اسلاميات

كيف كان حال سيدنا محمد عندما نزل الوحي

متى نزل الوحي على الرسول وكم كان عمره

اتفق الفقهاء وأهل العلم على أنّ عمر الرسول صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي عليه كان أربعين عامًا، حيث روى الإمام أحمد والشيخان عن ابن عباس قوله: `أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة`.

وفي ذلك يذكر المباركفوري في كتاب الرحيق المختوم بخصوص تحديد تاريخ البعثة: (وبعد النظر والتأمل في القرائن والدلائل، يمكننا تحديد ذلك اليوم بأنه كان يوم الاثنين الواقع في الحادي والعشرين الذي مضى من شهر رمضان ليلا، ويوافق العاشر من أغسطس سنة 610 ميلادية. وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الحين بالضبط أربعين سنة قمرية وستة أشهر واثنا عشر يوما، وذلك يعادل تسعة وثلاثين سنة شمسية وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما).

قصة نزول جبريل عليه السلام علي الرسول

دخل الملك جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم بمظهر رجل، ورغم أن دخول رجل على رجل ليس أمرا مفزعا أو مخيفا، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم شعر بالذعر والخوف لرؤيته، ولمعرفة سبب خوف النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآه جبريل عليه السلام وماذا حدث لرسول الله عند نزول الوحي، فقد تحدثت السيدة عائشة رضي الله عنها عن ذلك حيث قالت: “دخل الملك عليه فقال: اقرأ، بدون مقدمات أو سلام، ولم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسأله عن نفسه، وكأنه يعرفه منذ زمن بعيد، وقال له: اقرأ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ما يجب قراءته، فأجاب بأدبه الجم قائلا: `ما أنا بقارئ`.

إذاً لم يسأله النبي صلوات الله وسلامه عليه من هو وماذا يرغب؟ ولكنه بُهت حيث دخل الرجل الغريب فجأةً عليه، وفي قوله اقرأ، أجاب الرسول ما أنا بقارئ، ليفاجيء الحبيب المصطفى برد الفعل الذي أصابه بالفزع، حينما اقترب الرجل منه، ومن ثم احتضنه بقوة، وفي ذلك قال النبي الكريم: (فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي (احتضنني)، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ (أتعبني وأشتد علي)، مع العلم أن النبي  كان قوي البنية ولم يكن ضعيفًا، وهو ما يشير إلى مدى قوة ذلك الرجل، ثُمَّ أكمل الرسول حديث قائلاً، ثم أَرْسَلَنِي بمعنى تركني، ثم َقَالَ للمرة الثانية: اقْرَأْ  قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ للمرة الثالثة: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فقال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي.

وقد ورد تساؤل حول ذلك العنف وتلك الشدة في تبليغ الرسول الرسالة للمرة الأولى من نزولها على الحبيب المصطفى وهو ما يرجع إلى أن يدرك صلى الله عليه وسلم أنه يعيش حقيقةً وواقع لا يحلم، وأنما سيخبره به ذلك الرجل من كلام يتطلب منه الوعي والانتباه، وهنا قَالَ جبريل عليه السلام: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]، {العلق: 1- 5}.

مراحل نزول الوحي

جاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم على مراحل متعددة، وتمثلت تلك المراحل في النحو التالي:

صدق الرؤيا

تعد الرؤية الصادقة بداية نزول الوحي على النبي الكريم، إذ ما يراه في أحلامه يتحقق في الواقع، وقد تميز الأنبياء بأن الشيطان وخبثه وأوهام الأحلام يبتعدان عنهم، ولا يرون في النوم ما يراه الآخرون من البشر. وكل ما يراه الرسول في أحلامه هو وحي من الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر ذلك في القرآن الكريم في العديد من المواقف، مثل رؤية النبي إبراهيم عليه السلام لذبح ابنه إسماعيل، حيث قال: `إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى`.

سأل إبراهيم ابنه حول ذلك الأمر، حيث كان يدرك تماما أنه أمر واجب النفاذ، وأنه عليه الاستجابة له، وليس هو وحده، ولكن ولده إسماعيل أيضا، تماما كما استجابت هاجر أمه حينما أخذها إبراهيم إلى واد غير ذي زرع. ومن أمثلة الرؤى الصادقة، ما أخبر به الله جل وعلا حول صدق رؤية الرسول، وقد قال تعالى “لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون” (سورة الفتح: 27)، حيث تحقق وعد الله حينما نصر رسوله وفتح مكة، وذلك بالرغم من الأذى والظلم الذي وقع على المسلمين قبل ذلك الفتح.

حضور جبريل على هيأة رجل

ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وأَحْيانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فيُكَلِّمُنِي، فأعِي ما يقولُ)، مما يدل على أنّ الله جل وعلا قد أذهب عن هيئته ما هو زائدٌ بخلقته، فبات مثل البشر، وهو ما ورد في تفسير إمام الحرمين رحمة الله عليه.

كما ذكر سراج الدين البلقيني رحمة الله عليه إن هذا لا يعتبر شرطاً أو تحليلاً دقيقاً حيث قد يكون جبريل قد ضمّ أجنحته وقت أتى للرسول، ثم يرجع عقب ذلك إلى هيئته الأولى بعد أن يترك رسول الله، ولكن ابن حجر رحمه الله قد نفى ذلك، وقال أنه لم يتغير أي شيء بشكله، ولكنه ظهر للنبي بهيئة رجلٍ؛ لكي يكون مألوفاً إليه، وأنيساً له.

رؤية النبي لجبريل عليه السلام بهيئته الملائكيّة التي خُلق عليها

رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الملاك جبريل عليه السلام في هيئته التي خلقها الله تعالى، ولديه ستمائة جناح، وتكررت هذه الحالة مرتين، الأولى عندما طلب منه رسول الله أن يراه ورآه في الأفق العلوي، وذكر ابن كثير أن هذه المرة كانت في غار حراء في بداية نزول الوحي وبعثة الرسول الكريم، أما المرة الثانية فكانت في ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى في السماء السابعة.

صلصلة الجرس

وردت عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أحيانا يأتيني صوت مشابه لصوت الجرس بشدة، وهذا الصوت يؤثر علي بشدة، فيفصل عني وقد فهمت ما قيل)، والجرس هو ذلك الصوت الذي يشبه صوت الجرس وصداه القوي، وهذه الحالة هي أشد ما يتعرض له النبي من الوحي، وفي تفسير البلقيني ذكر أن سبب هذه الشدة يعود إلى أنها تمثل مقدمة لأمر عظيم سيأتي بالوحي.

: يعني بعض الناس أن العرق الذي كان يتصبب من النبي عليه السلام عند نزول الوحي كان دافعا له ليتأهب للتعامل معه، ويدلل على نزول الوحي عليه أنه كان يتعرق حتى في أيام البرد الشديد، وإذا كان على ظهر حيوانه فإنه كان يرقد بسبب شدة الوحي، وفي إحدى المرات عندما نزل الوحي عليه بهذا الشكل كان يجلس وكان فخذه المبارك موضوعا على فخذ زيد بن ثابت رضي الله عنه، وثقل على فخذه حتى أنه كاد يثنيه.

في تلك الحالة، يبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعيا أثناء تلقيه الوحي وبعده. والدليل على ذلك هو ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: `يا رسول الله، هل تشعر بالوحي؟` فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: `نعم، أسمع الأصوات الصاعدة ثم أسكت.` وكل مرة يوحى إلي فيها، أشعر أن روحي تفيض.

الإلهام

وهو ما يُلقيه الله  جل وعلا بقلب رسول الله لكي لا يظل للشكّ عنده من مكان، وقد ورد في ذلك الأمر ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفث في رُوعِي أنَّ نَفْسًا لن تموتَ حتى تستكملَ رزقَها، فاتقوا اللهَ وأَجْمِلُوا في الطلبِ).

الكلام من وراء حجاب

وقد ذكرت هذه الصورة كذلك بالقرآن الكريم حينما كلّم الله جل وعلا النبي موسى عليه السلام، إذ قال الله سبحانه: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، {القصص: 29}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى