لماذا لانستطيع تذكر أحداث طفولتنا التي حدثت قبل سن الرابعة
فقدان ذاكرة الطفولة
عادةً، لا يمكن للإنسان أن يتذكر أحداث طفولته التي وقعت قبل سن الرابعة، وتظل تلك السنوات من حياته غامضة وغير واضحة، حيث يمحي ذاكرته الأماكن والأشخاص والأحداث التي مر بها في تلك الفترة.
يمكن للإنسان أن يسأل نفسه كيف كان يقضي أيام طفولته؟ وكيف كانت تفاعلات أفراد عائلته وبيئته معه؟ وما هي الأشياء التي كان يفضلها؟ هل كان شقيًا؟ هل كان يحب هذا الشخص أو هذا المكان أو هذا الطعام حقًا؟
يجد الشخص نفسه في حيرة وذهول لأنه لا يستطيع تذكر مرحلة طفولته، حتى لو استخدم ألبومات الصور أو سأل الأهل والمعارف عن تلك المرحلة. فهو في الغالب لن يتذكر ما يتحدثون عنه، لكنه سيبدأ في التخيل. ويتساءل متى تبدأ ذاكرة الطفل في التخزين .
تطلق على هذه الظاهرة الغريبة اسم فقدان ذاكرة الطفولة وهي لغز غريب يحاول الباحثون دائماً إيجاد سبب منطقي له
ما هو سبب فقدان ذاكرة الطفولة وكيف يتطور
يُعرف فقدان ذاكرة الطفولة بعدم قدرة الشخص البالغ على تذكر المواقف والأحداث واسترجاع الذكريات التي حصلت معه قبل سن الرابعة.
وتشير الدراسات إلى أن قدرة الإنسان على تذكر أحداث طفولته تضعف كلما تقدم في العمر.
قبل سن السابعة، يمكن للطفل تذكر 70% أو أكثر من أحداث طفولته المبكرة، وعند بلوغه التاسعة، تنخفض نسبة التذكر إلى 40%، ومع التقدم في العمر، يصبح مرحلة الطفولة فصلاً مفقودًا في سجل حياة الشخص الذي يستطيع التذكر.
- القدرة اللغوية
يرى الباحثون أن هناك ارتباطًا بين فقدان الذاكرة في مرحلة الطفولة وعدم اكتمال تطور اللغة لدى الأطفال.
عندما يتعرض الطفل الصغير لحادث أو موقف، فإنه غالبا ما يجد صعوبة في وصف هذا الحادث وحفظه في ذاكرته. قد يستخدم الرموز لتخزين هذه الذكريات، ولكن عندما يتطور قدراته اللغوية والتعبيرية، تبدأ تلك الذكريات بالتلاشي لأنها غير مرتبطة بوصف دقيق باستخدام اللغة التي يتقنها الآن. وهذا يفسر تلاشي ذكريات الطفولة تدريجيا مع التقدم في العمر وزيادة القدرة على التعبير والتواصل اللفظي.
- تطور الإحساس بالذات
يفتقر الأطفال الصغار قبل سن الرابعة عادة للشعور بالذات والإدراك بأنهم أشخاص لهم صفات ومعتقدات ومشاعر خاصة بهم، وبالتالي لا يمتلكون المهارات الكافية لتنظيم ذكرياتهم والاحتفاظ بها واسترجاعها وربطها معًا.
مع التقدم في العمر وتحديدًا في الرابعة أو الخامسة من العمر، يبدأ أطفالنا بالتطور في الوعي والإحساس بالذات، ويصبحون قادرين على تخزين وربط واسترجاع ذكرياتهم بشكل فردي ومستقل.
- نشاط الناقل العصبي GABA
أن الناقل العصبي المثبط لحمض جاما الأميني الزبدي (GABA) يكون ذو نشاط أعلى من فترة الطفولة المبكرة، وقد أثبت أن له تأثير على ضعف القدرة على استرجاع الذاكرة ومحو ذكريات الطفولة، ومن الدلائل على ذلك أن هناك أدوية نفسية تزيد نشاط (GABA) لدى البالغين وقد لوحظ أنها تسبب لهم فقدان متقدم في الذاكرة وفشل في تشفير الذكريات.
- النمو السريع والإنتاج المستمر للخلايا العصبية
يتميز معدل النمو وتكوين الخلايا العصبية بالارتفاع الشديد في مرحلة البلوغ، ويتناقص مع تقدم العمر.
أظهرت الدراسات أن النمو السريع والتكوين المستمر للخلايا العصبية يؤثر على قدرة الذاكرة على تخزين المعلومات طويلة الأمد، حيث يمكن أن يتسبب التنافس والتبادل بين الخلايا العصبية الجديدة والحالية في عرقلة التواصل بينهما وتقليل القدرة على تخزين المعلومات بشكل دائم في الذاكرة.
- نقص النمو العصبي لدماغ الطفل الصغير
تشير الدراسات إلى أن الدماغ لا يكتمل تطوره ونضجه بشكل كامل حتى حوالي سن الرابعة، ولا يمكنه تخزين أحداث الطفولة المبكرة بكفاءة، مما يجعلها عرضة للنسيان وعدم القدرة على استرجاعها.
- تختلف المشاعر والاهتمامات بين سن الطفولة المبكرة وسن البلوغ
تختلف اهتمامات ومشاعر الرضع عن الأطفال الصغار، وتختلف أيضًا عن اهتمامات ومشاعر الأشخاص البالغين.
عندما يتقدم الإنسان في العمر، فإنه يميل إلى تصنيف الأحداث والمشاعر التي تعود إلى الطفولة المبكرة على أنها غير مهمة ويحاول التخلص منها، لأن توجهاته وتفضيلاته تتغير مع التقدم في العمر.
- عدم بدء عمل الذاكرة العرضية
تعرف الذاكرة العرضية على أنها المسؤولة عن تخزين المواقف والأحداث اليومية والمعلومات الأخرى.
عادةً ما لا تبدأ هذه الذاكرة في العمل الكامل حتى سن الرابعة.
يمكن للإنسان أن يتذكر أجزاء صغيرة من طفولته المبكرة قبل سن الرابعة، مثل الحديقة التي كان يذهب إليها مع والده، ولكنه لا يتذكر كيف كان يلعب وماذا كان يأكل. وبالتالي، فإن الذاكرة العرضية لا تعمل.
العوامل التي تؤثر على فقدان ذاكرة الطفولة
- طريقة محاولة الاسترجاع
يؤثر طريقة الاسترجاع على ما يمكن للإنسان أن يتذكره من ذكريات طفولته، فقد يختلف ما يستطيع الإنسان تذكره إذا كان يحاول ذلك بمفرده أو إذا تم طلب المساعدة من شخصآخر أو ساعدوه في التذكر، ويزيد ذلك من قدرة الإنسان على تذكر بعض أحداث طفولته عند الحديث عنها.
- المشاعر التي صاحبت ذكريات الطفولة
أظهرت الدراسات أن الأطفال يتذكرون الأحداث التي ترتبط بمشاعر قوية، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
يمكن للإنسان في بعض الأحيان تذكر أحداث طفولته إذا كانت لها أهمية كبيرة وتأثير على حياته، أو إذا غيرت شيئًا ما داخله بسبب قوتها، فيبقى هذا الحدث محفورًا في ذاكرته ولا يُنسى.
- الجنس
أثبتت الدراسات أن الإناث لديهن القدرة على تذكر جوانب من مرحلة الطفولة بشكل أكبر من الرجال.
يمكن أن يرجع سبب ذلك إلى أن النساء يفضلن التفاصيل أكثر، كما أظهرت الدراسات أن النساء يتميلن إلى تذكر أحداث الطفولة الأليمة أو المشحونة بالمشاعر.
يتميز الرجال بالتذكر الأحداث السلبية أو الأحداث التي تحمل قوة، بينما يتميز الأطفال الذين تجاوزوا سن الأربعة بتذكر الألعاب التي كانوا يلعبونها في طفولتهم المبكرة، ونجد أن الذكريات التي يمكن للإنسان استرجاعها من طفولته ترتبط بشدة بما يفضله ويهتم به.
- اختلاف المجتمع والثقافة
فللمجتمع والثقافة تأثير كبير على تذكر الشخص لأحداث طفولته، فهناك شعوب تركز على الماضي وتعتبره شيء أساسي وضروري كالنيوزلنديون، لذلك نجدهم قادرين على تذكر أحداث حصلت معهم قبل سن الثالثة، ببساطة يتم تفسير ذلك بأنه إذا أقنعك المجتمع أن ذكريات طفولتك ثمينة ومهمة فبالتأكيد دماغك سيحاول الاحتفاظ بها ويحافظ.
- شخصية الأنسان
لدى كل إنسان طباع واهتمامات مختلفة، لذا فمن الطبيعي أن تحتفظ ذاكرته بذكريات تتناسب مع شخصيته واهتماماته.
يتذكر الأشخاص الذين لديهم شخصية قوية عادةً أحداثًا من طفولتهم تميزت بالقوة والحب وإعجاب الآخرين، بينما يتذكر الأشخاص الذين لديهم شخصية ضعيفة عادةً أحداثًا كئيبة وحزينة من طفولتهم.
ذكريات الطفولة المبكرة المزيفة
قد تكون ذكريات الطفولة المبكرة التي يتذكرها الإنسان غير حقيقية، وقد تكون من نسج خياله بشكل كلي أو جزئي.
يمكن لعقل الإنسان أن يخلق قصة كاملة من خياله ويضيف بعض التفاصيل إلى الذكريات الموجودة، ثم يبدأ العقل في التصديق بهذه الإضافات وتدريجياً تصبح جزءًا من ذكرياته التي يعتقد أنها حقيقية.