العالمدول

ما هو الكيان الموازي

في المجال السياسي، تظهر العديد من المصطلحات التي تصنف الجماعات والحركات والتيارات السياسية المختلفة، وأحد المصطلحات التي ظهرت حديثًا في الساحة السياسية هو “الكيان الموازي.

تعريف الكيان الموازي

الكيان الموازي أو ما يعرف أيضاً بالدولة الموازية هو مصطلح يطلق على المنظمات التي تتشكل داخل الدولة وتكون مشابهة إلى حد كبير في كيفية عملها وتنظيمها للنظام السائد في الدولة، بخلاف أنها منظمات غير رسمية أو شرعية وتتخذ عادةً طابعاً سرياً وتستهدف الحفاظ على شرعية الدولة ودعم استراتيجياتها المختلفة في مختلف المجالات.

تنشأ المؤسسات التي تعرف بأنها كيانات موازية عادةً في الدولة ذات الإدارة الضعيفة، فتعتمد المؤسسات الأقوى داخلها على صلاتها الخارجية والداخلية وما تمتلكه من قوى للحفاظ على شرعية الدولة وتتمثل عادةً في المؤسسات العسكرية والمخابراتية، وبذلك تنقسم إدارة الدولة لشقين رئيسيين هما:

  • الشق الأول هو الحكومة المدنية الشرعية المنتخبة والمسؤولة أمام القانون والمحاكم المدنية.
  • الكيان الموازي هو الشق الثاني، وهو يشكل هيكلًا غير شرعيًا وغير منتخبًا، ولا يخضع للمساءلة سواء كان ذلك من الناحية القانونية أو المدنية.

ومع ذلك، في بعض الأحيان يستهدف الكيان الموازي دعم المصالح الشخصية لبعض القادة السياسيين بدلا من دعم الدولة. لذا، فمن الواجب على المجتمع الدولي أن يعمل على وقف التعاملات المختلفة التي تحدث بين القادة السياسيين وقادة تلك المنظمات السرية. وفي هذا الصدد، يمكن الاعتماد على شبكة الشرطة الدولية لكشفهم ومنح الجهة القضائية والقانونية سلطة لمكافحة هذا التعاون. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي توعية المجتمعات المدنية بوجود هذه المنظمات، ومن الإجراءات الممكن اتباعها للحد من اعتماد بعض قادة السياسة على المؤسسات السرية

  • يجب تقديم الدعم اللازم للجهات الديمقراطية الجديدة وتوسيع قاعدة القادة السياسيين وضمان تنفيذ المعايير الدولية في مؤسسات الحكومة.
  • يجب إعادة النظر في مسألة تعزيز القطاع الأمني في الدولة الضعيفة للقضاء على المنظمات غير الرسمية، حيث يمكن لنظام الأمن العمل على دعم الكيانات الموازية داخل الدولة وحمايتها بدلاً من حماية المدنيين، ويمكنهم تحقيق مزيد من السيطرة على قطاعات مختلفة في الدولة.

عوامل نشأة الكيان الموازي

هناك مجموعة من الظروف العامة في الدولة تشجع على ظهور الكيان الموازي داخلها، مثل:

  • تظهر الدول التي اشتهرت بضعفها عبر التاريخ بوجود مؤسسة واحدة فقط قوية داخل حدودها وتتولى إدارة كل شيء، وغالبًا ما تكون هذه المؤسسة العسكرية.
  • تعتبر الدول التي كانت ضعيفة تاريخيا هي التي تزداد فرصها التجارية بفضل التطورات الحديثة في العولمة.
  • بجانب القضايا العالمية المهمة التي تشغل الدولة، يسمح لخبير مؤسسة معين بتسلم مهمة القيادة.
  • تتبع القوى الأجنبية نهجًا جغرافيًا استراتيجيًا شاملًا.

بالإضافة إلىالظروف السابقة التي تساعد على ظهور الكيان الموازي داخل الدولة، هناك أربعة عوامل رئيسية تساعد بشكل كبير على نشوء الدولة الموازية، وهي:

المعاملات الرسمية الغير رسمية

تشير هذه المصطلحات إلى المعاملات الرسمية التي يديرها الدولة، والتي يقوم بإدارتها بشكل أساسي المؤسسات الموازية التي ترتبط بصلات قوية مع مؤسسات الدولة العليا والسياسيين الراغبين في تعزيز سلطاتهم بشكل كبير.

في هذه الحالة، تهدف هذه المؤسسة إلى التخلص من قادة الدولة والشخصيات الحكومية البارزة الذين يعارضون نفوذهم وسلطاتهم في اتخاذ القرارات السيادية.

التحولات الديمقراطية المتوقفة والتفرد المؤسسي

تتمثل هذه الحالة في سيطرة مؤسسة واحدة على الدولة، حيث تشكل القوى العليا فيها، وتؤدي إلى تعرض الدولة لحالة ضعف شديد، مما يؤدي إلى ظهور شبكات ومؤسسات غير رسمية تعمل على تدمير الإطار الديمقراطي للدولة، أو تسيطر عليه وتستغله لمصالحها الخاصة.

الشرعية القائمة على القضايا

يتعلق شرعية القضايا بقدرة مؤسسات الكيان الموازي على إثارة قلق الرأي العام حول القضايا المتعلقة بالمؤسسات التي لا تخضع لنفوذها.

الأبعاد الدولية

يعد منح سلطات استثنائية لمؤسسة مثل المؤسسة العسكرية آخر العوامل التي تؤدي إلى ظهور الكيان الموازي داخل الدولة، وذلك يرتبط بالأهمية الجيوسياسية للدولة.

الكيان الموازي في تركيا

الكيان الموازي أو الدولة الموازية أو الدولة العميقة هي مصطلحات معروفة جدا في تركيا، لكن أهدافها هنا تختلف عن الأهداف المرتبطة بمصطلح الكيان الموازي المعروف، إذ تتعلق بالدفاع عن مصالحه ورؤيته الخاصة بدلا من الدفاع عن شرعية الدولة.

أصبح مصطلح الدولة العميقة أكثر شهرة في تركيا بعد محاولة الانقلاب الأخيرة، وعلى الرغم من أنه ليس جديدا تماما في تركيا، إلا أنه متأصل في جذور الدولة والمجتمع التركي منذ القدم. يعود أول ظهور لمصطلح الدولة العميقة إلى القرن العشرين، حيث كان يستخدم لوصف بعض التحالفات التي تشكلت بعد سقوط الدولة العثمانية وتلقت الدعم من المؤسسة العسكرية، والتي كانت تهدف بشكل رئيسي لإيقاف سلطة الدين على السياسة ودعم إقامة دولة علمانية.

في تركيا، يشير صانعو القرار إلى مصطلح الكيان الموازي لوصف مجموعة سرية تضم أعضاء من مؤسسات القضاء والأمن تهدف بشكل رئيسي إلى تقويض سلطة الحكومة، وتوجه الاتهام الرئيسي في تأسيس هذا التنظيم إلى فتح الله غولن. يشبه هذا التنظيم دولة داخل الدولة أكثر من كيان موازي.

وتوجد عدة أسباب تجعل هذا التنظيم في تركيا يشكل كيانًا موازيًا بدلاً من أن يكون مجموعة ضغط، ومن هذه الأسباب:

  • تعمل الجماعة الضاغطة ضمن إطار المشروعية وفقًا لما ينص عليه القانون، وتتمتع بالاعتراف من قِبل الدولة، بالإضافة إلى ممارستها للضغط على صانعي القرار بأساليب شرعية.
  • تتمتع جماعة الكيان الموازي بالنفوذ والتأثير في صنع القرارات السيادية السياسية التي تتخذها الدولة، حيث أنها جماعات منظمة ومهيكلة في بعض الأحيان، وبالتالي يمكن لهذه الجماعات أن تؤثر في قرارات الدولة بسبب النفوذ الذي تحمله في المجتمع.
  • تتميز جماعة الكيان الموازي بالسرية، حيث تتألف من مجموعة من الأفراد والمؤسسات والمنظمات التي تمتلك نفوذًا قويًا على المجتمع والدولة، وبالتالي يكون من الصعب تعقبها، وخاصة عند تعاملها مع الدولة في مصالح سياسية أو عرقية أو دينية أو ثقافية، وغيرها من المصالح المتعددة.

عملت تركيا على مكافحة الكيان الموازي في الدولة على جميع المستويات للحد من سلطاته ونفوذه داخل مؤسسات الدولة، ويمثل ذلك مثلا:

  • قامت مؤسسة القضاء بتطبيق العديد من الإجراءات المختلفة لتحقيق الامتثال لمعايير الشفافية والنزاهة، وتمكنت تركيا، وفقا لتصنيف منظمة الشفافية الدولية التي تصنف الدول حسب نزاهتها وشفافيتها ومكافحتها للفساد، من الارتقاء من المرتبة الرابعة والستين إلى المرتبة الثالثة والخمسين في هذه القضايا. وتشجع هذه التحسينات الكثير من المستثمرين الأجانب على زيادة استثماراتهم في تركيا نتيجة لزيادة ثقتهم في الإجراءات التي تتبعها الإدارة.
  • في الجانب السياسي، اتخذت عدة إجراءات من ضمنها التحقيق في مصادر الدخل غير المشروعة، وتم البدء بالمطالبة بإغلاق المدارس الخاصة التي تعتبر المصدر الرئيسي للدخل لهذه المنظمة، وقد حاربت المنظمة ذلك في ذلك الوقت باستخدام نفوذها المتشعب في العديد من مؤسسات الدولة، خاصة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي هذا السياق نفذت العديد من الحملات المضادة للحكومة، وتم تهديد عدد من الشخصيات العامة المؤيدة للحكومة وعدد من المسؤولين في الحكومة بتسريب مقاطع فيديو أو صور فاضحة لهم لابتزازهم للتراجع عن تأييد قرار الحكومة بشأن المدارس الخاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى