ماهو الاثر البلاغي للمحسنات البديعية
العلاقة بين البلاغة و الإبداع
بعض الأشخاص لديهم مهارة في الخطابة، والخطابة هنا تعني قدرة الشخص على التحدث أمام جمهور الناس بشكل يجذبهم وبمهارة تجعله يحقق إقناعهم عندما يتحدثون عن موضوع معين أو يثار قضية ما. الخطابة هي موهبة يمنحها الله للفرد، حيث يمتلك الفرد الكلمات التي تحمل قوة إبداعية كبيرة وتقبل بسهولة من المستمعين، لذا يجد الخطيب نفسه مقبولا في الرأي ويتم احترام توصياته ويدعم آراءه في كثير من الأحيان. القرآن الكريم يعتبر معجزة أبدية، وهو الكتاب الذي نزل به الله، لأنه يحتوي على معجزة في البلاغة.
البلاغة قائمة على صياغات فريدة، تحسن وتجمل آيات الله وتحمل الكثير من المعاني العميقة، وتدفع العديد من المشايخ والفقهاء إلى تسهيل فهم كتاب الله والتحقق من معجزات البلاغة فيه. وللأساليب البليغة آثار بلاغية على النص أو الخطاب بشكل عام، وعلى صاحب النص والخطاب، وهذا ما يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء عليه، من خلال توضيح فوائد علم البديع بشكل عام.
أثر المحسنات البديعية على النص
جمال معاني النصوص
من بين الفوائد الكثيرة التي تقدمها أنواع المحسنات البلاغية في النصوص، سواء كانت مكتوبة أو تلقى من قبل الخطيب على السامعين، هو جمال النص والبلاغة التي تعد فنا بديعا. فللبلاغة أصول ينتهجها الكاتب لإضفاء قدر من الجمال على ما يكتبه، وتتمتع المحسنات البلاغية بألوان يستخدمها الكاتب أو الخطيب لتلوين كلامه، كما لو كانت لوحة فنية تحمل معان تستخدم المحسنات البلاغية واللفظية لجذب انتباه القارئين أو لفت انتباه المستمعين إلى ما يقوله. والتأثير البلاغي للألفاظ يحل محل الدقة والصحة في نقل المعنى إلى المستمع بما يعكس دقة توضيح الألفاظ في مكانها المناسب وتركيبها في بناء بناء معنوي. وهناك من يطلق على هذا الفن اسم الزخرفة اللفظية، وهي تعد زينة للحديث، حيث يكون الهدف منها جذب القارئ.
تباين الأمور بالأضداد
من بين التقنيات البديعة التي يستخدمها الشعراء والأدباء والكتاب بشكل عام هو استخدام الضد مقابل الضد. إنها إحدى فنون البديع، ولها تأثير روائي على النصوص، حيث تعكس التناقضات والاختلافات. من خلال المقابلة بين الأضداد، يتم إبراز المعنى وجعله ساطعا مثل الشمس عندما يتم تواجدهما في جملة واحدة. هذا هو الفن البلاغي الذي يستخدم الأضداد كمحسن لغوي في الجمل والمعاني .
خدمة المعنى
يمكن العثور على هذا الأثر البلاغي في الجمل التي تعتمد على السجع، والسجع هنا يعني تطابق نهايات الجمل باستخدام الوزن والقافية، وهذا لا يعطي فقط جمالا في نسيج الجمل، ولا يعطي رونقا فحسب في المعاني الجذابة، بل أيضا يخدم المعنى ويؤكده، ويثبته عند المستمع، بحيث يتكرر المعنى بسبب حسنه في ذهن المستمع، ويصبح سهل الحفظ وواضح في معناه. وكانت الجاهلية تعطي الكلمة أهمية كبيرة، فقد كانوا متفوقين في عرض الكلام، وكانت الفصاحة هي السمة التي تميز بها العرب في الماضي، حيث كانوا يتفنون في إلقاء الخطابات والشعر، واستخدام المحسنات البديعية المعنوية، وتعريف المحسنات البديعية المعنوية هو جميع الأساليب المتعلقة بالتشابه والاختلاف والتشابه الصوتي وغيرها، والتي تبرز المعنى في النص.
استخدم المحسنون البديعون أسلوب التورية، وهو الإشارة لمعنى ما بطريقة حجبه أو التلميح إليه. وفي هذا السياق، يمثل خدمة المعنى من خلال أنواع المحسنات اللفظية أحد الفوائد البلاغية التي تنقل للقارئ صورة المعنى أو المشهد بوضوح تام، مما يؤثر في تفكيره ويجعله يتأثر بما قيل. وعلى سبيل المثال، استخدم الشاعر أحمد شوقي في إحدى أبياته وزنا وقافية لوصف حيوان يتألم، مما نقل صورة واضحة إلى القارئ وأضاف بلاغة للمعنى، حيث قال: “بهيمة مسكينة، يشكو ولا يبين”، “لسانه مقطوع، وماله دموع.
أثر المحسنات البديعية على الخطيب أو الكاتب
وبالمثل، يجب أن يمتلك الخطيب الذي يصعد المنبر في يوم الجمعة الحس الإبداعي، الذي ينقله من خلال كلماته وخطبته إلى جمهور المصلين، ويتحمل مسؤولية كبيرة لإقناعهم ونقل المعلومات لهم بأسلوب يحقق فهما صحيحا واقتناعا كاملا، ويتأثر الأسلوب الأدبي والبديعي في كلماته أو حتى كتابته بالعديد من الفوائد الأدبية والعلمية، كما يساعد في نيل تقدير كبير من القارئ أو المستمع.
لذلك يحرص الخطباء على التعلم المستمر لدرس المحسنات البديعية، لما لها من آثار بلاغية ومعنوية على النص وعلى صاحب النص، ومن المهم الإشارة إلى أن الخطيب هنا لا يعني فقط الشخص الذي يلقي خطبة في يوم الجمعة، بل يشمل كل من يتحدث أمام الجمهور ويقدم لهم نصا واضحا يحمل رسالة خاصة وأهدافا محددة، ومن ثم تكون آثار استخدام المحسنات البديعية في الخطابة على الخطيب كالتالي
جذب المستمعين
الفرق بين الخطيب الماهر والخطيب غير الماهر يكمن في قدرته على استخدام الكلمات والتعامل مع معانيها لتحقيق أهداف خطابه، فإذا أراد الخطيب لفت انتباه المستمعين، فإنه يقدم خطابات تحمل تجميلا لفظيا مبدعا وتحقق استماع الحضور له، وبذلك يثبت إبداعه كخطيب .
توصيل الرسالة
تظهر الخطابات تأثيرها البلاغي في توصيل الرسالة بشكل فعال، من خلال استخدام جمل ومعان محسنة. وتلعب الخطابات السياسية دورا كبيرا في ذلك، حيث يستغل الساسة هذه الأدوات البلاغية لجذب الجمهور ونقل الرسالة بسرعة. فالتعبيرات المحسنة تساعد على كسب تعاطف المستمعين وتحقيق أهداف الزعماء السياسيين، وتعزز قدرتهم على إقناع أكبر عدد من الجماهير .
الاقناع
من أكثر الآثار البلاغية التي تعود بالفائدة على الخطيب ، خاصة الخطب الدينية ، هو ابراز عمق المعنى في استخدامه للمحسنات البديعية ، بعد أن يكون قد تعلمها من أصول البلاغة والفقه ، والتي تساعده على اقناع جمهور المصلين ، ونقل ما في كتاب الله من معاني قيمة ، تعمل على إصلاح دينهم و دنياهم .