ما معنى غبقه ؟ ” ..شهر الغبقات
ما معنى غبقة
غبقة” هي كلمة معروفة في لهجة أهل الخليج العربي وتعني الوجبة الرمضانية المتأخرة التي تسبق وجبة السحور، ويمكن وصفها بأنها وليمة تأكل في منتصف الليل أو قبله بقليل، ولا يوجد خلاف على أنها وجبة رمضانية خاصة بشهر رمضان فقط ولا يمكن تناولها في أشهر السنة الهجرية الأخرى. كانت “الغبقة” في الماضي تختلف عن الشكل الحالي في العديد من الأشياء، حيث كان لها طابع مختلف وكانت تقدم وجبات تقليدية مختلفة عما هو متاح الآن. كما كان عدد الحضور يختلف أيضا، ولكن من الطبيعي أن يتغير هذا مع تغير الأجيال وعاداتهم وأنماط حياتهم. مع ذلك، فإن التسمية والمعنى لا تزالان كما هي عادة رمضانية اجتماعية في دول الخليج العربي.
يقول المؤرخ البحريني خليل محمد المريخي أن الغبقة هي لقاء اجتماعي بين الأهل والمعارف، وربما يمكن القول إن هناك غبقات مخصصة للرجال وأخرى للنساء وثالثة للشباب، حيث يجتمعون لتناول الطعام وتبادل الأحاديث والاستفسار عن أحوال بعضهم البعض والتسلية، وفي الماضي لم يشارك أي شخص غريب في الغبقة، حيث كانت مخصصة للمعارف فقط، وكانت تقام في منازل الأشخاص حسب اتفاقهم على الموعد، وما زالت هذه العادة مستمرة حتى اليوم كلقاء سهرة رمضانية يحبها الصغار والكبار.
تختلف أطباق الغبقة من مكان لآخر، ومن دولة لأخرى، وحتى من حي لآخر، ولكنها تشتمل بشكل أساسي على العديد من الأطباق الشهيرة الخليجية مثل الثريد والهريس، وهي أطباق رمضانية مشهورة. وكان طبق البرنيوش أو المحمر من أشهر الأطباق القديمة التي كانت معروفة في الغبقة، وهو عبارة عن أرز مطبوخ مع السكر أو دبس الرمان، وتختلف الأطباق عموما من مكان لآخر، فبعضهم يفضل طبق المجبوس والبعض الآخر يفضل طبق المشخول. وعادة ما تكون هذه الأطباق مخصصة للغبقة، حتى إذا تم تقديمها في وجبة الفطور، ويتم تقديم العديد من أطباق الحلويات مثل حلوى الساقو وحلوى اللقيمات والنشاء والعصيدة، بالإضافة إلى التمر والشاي والقهوة.
تعني كلمة “غبقة” باللغة العربية لبن الناقة الذي يُشرب ليلاً، وهي كلمة عربية أصيلة تأتينا من حياة البادية، حيث يشرب الناس هذا اللبن لتحديد الوقت والتقويم الزمني، كما يعتقد البعض أن الغبقة هي وجبة خفيفة يتناولها الناس في المساء بعد العمل الشاق.
ماهو الطبق الأساسي في الغبقة
تعتبر الأستاذة دلال الشروقي المتخصصة في الأكلات الشعبية الخليجية أن طبق المحمر هو الطبق الرئيسي في الغبقات الرمضانية الخليجية حتى الستينيات. ومع ذلك، بدأت أطباق جديدة من ثقافات مختلفة تظهر بعد ذلك، بما في ذلك بعض الأطباق الجانبية والأكلات الشامية. في الماضي، كانت العائلات الخليجية تقدم طبق واحد فقط في الغبقة، حيث يتناوله الرجال أولا ثم يأتي دور النساء في تناول الطعام.
ويرتبط طبق المحمر بالغبقة الخليجية بسبب ارتباط هذه الوجبة بالمناطق الساحلية في منطقة الخليج العربي، وتسمى بوجبة الغواصين في المناطق الساحلية، ولكن عندما ننتقل إلى الأماكن الصحراوية، يتم استبدال السمك باللحم مع طبق المحمر.
يرى الدكتور عادل الدوسري، أحد المهتمين بالتراث الخليجي، أن “الغبقة” هي عادة صرفة للخليجيين، وأنها موجودة في جميع دول الخليج وأصبحت ربما تقليدا لدى الكثيرين. وتتنوع أطباق “الغبقة” وتشمل الآن الأطباق العربية والغربية، مثل الفطائر والكبة والسلطات وأنواع الحلويات والقهوة، بالإضافة إلى المشروبات الرمضانية الشهيرة مثل قمر الدين والشاي والقهوة والزعفران. ومع مرور الوقت، أصبحت الغبقة تقام في المطاعم والفنادق وتتضمن الأكلات الشعبية والغربية والحلويات المحلية والشرقية والغربية.
وفي لقاءات «الغبقة» يمتد اللقاء إلى ساعات متأخرة بعد منتصف الليل، وفي بعض الأحيان يستمر بعض الناس في لقائهم حتى موعد الإمساك، أي موعد أذان الفجر، حيث يتسامر الناس ويتحدثون في أمور الحياة المختلفة، كما تحتوي الغبقة على بعض الأنشطة مثل ممارسة بعض الألعاب التراثية القديمة، أو القيام بمشاهدة المسلسلات الرمضانية.
يعتقد الكثيرون أن مفهوم الغبقة تغير في الوقت الحاضر بالنسبة لما كان عليه في الماضي، وهذا يتعلق بأنواع الطعام المقدمة حاليا. في السابق، كانت مائدة الغبقة تتألف من طبق أو اثنين كحد أقصى، ولكن الآن تكون مليئة بمجموعة متنوعة من الأطباق الشهية، سواء كانت أكلات شعبية أو أجنبية. وعلى الرغم من الاختلاف في مفهوم “الغبقة” بين الماضي والحاضر، إلا أنها لا تزال تجمع يحرص الجميع على الحضور فيه. إنها إحدى التراثات الشعبية الخليجية، التي تعودنا عليها من الماضي وجلسات الأجداد التي تركوها لنا. إنها تعزز الروابط الاجتماعية، وخاصة في شهر رمضان الفضيل.
الغبقة الكويتية
«الغبقة» هي كلمة مفردة متداولة عن الأجداد في التراث الكويتي منذ قديم الزمان، وهي عادة مرتبطة بحلول شهر رمضان الكريم، وبات هذا المصطلح التراثي يعبر عن إحدى العادات التراثية البارزة للمجتمع الكويتي خلال شهر رمضان، فالغبقة عبارة عن وليمة تقام بعد صلاة التراويح، يجتمع بها الأهل والجيران والمعارف والأصدقاء، بحيث يتم تقديم العديد من أصناف المأكولات الشعبية المختلفة، والحلويات الشرقية والمشروبات مثل الشاي والتمر وقمر الدين.
تولى هذه العادة التي تنتقل عبر الأجيال العديدة وتعرف بـ `الغبقة` اهتماما كبيرا من قبل الشعب الكويتي خلال شهر رمضان فقط، ويعتبرونها وسيلة للتواصل وتعزيز روابط العائلة، حيث يجتمع الأقارب وأبناء البلد أو الحي بهدف التعارف وتعزيز العلاقات والتواصل، ويتناولون بعض الأمور العامة في حديثهم، مما يساهم في تعزيز الترابط بين أفراد المجتمع.
اختلاف أنواع الغبقة
قامت الغبقة ومفهومها منذ القدم على أنها مجالس للعائلات والشخصيات المقتدرة في الحي أو المنطقة، وكذلك كانت تقام بين العائلات المتوسطة والفقيرة أيضًا، وقد يُضل البعض تنظيم الغبقات في الفنادق وهذا فعل مستحدث لكنه ما يستدعيه التطور التقليدي الذي يحدث، ويفضل بعض الشباب أن تقام غبقاتهم في المزارع والمطاعم والحدائق المفتوحة، وقد تكون الغبقة في صورة حفل شواء، ويمكن أن تقام بعذ الألعاب التراثية الشعبية أو المعاصرة خلال الغبقة.
يعتقد البعض أن أفضل وقت لتنظيم وليمة الغبقة هو من اليوم الثامن من شهر رمضان حتى الثالث عشر منه، وذلك لأن معظم الناس يكونون مشغولين منذ بداية ليلة النصف من رمضان ومع اقتراب العشر الأواخر،
ويُفضل البعض الغبقات التي تقام بالمنازل لأنها ذات طابع رمضاني جميل بعيدًا عن بذخ الفنادق وإسرافها، لكن على أي حال فإن وجود الناس في مثل هذه اللقاءات الحميمة يعد إحياءً للعادات والتقاليد الرمضانية التراثية الجميلة، والتي يجب أن يوليها الناس كل الاهتمام، فهي موروث ثقافي لن يندثر طالما أنها جزء لا يتجزأ من ليالي شهر رمضان المبارك، كما أنها تعد فرصة مهمة لزيادة العلاقات الاجتماعية والترابط الأخوي بين الناس، وهو الذي تحتاج إليه المجتمعات العربية اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى.
تبقى فكرة الجلوس لفترات طويلة في رمضان، تخلق جوًا اجتماعيًا جميلًا بين الناس، والذي يزدان بنفحات الشهر الكريم بكل ما يحمله لنا من خير وبركة وثواب.