ماهي سنوات التيه
كان بنو إسرائيل يعيشون في مصر، فاضطهدهم فرعون واستعبدهم وقتل أبنائهم واستحيا نسائهم، فأرسل الله تعالى لهم سيدنا موسى ليخرجهم من مصر، فلما رفض فرعون أهلكه الله بإغراقه في اليم هو وجنوده، ونجا بني إسرائيل وخرجوا من مصر سالمين، لكنهم رفضوا بعد ذلك تنفيذ أمر الله فكتب عليهم سنوات يتييهوا فيها ليتوب عليهم.
عقوبة التيه
بعد موت فرعون، أمر الله نبيه موسى عليه الصلاة والسلام بأن يدخل مع بني إسرائيل إلى بيت المقدس، وكانت فيها مجموعة من الأشخاص الجبارين من الكنعانيين والفزاريين وغيرهم، وأمر الله بني إسرائيل بالدخول ومحاربتهم وطردهم من بيت المقدس.
قبل دخولهم، قرر بنو إسرائيل إرسال رجال لاستطلاع أحوال الجبارين الذين سيواجهونهم، واختاروا اثني عشر رجلاً ليفعلوا ذلك ويستطلعوا أحوال أهل بيت المقدس.
وتذكر الإسرائيليات أن الرجال عندما دخلوا إلى بيت المقدس وجدوا فيها قومًا جبارين من العماليق، وعندما دخلا قام قومًا من الجبارين بحملهم في أكمام ملابسه، وألقاهم أمام الملك فلم يدرك البشر أنهم بشرًا من بني أدم إلا بعد أن أخبروه، لكن ابن كثير رحمه الله له رأي أخر في تلك الرواية وأنها مجرد محض افتراء من بني إسرائيل ، وأن الجبارين تعني أنهم متجبرين وأقوياء.
في أي حالة، اتفق رسل بني إسرائيل على عدم إخبارهم بحقيقة ما رأوه في فلسطين، ولكن عشرة منهم خانوا العهد وأخبروا بني إسرائيل عن قوة شعب الجبارين، ولكن رجلين فقط لم يفعلا ذلك، وهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا. ولكن بني إسرائيل رفضوا القتال معهم رغم أنهم رأوا كيف أهلك الله فرعون، على الرغم من كبريائه في الأرض.
عندما طلب بنو إسرائيل من نبيهم الذهاب مع ربهم للقتال، انحنى موسى وأخوه هارون ساجدين على الأرض، مذعورين وغاضبين لله عز وجل.
كجزاء على كفرهم بأوامر الله تعالى، فقد كُتب عليهم الضلال والتيه لمدة أربعين سنة، مدة جيل كامل، حتى يُستبدلوا بآخرين من عباد الله، وخلال هذه الفترة كانوا يائسين وضائعين في الصحراء، ولا يستطيعون الخروج منها، حيث يتجولون ويدورون في الصحراء دون أن يجدوا الخروج، ويعودون في النهاية إلى نفس النقطة التي بدأوا منها، ولا يستطيعون الخروج من الصحراء إلا بعد مرور الأربعين سنة.
قصة اليهود في التيه
بدأت قصة تيه بني إسرائيل عندما أمر الله عز وجل موسى بأن يبلغهم بالبقاء في الجانب الأيمن من جبل طور سيناء، وفي تلك البقعة لم يكن هناك ماء، فأمر الله موسى بأن يضرب الحجر بعصاه، فانفجرت اثنتا عشرة عينا من الماء من الأرض، وفصل موسى عينا لكل سبط من الأسباط ليشربوا منها.
كان الله القدير يرزقهم بالمن على الزرع ويُرسل لهم طيور السلوى (السمان) ليتناولوا ويشربوا ويستمتعوا دون أي تعب أو حرب أو جهد منهم، وكان يطلب منهم عدم الطغيان والظلم والاستقامة حتى لا يحل عليهم غضب الله، وتظل هذه النعم موجودة.
وحتى في شهر الصيف، فكانت الحرارة ترتفع فكان الله تعالى يرسل عليهم السحاب ليظلل عليهم، لكن بني إسرائيل كفروا كالعادة، فأخبروا سيدنا موسى أنهم شعروا بالملل من هذه الأنواع من الطعام التي أرسلها الله لهم، وأنهم يريدون منه أن يطلب من الله أن يخرج لهم من الأرض مأكولات أخرى مثل العدس والبقوليات.
فقال لهم موسى عليه السلام كيف تفكرون في جميع نعم الله تعالى، وأنتم ترزقون بدون تعب، وكل ما عليكم هو الانتظار أربعين عاما ثم يفتح الله لكم بيت المقدس حتى تحصلوا على كل ما تريدون، وإذا كنتم ترغبون في كل ذلك فانزلوا (مصر) أي الأرض التي أمرهم الله بدخولها وليست الدولة المصرية، ولكنهم كما هو المعتاد لم يستجيبوا لأمر الله، وألحق ذلك بسيدنا موسى عليه السلام أذى كبيرا، لكنه صبر عليهم كثيرا.
بعد ذلك، كلف الله موسى عليه السلام بمقابلة الله ليتكلم معه، ولكن عليه أن يصوم لمدة ثلاثين ليلة. فقام موسى عليه السلام بصيام ثلاثين يوما نهارا، وفي الليل كان يتواصل مع الله. وكانت هذه الأيام في شهر ذي القعدة. وعندما وصل إلى شهر ذي الحجة، صام موسى عليه السلام عشرة أيام إضافية. وبعد أن أكمل موسى صومه، أمر أخاه أن يتولى رعاية بني إسرائيل، لأنه سيغيب لفترة غير معروفة لمقابلة الله عز وجل.
ذهب موسى للقاء الله عز وجل، وتكلم معه وكان يسأله والرب يجيبه بنفسه دون واسطة، فلما طال الحديث بينهما اشتاق موسى عليه السلام لرؤية وجه الله تعالى، فقال له الله إنك لن تراني فلا يستطيع أي بشر رؤيتي، لكن الله قال له انظر إلى الجبل فإذا استقر الجبل في موضعه فيمكن أن تراني والجبل هو أكثر قوة وثباتًا من البشر.
فما ظهر الله تعالى للجبل ظل يهتز حتى دك على أوله فخر موسى على الأرض مغشيًا عليه من هول ما رأى، ولما أفاق موسى قال سبحانك يا الله ووجد موسى الألواح مكتوبة ويقول ابن كثير أن الله تعالى قد كتبها بيده وكان فيها التوراة مكتوبة وفيها كل ما يحتاج بني إسرائيل معرفته من حلال وحرام، واستمر لقاء موسى مع الله، فقال له الله إنك قد استعجلت في الخروج من قومك يا موسى، فقال موسى لقد تركتهم مع أخر هارون، فقال له الله إنا قد فتنا قومك.
كان هناك رجل في بني إسرائيل يدعى السامري بن هارون وكان يتظاهر بالصلاح، وقد رأى السامري سيدنا جبريل قبل أن ينفلق البحر، فأخذ قبضة من الرمل الذي وطأه فرس سيدنا جبريل، وطلب السامري من الناس أن يحضروا له كل الذهب الذي أخذوه من المصريين.
قام السامري بصهر الذهب وصنع بقرة منه، ثم أضاف لها أثرًا لسيدنا موسى، فأصبحت تصدر صوتًا، وقال لبني إسرائيل إن هذه هي إلههم، فعبدوا البقرة رغم وجود اثنين من أنبياء بني إسرائيل.
عندما عاد سيدنا موسى ووجد الناس يعبدون العجل، شعر بالغضب وألقى الألواح، ثم ذهب إلى أخيه هارون وأمسك بلحيته وقال له: `هل عصيت أمري؟`، فأجابه أخوه هارون بأنه خاف أن يقولوا إنه قد فرق بين بني إسرائيل، وأنهم هددوه بالقتل عندما نصحهم بعبادة الله تعالى.
بعد أن سكن غضب سيدنا موسى، جمع الألواح مرة أخرى وذهب للسامري ليستفسر منه عن سبب فعله. فأخبره السامري أنه شاهد جبريل وأخذ قبضة من تراب الأثر وفعل ما فعل. فقال له موسى: “لقد عوقبت بالطرد وعليك أن تسير دون أن تلمس أحدًا ولا يمسك أحدًا”، وقد أحرق سيدنا موسى العجل ورماه في البحر.
وقيل أن من عبدوا العجل كانوا سبعين ألفًا، فحاولوا أن يتوبوا لكن الله عز وجل لم يقبل توبتهم مباشرة، وقال لهم سيدنا موسى إن توبتكم لن تقبل إلا إذا قتلتم أنفسكم فورًا، فتجمعوا في يوم وأعطى موسى السيوف لمن لم يعبدوا العجل، فقتلوا من عبدوا العجل، ويقال أن الله تعالى أنزل الضباب في ذلك الصباح حتى لا يرى المؤمنين من يقتل.
طلب منهم موسى بعد ذلك أن يختارون 70 رجلًا من أتقاهم، فخرج السبعين، وذهبوا للجبل ليستغفروا الله تعالى ويطلبوا منه أن يتوب على بني إسرائيل، فلما ذهبوا ظهرت غمامة فدخل فيها موسى، وكلم الله وهم يسمعوا موسى لكنهم لم يروا الله، فلما خرج موسى قالوا له إننا لن نؤمن بك حتى نرى الله تعالى مباشرة، فأخذتهم الرجفة ومات معظمهم.
فدعا موسى ربه أن يتوب عليهم، فبعثهم الله تعالى مرة أخرى، ورجعوا لبني إسرائيل مرة أخرى، لكنهم كالعادة رفضوا تنفيذ جميع أوامر الله تعالى الموجودة في الألواح، فرفع الله تعالى جبل الطور فوقهم كأنه ظلة، فتراجعوا عن كلامهم لسيدنا موسى وقالوا أنهم وافقوا على تنفيذ ما في الألواح فعاد الجبل مرة أخرى.
وفي أحد سنوات التيه وجدوا رجلًا مقتولًا، فلما ذهبوا لسيدنا موسى لمعرفة من قتله، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة، لكنهم كالعادة بدأوا بالعناد، وبدأوا يجادلون موسى، وقالوا له أنه يهزأ بهم، وفي النهاية بدأوا يسألوا عن لون البقرة وطبيعتها فضيقوا على أنفسهم بالرغم من أنهم كانوا يستطيعون ذبح أي بقرة في البداية.
وفي النهاية، عثروا على البقرة عند طفل يتيم، فاشتروها منه بعشرة أضعاف قيمتها في الذهب، وأخذوا البقرة إلى موسى عليه السلام، ثم ذبحوها وأخذوا جزءًا من عظامها وضربوا بها الميت، فاستيقظ وقال لهم “هو هذا الذي قتلني”، ثم مات مرة أخرى، ومع ذلك، ظلت قلوبهم قاسية.
هل مات موسى في التيه
قبل انتهاء فترة التيه، أمر الله نبينا موسى عليه السلام بالذهاب لأداء الحج في مكة المكرمة. وبعد عودته، توفي نبي الله هارون عليه السلام، ودفنه موسى في سيناء. ومن ثم بدأت أسباط بني إسرائيل التحضير لدخول بيت المقدس، حيث اختار موسى رؤساء لكل سبط، وتم تكليف مجموعة بحمل التابوت الذي يحتوي على بقايا هارون وموسى بعد وفاتهما وألواح الوصايا.
توفي النبي موسى قبل وقت قصير من موعد خروج بني إسرائيل من مصر، وعندمجيء ملك الموت ليأخذه، طلب موسى عليه السلام من الله عز وجل أن يقربه من بيت المقدس، فأقربه الله تعالى وكان معه يوشع بن نون فدفنه بالقرب من بيت المقدس.