ماذا كان يعمل النبي داود
الحكمة في ذكر إيتاء الحكمة لداوود بعد ذكر قتله لجالوت
أنعم الله جلا وعلا على عبده داود عليه السلام بنعم كثيرة، وذكر بعضها في عدة مواضع منها قصة سيدنا داوود مع الملأ من بني إسرائيل وطالوت وجالوت، وأيضا في مواضع أخرى كقوله تعالى: “واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب، إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق، والطير محشورة كل له أواب، وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب”، ويعتقد علماء التفسير أن الله وهب لعبده داوود الملك والحكمة، وهي النبوة، ولم يحصل ذلك من قبل أحد، بعد قتله لجالوت حيث وعده طالوت بأن يزوجه بابنته ويشاركه في الملك إذا قتل جالوت، فأوفى بوعده وأصبح حاكما بعد موت طالوت.
ماذا كان يعمل النبي داود
هناك العديد من الآيات والأحاديث التي تشجع على الكسب والجهود في الحياة الدنيا، وليس هدفها فقط جمع المال، بل لتوجيه الإنسان بوجهه الصحيح وإظهار الرحمة والاستعانة بها في طاعة الله. وقد أشار القرآن الكريم إلى أن المال هو خير في عدة مواضع، كما قال تعالى: `وإنه لحب الخير لشديد`، ومدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم المال الصالح للشخص الصالح قائلا: `نعم المال الصالح للمرء الصالح`، وهذا ما رواه أحمد بسند صحيح. وقد قال سعيد بن المسيب: `لا خير فيمن لا يرغب في جمع المال الحلال، لكي يستعين به على طاعة الله ويظهر الرحمة ويعطي كل ذي حق حقه`. وللمال فوائد عديدة، فهو يساهم في أداء فريضة الحج والجهاد، ويعزز التحرر وبناء الجسور وبناء المساجد. ومن خلاله يتجسد صفة الكرم والجود التي وصل إليها الصالحون في أعلى درجاتها، وهي نعمة من الله على الناس في المنازل العليا. وقد قال بعض السلف الصالح: `اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى`.
أظهرت حروف ومهنة الأنبياء والرسل تعددا من أجل نيل رضا الله. كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: `ما بعث الله نبيا إلا كان راعيا للغنم`. سأله أصحابه: `وأنت؟`. فأجاب: `نعم، كنت أرعاها في قراريط لأهل مكة`. وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعمل في التجارة أيضا مع عمه أبي طالب، وكذلك في أموال زوجته خديجة رضي الله عنها، وهذا مشهور في سيرته. وفي كتابه العزيز، ذكر الله تعالى عن عمل داود عليه السلام قائلا: `وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير، وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون` (الأنبياء/80). وعن خالد بن معدان عن المقدام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: `ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل مما عملت يديه، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يديه`.
كان عليه السلام يأكل مما يعمل به يديه، فكان يصنع دروعا من الحديد ويبيعها، وكان رعاية الأغنام هي المهنة التي عمل بها جميع الأنبياء، وينص مبدأ الدين الإسلامي على السعي إلى طلب الرزق. ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: “كان “ذو المجاز” و”عكاظ” متجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام، كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت الآية “ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم” في مواسم الحج”. وأجمع الفقهاء والمحدثون على أن الإسلام يشجع على الكسب والسعي والعمل، وأن هذه المهن محتشمة وأن الأنبياء والرسل عملوا بها. ويحفز الإسلام الشباب على السعي إلى الرزق وطلب الخير، مع الاهتمام بالعقيدة والأخلاق. ونهى الإسلام عن المهن المشبوهة وأمر المسلم بالابتعاد عنها، كما جاء في حديث ابن محيصة عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إجارة الحجام فنهاه عنها، وأمره بإطعام الطعام وإعطاء الصدقة.
حكم صوم الأيام الفاضلة لمن يصوم صوم داود
تأكد من النص أن صوم داود عليه السلام هو أفضل وأحب صياما لدى الله تعالى، ولم يسمح النبي محمد صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بزيادة الصيام عليه، وهذا يظهر أن الزيادة غير مستحبة، وأن الاستمرار على هذا النوع من الصيام يكفي الشخص دون الحاجة للزيادة والتعقيد، وتجعل الزيادة غير مرغوبة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم له: “أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوما ويفطر يوما”، رواه البخاري، ومسل .
قَالَ: فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ؛ قُلْتُ:” إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ”، فقَالَ: ” فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ” … قُلْتُ:” إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ”، فقَالَ: ” فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ “، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ له النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ” رواه البخاري، ومسلم.
وما يترتب على ذلك أنّ الزيادة على هذا النوع من الصيام تكون نوعين، أولًا الزيادات التي تتسم بتغير شكل وصورة الصيام؛ ويشتمل هذا النوع من الصيام على: صيام الأيام البيض، و صيام الإثنين والخميس أيضًا، فصيام النبي داود عليه السلام يٌكتفى به، ومضمون الحديث يٌبيّن أنّه لا يستحب الزيادة على صيام غير ذلك، ولو كانت الزيادة يوم الإثنين، أو الخميس ؛ لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال عن صيام داود :”لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ”.
ثانيًا: الزيادات التي لا تغير شكل صيام النبي داود، وهي أيام نادرة في السَّنة مثل صيام عرفة وعاشوراء، مما يدل على أن صيام تلك الأيام، رغبةً في نيل ثوابها ولا يخرج صاحبها من محيط ودائرة الأفضلية، لأنها نادرة، ولا سلطةلها، ولا أثر لها في شكل صيام من يقوم بالصيام يومًا ويفطر يومًا.
مكانة العمل في الإسلام
إذا تتبعت شجرة الأنبياء والرسل، واخترت اسما من أسماء الأنبياء وقرأت سيرهم ووظائفهم، ستجد أن جميعهم كان لديهم وظائف كسائر البشر، بجانب وظيفتهم الأساسية وهي الدعوة إلى عبادة الله وترك ما غير ذلك. وهذا ما دل عليه حديث أبو هريرة عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم). فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: (نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة).
كل نبي بعثه الله ليكون لديه وظيفة محددة للقيام بها وتميز فيها. لم يكن الهدف من العمل طوال حياة الأنبياء الحصول على الثروة فحسب، بل كان العمل وسيلة لتوفير الطعام لهم ولذويهم، بالإضافة إلى وظيفتهم الأساسية وهي الدعوة إلى عبادة الله وحده، وهذا يدل على أهمية العمل ومكانته الرفيعة كونه امتثالا لأمر الله. وقد قال تعالى: “فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا”. صدق الله العظيم