ماهي الحكمة من خلق الناس شُعُوبًا وقبائل
الاختلاف بين البشر في اللون والشكل والأخلاق والفئات المختلفة هو من قدرة الله تبارك وتعالى، ولذلك يسأل الكثيرون عن الحكمة وراء خلق الناس شعوبا وقبائل، ويرغبون في معرفة تفسير هذا الاختلاف والغرض منه. وليس الاختلاف مقتصرا فقط على البشر، بل يتواجد في كل شيء، حتى في طبقات الأرض، حيث يوجد أرض وعرة وجافة، وأخرى بها الكثير من الخيرات .
ماهي الحكمة من خلق الناس شُعُوبًا وقبائل
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ ، مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَصْفَرُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ ، وَالْخَبِيثُ وَالطِّيبُ ) .
تختلف أخلاق الناس وأشكالهم بناء على تصميم الله تبارك وتعالى لهم وتشكيلهم من الطين. فالتراب الذي خلقت منه الأرض ليس متجانسا، بل يتنوع فيه الألوان والأشكال. وبالمثل، يتنوع الأشخاص بألوانهم المختلفة. كما يتنوع الأرض نفسها، فتجد أراض قاسية وأخرى خصبة. وبالمثل، يتنوع الناس، فتجد منهم الطيب وتجد آخر خبيثا لا يمتلك أخلاقا .
إن الله تبارك وتعالى خلق جميع الناس، بغض النظر عن اختلافهم في الشكل والصفات والأخلاق. فلا يمكن لأحد الخروج من قبضة الله، فجميعهم ينتمون إلى ملك الله تبارك وتعالى. واختلاف الناس هو دليل على قدرة الله تبارك وتعالى. إن الله هو القدر والخالق، وقد قال في سورة الأعراف: `ألا له الخلق والأمر. تبارك الله رب العالمين`، وفي سورة القصص قال تعالى: `وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة. سبحان الله وتعالى عما يشركون`، وفي سورة الروم قال: `ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم. إن في ذلك لآيات للعالمين`. فكل هذا يشير إلى التنوع الذي خلقه الله تبارك وتعالى بين الناس .
لماذا خلق الله الناس مختلفين
لقد جاء في أضواء البيان عن الشيخ ما قاله الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله تبارك وتعالى عليه في الاختلاف بين البشر قوله : (( وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ، قَدْ أَوْضَحَ تَعَالَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ اخْتِلَافَ أَلْوَانِ الْآدَمِيِّينَ وَاخْتِلَافَ أَلْوَانِ الْجِبَالِ ، وَالثِّمَارِ ، وَالدَّوَابِّ ، وَالْأَنْعَامِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ ، وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ ، .. وَاخْتِلَافُ الْأَلْوَانِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَرَائِبِ صُنْعِهِ تَعَالَى وَعَجَائِبِهِ ، وَمِنَ الْبَرَاهِينَ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ جَلَّ وَعَلَا ، وَأَنَّ إِسْنَادَ التَّأْثِيرِ لِلطَّبِيعَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالضَّلَال )).
لذلك فمن الضروري على المسلم أن يسلم إلى الله تبارك وتعالى بكل ما خلقه. فعندما يدرك المسلم الأمور التي تحمل حكمة واضحة، عليه أن يحمد الله تبارك وتعالى على هذا الاكتشاف ويعتبره سببا لزيادة إيمانه. وبالنسبة للأمور التي تخفى على المسلم ولا يفهمها، يجب أن يؤمن بأن الله تبارك وتعالى هو الذي يعلم تفسيرها. وقد أشار إلى ذلك الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران، قائلا: `إنه هو الذي أنزل عليك الكتاب، فيه آيات محكمات هي أساس الكتاب، وأخرى متشابهات. فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء للفتنة وابتغاء لتأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب.` صدق الله العظيم .
ما الحكمة من خلق الخلق مع الدليل
إن من صفات الله تبارك وتعالى هو الحكمة ومن ضمن أسماء الله جل في علاه هو الحكيم ، والله يخلص كل شيء لحكمة ، ولقد جاء في كتاب الله تبارك وتعالى ما يدل على أنه لم يخلق البشر عبثًا ولم يخلق الكون عبثًا وأنه يوجد في حكمة في ذلك حتى وإن لم يكن الإنسان يتعرف عليها ، وتتمثل هذه الحكمة في سورة المؤمنون : (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )) ، وقوله في سورة الأحقاف : (( حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ )) ، وأيضًا في سورة الدخان : (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )) .
حكمة الله تبارك وتعالى ثابتة في الشريعة وأيضا في العقل. فلا يمكن لشخص عاقل أن يصدق أن الله تبارك وتعالى لم يخلق كل هذا بحكمة. وحتى إن لم يستطع المسلم أن يفهم هذه الحكمة بشكل واضح، إلا أنها موجودة. وقد ذكر في سورة ص: `ولم نخلق السماء والأرض وما بينهما باطلا ۚ ذلك ظن الذين كفروا ۚ فويل للذين كفروا من النار` .
ما الحكمة من خلق الكون
تم توضيح حكمة الله في خلق الكون، ومع ذلك يستمر السؤال المتكرر. قال تعالى: `ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين`. لا يمكن لله أن يخلق أي شيء عبثا، فكل شيء له حكمة وسبب لوجوده. إذا كنت تفكر كثيرا في الأمر، يجب أن تدرك قوله تعالى: `لا يسأل عما يفعل وهم يسألون`. الله خلق الأشياء الدنيوية التي يستفيد الإنسان منها في حياته وتمكنه من طاعة الله. الدليل على ذلك ما جاء في كتاب الله في سورة البقرة: `هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا`، وفي سورة الجاثية: `وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه`، وفي سورة النحل: `والأنعام خلقها لكم` .
والدليل على خلق الله تبارك وتعالى إلى هذا الكون بالكامل ما ورد في سورة البقرة قوله تعالى: (( الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ))، وفي سورة النحل توجد العديد من الآيات القرآنية التي توضح ما سخره الله تبارك وتعالى للإنسان حتى يعبد الله، فإن الله تبارك وتعالى هو الحكيم القادر على كل شيء، فإنه يجازي المؤمنين بكل خير ويعاقب العاصين والذين يتخذون الدنيا لهوا ويقومون بالفواحش وغيرها ويعصون الله تبارك وتعالى، فإن النار عقاب لهم، ولذلك يجب على المسلمين أن يتدبروا كتاب الله تبارك وتعالى ليدركوا حكمة الله في خلق الكون .