لماذا انقسمت البلاغة إلى ثلاثة علوم
تم استحداث مصطلح “بلاغة” من الفعل الثلاثي “بلغ”، الذي يعني تحقيق الهدف. ويقال أن “البليغ” هو الشخص القادر على إقناع الآخرين والتأثير عليهم من خلال كلامه. لذلك، فإن دلالة البلاغة في اللغة العربية هي نقل معنى الخطاب بشكل كامل إلى عقل المستمع أو القارئ، سواء كان يستمع أو يقرأ. وظلت البلاغة من بين أبطأ العلوم العربية في التنمية والاستقلالية كعلم مستقل يحتوي على قواعده وأسسه الخاصة، وذلك بسبب تشتت الموضوعات التي يناقشها ويبحث فيها هذا العلم في أعماق الكتب، بالإضافة إلى عدم وضوح مصطلحاته .
دور السكاكي في تقسيم علوم البلاغة
يوسف بن أبي بكر أبو يعقوب السكاكي، واحد من أئمة اللغة العربية في عصره، وعلامة البيان والأدب والعروض والشعر، والذي توفي في سنة 626 هـ، قام بإنشاء كتاب “مفتاح العلوم” بعد دراسة أعمال أسلافه مثل أبو عثمان الجاحظ، وقدامة بن جعفر، وفخر الرازي، وعبد القاهر الجرجاني .
يتميز كتاب السكاكي بتبويبه الدقيق وترتيبه الجيد، على الرغم من تعقيده وكثرة حدوده وتقسيماته، حيث ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول للصرف، والثاني للنحو، والثالث للبلاغة بعلومها الثلاثة، والقافية والعروض المصاحبة لها، وهي جميعها علوم ضرورية لكل دارس لعلوم العربية في البلاغة والنقد .
تقسيم البلاغة إلى ثلاثة علوم
قسّم النحّاة علم النحو إلى نحو وصرف، وقسّموا الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، ولم يفهم أحد من هذا التقسيم أنه فصلاً كاملاً، إذ لا يمكن أن نبني كلاماً معتمداً على النحو دون الصرف، أو العكس .
تم تقسيم البلاغة إلى ثلاث علوم لتسهيل الدراسة وتسهيل التعلم وتفصيله، وليس الهدف الفصل التام بينها، لأنه لا يمكن لنا أن نبني كلامًا فقط على المغزى أو البيان أو البديع .
ويمكن أن يكون هؤلاء البلاغيين الأكثر تفصيلا وحساسية في النظر وأكثرهم فهما للنكت الرقيقة. لذلك، لا يوجد ضرر في القول إن البلاغة العربية هي كل شيء في قطعة واحدة، وهي تضم جميع الأساليب التي تتوافق مع السياق، ولا يوجد فيها شيء أساسي أو ثانوي، بل تتضمن جميع أنواع البلاغة على قدم المساواة في الأهمية .
تهدف الأسلوب إلى تقسيم البلاغة إلى ثلاثة علوم، حيث يختص كل علم منها بأحد أركان الأسلوب أو عناصره .
أقسام علوم البلاغة
تنقسم علوم البلاغة إلى ثلاث أقسام وهي :
علم المعاني
هو علم يختص بعنصر المعاني والأفكار، إذ يرشدنا إلي اختيار التركيب اللغوي المناسب للموقف، كما يرشدنا إلي جعل الصورة اللفظية أقرب ما تكون دلالة على الفكرة التي تخطر في أذهاننا، مستعينا في نطاق بحثه ليس في كل جملة مفردة على حدة، بل في علاقة كل جملة بالأخرى وصولاً إلي النص كله بوصفه تعبيرًا متصلا عن موقف واحد، مستخدمًا مجموعة كاملة من المصطلحات الشارحة مثل الإيجاز، الإطناب، والفصل، الوصل، الاستعارة، المجاز والمجاز المرسل، التشبيه، الكناية، أسلوب القصر .
علم البيان
يبحث علم البيان في عنصَري العاطفة والصور الخيالية معاً، وسمي بـ علم البيان لأنه يساعد على زيادة تبيين المعني وتوضيحه وزيادة التعبير عن العاطفة والوجدان، باستخدام التشبيهات والاستعارات وأنواع المجازات، هو أيضًا العلم الذي يبحث في وجوب مطابقة الكلام لمقتضى حال المخاطب وأحوال السامعين، ويبحث في المعاني المستفادة من تأليف الكلام ونظمه وسياقه .
علم البديع
يختص علم البديع بالصياغة وجماليات الأسلوب، حيث يعمل على تنسيق الكلام بشكل جميل ومتناغم، وذلك من خلال استخدام جمل وكلمات مرتبة بشكل جيد، ومستعينًا بما يسمى بالمحسنات البديعة، سواء اللفظية أو المعنوية .
تم تأكيد قيمة تقسيم علوم البلاغة باعتبارها علوم جمالية يستفيد منها الأديب قبل إنشاء النص، ويمكن اعتبارها علمًا تعليميًا يساعدنا على التعبير عن المعاني التي تدور في عقولنا، وكيفية تنسيق أسلوبنا وصياغته، لنوضح المعنى والعاطفة المقصودة .