العالمدول

لماذا سميت الجزائر ببلد المليون شهيد

لماذا سميت الجزائر ببلد المليون شهيد

تعتبر الجزائر دولة عريقة بتاريخ وحضارة ممتدة، وتمتلك تاريخا غنيا في مواجهة الأعداء وصد شرورهم عن الأمة، وهذا السبب الذي جعلها تسمى بالمحروسة، وكانت آخر دولة استعمارية للجزائر هم الفرنسيون.

بدأ الشعب الجزائري كفاحه من أجل الحرية والاستقلال والتخلص من الاستعمار منذ احتلال فرنسا للجزائر في 1830م، ولا تزال الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي حتى نهاية ثورة التحرير واستقلالها في 1962م. وخلال هذه الفترة، تعرض الشعب الجزائري لأشكال مختلفة من العنف والتهجير والإبادة الجماعية من قبل المستعمر الفرنسي، وهذا ما دفع أبناء الشعب الجزائري للمضي قدما في كفاحهم حتى استقلال الجزائر، وقد سقط أكثر من مليون ونصف المليون شهيد من أبناء الجزائر خلال فترة الثورة الجزائرية وحرب الاستقلال، ولهذا سميت الجزائر بـ “بلد المليون شهيد.

خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر شهدت مدن الجزائر عدة انتفاضات وثورات أخرها كانت ثورة التحرير الجزائرية والتي تكللت في النهاية بحصول الجزائر على استقلالها في عام 1962م، وترجح بعض المصادر أن العدد الكلي للشهداء الذي سقط منذا بداية الاستعمار وحتى استقلال الجزائر أكثر من 7 مليون شهيد.

سبب استعمار فرنسا للجزائر

بالتأكيد لم تكن فرنسا بحاجة إلى سبب لاحتلال الجزائر، ولكنها كانت بحاجة إلى سبب شكلي. وقد حدث ذلك عندما قام الداي حسين، آخر حاكم إقليمي عثماني للجزائر أو داي الجزائر، بضرب القنصل الفرنسي بخفاقة ذبابة بغضب. وكان هذا الحادث إشارة واضحة لغضب الداي تجاه القنصل الفرنسي الذي تسبب في توتر العلاقات الفرنسية الجزائرية في السنوات السابقة. ولكن في الواقع، كانت ديون فرنسا الكبيرة والغير المسددة تشكل مشكلة كبيرة. وفي نفس العام الذي وقعت فيه هذه الحادثة، كتب وزير الحرب الفرنسي أن غزو الجزائر سيكون وسيلة فعالة ومفيدة لتوفير فرص العمل للمحاربين القدامى في حروب نابليون. وهذا هو السبب الرئيسي للاحتلال الوحشي للجزائر الذي دفعت الجزائر ثمنه مليون شهيد من أبنائها

وقد بدأ غزو الجزائر بعد ثلاث سنوات من الحادث فقد هبط الجيش الفرنسي في 5 يوليو 1830 بالقرب من الجزائر العاصمة، وقبل الداي حسين عرض فرنسي بالنفي بعد مواجهة عسكرية قصيرة، وبعد رحيله ، وفي انتهاك للاتفاقيات التي تم التوصل إليها ، استولى الفرنسيون على المباني الخاصة والدينية ، ونهبوا الممتلكات الرئيسية في العاصمة الجزائرية وما حولها ، واستولوا على جزء كبير من الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد.

مقاومة الاستعمار الفرنسي بالجزائر

كان أول من بدأ المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين هو الأمير عبدالقادر محي الدين والذي تولى حكم الجزائر عام 1832م، بعد أن تمت مبايعته بدلًا من والده الذي قرر أن يتنازل لابنه عن حكم الجزائر، ومنذ اليوم الأول لتوليه الحكم قرر تكوين جيش ليبدأ النضال ضد الفرنسيين والذي كان مر على استعمارهم للجزائر وقت توليه عامين فقط.

وقد نجح النضال الشعبي الذي قاده الأمير في تكبيد الفرنسيين خسائر فادحة مما اضطرهم للتفاوض معه، ووافقوا على هدنة ثم وقعوا اتفاقيتين معه، وقد تضمنت المعاهدة الموقعة بين الجنرال لويس ألكسيس ديسميكل وعبد القادر في عام 1834 نسختين ، قدمت إحداهما تنازلات كبيرة للأمير عبد القادر والنسخة الأخرى الخاصة بالحكومة الفرنسية كانت تحوي بنود أخرى وبالطبع خرق الفرنسيين الاتفاقية وتحركوا عبر أراضي تابعة للأمير، رد عبد القادر بهجوم مضاد عام 1839 ودفع الجيش الفرنسي إلى الجزائر العاصمة والساحل.

بعد هزيمتها، قررت فرنسا في ذلك الوقت القيام بحرب شاملة على الجزائر بقيادة الجنرال توماس روبرت بوجود، والتي شملت ثلث قوة الجيش الفرنسي وأكثر من 100000 جندي فرنسي وصلوا إلى الجزائر، وأسفرت الحملة العسكرية والهجوم الأولي عن دمار واسع النطاق للجزائريين ومحاصيلهم وماشيتهم ومقتل الآلاف في أعمال إبادة جماعية، وفشلت تكتيكات الكر والفر بسبب فرق القوى العسكرية، واضطر الأمير عبد القادر إلى الاستسلام في النهاية عام 1847م، ونفي إلى فرنسا، ثم سمح له بالانتقال إلى سوريا مع عائلته، وتعد تلك الفترة نهاية للمقاومة ضد الاستعمار على نطاق وطني وبدأ بعدها ظهور حركات مستقلة ومقاومة شعبية حتى استقلال الجزائر .

الحركة الوطنية في الجزائر في القرن العشرين

تطورت الحركة القومية الجزائرية في القرن العشرين من جهود ثلاث مجموعات مختلفة، المجموعة الأولى كانت مجموعة إصلاحية ليست ثورية تسعى للتغيير السلمي بدلًا من المقاومة الشعبية وقد تألفت من الجزائريين الذين حصلوا على التعليم الفرنسي وكسبوا معيشتهم في القطاع الفرنسي، وأطلق عليهم اسم الاستيعاب لأن فرنسا نجحت في استيعاب حركتهم، وقد اتبعوا تكتيكات إصلاحية تدريجية ، وتجنبوا الأعمال غير القانونية ، وكانوا مستعدين للنظر في اتحاد دائم مع فرنسا إذا كان من الممكن تمديد حقوق الجزائريين بحيث يتساوى الجزائريين مع الفرنسيين في الحقوق داخل بلادهم، وهذه المجموعة ، التي نشأت في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى ، كانت منظمة بشكل غير محكم وأطلقت على نفسها اسم الشباب الجزائريين وضمت بين أعضائها  خالد بن هاشمي (“الأمير خالد”) ، الذي كان حفيد الملك عبد القادر ، و في فترة لثلاثينيات انضم إليها  فرحات عباس ، الذي أصبح فيما بعد أول رئيس وزراء للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

وتم تشكيل المجموعة الثانية من المصلحين المسلمين الذين اشتقوا أفكارهم من الحركة الدينية السلفية التي نشأت في نهاية القرن التاسع عشر في مصر عن طريق الشيخ محمد عبده. تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عام 1931 تحت قيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس. لم تكن هذه المجموعة حزبا سياسيا، ولكنها أعززت الوعي الوطني الإسلامي والهوية الجزائرية المسلمة بين الجماهير الجزائرية.

أما المجموعة الثالثة كانت أكثر طابعا بروليتاريا وراديكالية، تم تنظيمها بين صفوف العمال الجزائريين في فرنسا في عشرينيات القرن الماضي تحت قيادة أحمد مصالي الحاج، وحظيت فيما بعد بتأييد واسع في الجزائر، ولقبت هذه المجموعة بـ”أبو الأمة”. في البداية، أسس حزبا اسمه “حزب نجم شمال أفريقيا”، لكن فرنسا أقرت في نهاية المطاف بحل الحزب، وتم اعتقال أحمد مصالي الحاج عدة مرات. ومع ذلك، لم يكن من بين المؤيدين لفكرة الكفاح المسلح ضد الفرنسيين، وبالتالي أسس حزبا سياسيا آخر يدعى “حزب الحركة الوطنية الجزائرية” ورفض المشاركة في الثورة الجزائرية.

حرب الاستقلال الجزائرية

بعد أن أدركت الأحزاب السياسية الجزائرية أن أهدافها لن تحقق بوسائل سلمية، قررت الانخراط في الثورة المسلحة التي أودت بحياة حوالي مليون ونصف المليون جزائري في سبع سنوات فقط، وشاركت فيها جميع مدن الجزائر .

بدأت الحرب في الليلة الثامنة والثلاثين من أكتوبر عام 1954، حيث أصدرت الحركة، بقيادة جبهة التحرير الوطني المشكلة حديثا، بيانا يعلن هدفها الرئيسي الذي يتمثل في استعادة سيادة الدولة الجزائرية. كما دعت إلى تبني نظام اقتصادي اشتراكي ديمقراطي في إطار إسلامي وتحقيق المساواة في الحقوق المدنية لجميع المقيمين في الجزائر. واعترفت البيان الافتتاحي بتأخر الجزائر في مجال التحرر الاجتماعي والوطني مقارنة بالدول العربية الأخرى، ولكنه أشار إلى أن الشعب الجزائري يمكنه معالجة هذا التأخر من خلال صراع صعب وطويل الأمد.

بدأت أول رصاصة للثورة بالخروج من مدينة باتنة، ورغم أن هذا الهجوم لم يكن فعالًا عسكريًا وأدى إلى اعتقال أكثر من 2000 عضو من حركة انتصار الحريات الديمقراطية، إلا أن تلك الرصاصة كانت إشارة لانطلاق الانتفاضة المسلحة الشاملة في البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى