخي ما للناس وما يهوى الآخرون ألم يقل الشاعر :

تعشقتها شمطاء شاب وليدها

وللناس فيما يعشقون مذاهب ؟

وإذا قال أحد العلماء لجلسائه مازحاً : من لم يتزوج مصرية ما أحصن”، ويتم تطبيق هذا النص على الدمشقية واللبنانية والعراقية والحجازية والنجدية والتكرونية، حيث يعبر كل محرف عن تجاربه وما أعجبه. لا يوجد لوم، ولكن شاعر ريفي اضطر لزيارة طبيب القرية وهناك وجد العناية الفائقة من إحدى الممرضات فقال:

يا ما رماني سهم واجنب

واليوم علق السهم فيّه

اللي رماني طفل ما انجب

يحمل صواريخ ذرية

حدث ذلك في عصر جديد، حيث ظهرت الصواريخ الذرية وتم استقدام الكوادر الطبية من الخارج، وتوسعت الرعاية الصحية لتشمل القرى. وعبر الشاعر عن صغر سن الممرضة وتقدم سن الشاعر الذي شكا إلى أصدقائه. وكان من المفاجئ أن يحصل الناس في القرية على رعاية صحية من فتاة جميلة من الخارج. وكان رد ابن صديق على ذلك كالتالي

ما دمت شايب وهوّه شب

والفرق تسعين في المية

أشوف ماله لزم تنشب

إلاّ إذا كان مصرية

فهو عندها لا يلام .

من المداعبات الرقيقة أن ينتقد الشاعر من يتزوج امرأتين، فلا يمكن تحقيق العدالة المطلوبة بينهما، لذا يقول الشاعر

مغبون من يأخذ الثنتين

ليا مات ما يدخل الجنة

القلب ما ينقسم قسمين

واصل السبب كلها منّه

فيجيبه الشاعر الرقيعى معترضا :

ذا النص يا اللي حكمت من اين

خالفت الاحكام والسنة

من اجل ترضي سُوَيْد العين

تغيّر الحق وتكنه؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى