كيفمنوعات

كيف تثير الروائح الذكريات ؟ “

ارتباط الروائح بالذكريات

ربما لاحظت أن رائحة المرابط المطاطية والعشب يمكن أن تعيد ذكرى ألعاب كرة القدم في مرحلة الطفولة بتفاصيل أكثر وضوحًا من مشاهدة فيلم منزلي لإحدى تلك الألعاب ، كلما شممت رائحة صفحات كتاب جديد ، تتذكر كل ما قرأته في وقت متأخر من الليل عندما كنت طفلاً ، ولكن ان كان لديك كرسي بذراعين يشبه إلى حد كبير كرسي القراءة الخاص بك في طفولتك ، لن يكون الجلوس فيه يستحضر تلك الذكريات بشكل فعال مثل رائحة ذلك الكتاب الجديد.

من خلال القصص المروية، لقد عاش الكثيرون منا تجارب حيث ترتبط رائحة محددة بالذاكرة، قد تكون رائحة الكلور أو البسكويت الطازج المخبوز أو هواء الشاطئ المالح، ترتبط تلك الروائح بذكريات لحظات معينة أو أماكن مميزة بصورة واضحة مع مشاعر معينة، فالروائح لها تأثير قوي على الذاكرة والعواطف أكثر من أي حواس أخرى، ويمكن أن يعزى ذلك إلى علم الأعصاب.

الدرسات العلمية لأسباب أثارة الروائح للذكريات

هناك دراسات علمية مختلفة تستخدم مجموعة من الأساليب لدعم هذه الأدلة القصصية. وكانت إحدى أولى هذه الدراسات تشير إلى أن مجموعة من خمس نساء أبدت نشاطا أكبر في أدمغتهن عندما شمت رائحة عطر مرتبط بذكرى إيجابية مقارنة برائحة عطر لم يسبق لهن شمها من قبل. كما أن نشاط الدماغ المرتبط بالعطر اللا ينسى كان أعلى من النشاط الناتج عن رؤية زجاجة العطر.

في الآونة الأخيرة ، في دراسة أخرى في عام 2013 ، وجد الباحثون مرة أخرى نشاطًا أكبر للدماغ مرتبطًا بالمنبهات الشمية مثل رائحة الوردة مقارنة بالمنبهات البصرية مثل مشهد الوردة ، كما ربطت الدراسات بين الروائح والمشاعر السلبية القوية ، وهي علاقة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في المساهمة في اضطراب ما بعد الصدمة.

من الواضح أن الغالبية منا يعتمدون على حاسة البصر أكثر من حاسة الشم يومًا بعد يوم، ولكن حاسة الشم لدينا تعمل على تنشيط ذاكرتنا وعواطفنا بشكل أفضل، وربما يكون السبب ببساطة في التخطيط المعماري لأدمغتنا.

كيفية عمل حاسة الشم لدينا وارتباطها بالذكريات

عملية تحويل الجزيئات في الهواء إلى روائح وتصنيفها وتفسيرها بواسطة دماغنا معقدة جدا، حتى تم منح جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب للباحثين ريتشارد أكسل وليندا باك عام 2004 لفك تشفير تلك العملية.

عندما نشم رائحة أو جزيئات متطايرة في الهواء، ترسل الخلايا العصبية التي تشكل المستقبلات الشمية إشارات إلى جزء من الدماغ يسمى البصلة الشمسية. وقد أظهرت الأبحاث أن حوالي 1000 جين يلعبون دورا في ترميز أنواع مختلفة من المستقبلات الشمية، وتركز كل منها على مجموعة فرعية من الروائح. ولذلك، لا يستطيع أي مستقبل شمي أن يفهم جميع الروائح الممكنة. ثم تمرير هذه الإشارات إلى مناطق دقيقة داخل البصلة الشمسية، حيث تختص مناطق دقيقة مختلفة بالروائح المختلفة، ثم يتم ترجمة هذه الإشارات إلى روائح من قبل البصلة الشمسية.

البصلة الشمية تمتد من أنفك إلى قاعدة دماغك، وهي ترتبط مباشرة باللوزة التي تعالج المشاعر، وتصل أيضا إلى الحصين الذي يرتبط بالذاكرة والإدراك. يقترح علماء الأعصاب أن هذا الارتباط الوثيق بين مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة والعاطفة وحاسة الشم قد يفسر لماذا يتعلم دماغنا ربط الروائح بذكريات عاطفية معينة.

في الطبيعي عندما ترى أو تسمع أو تلمس أو تتذوق شيئًا ما ، فإن تلك المعلومات الحسية تتجه أولاً إلى المهاد ، الذي يعمل كمحطة ترحيل في دماغك ، ثم يرسل المهاد تلك المعلومات إلى مناطق الدماغ ذات الصلة ، بما في ذلك الحُصين ، المسؤول عن الذاكرة ، واللوزة ، التي تقوم بمعالجة المشاعر.

لكن مع الروائح الأمر يختلف، فهي تتجاوز المهاد وتصل مباشرة إلى مركز الرائحة في الدماغ المعروف باسم البصلة الشمسية، والتي ترتبط مباشرة باللوزة والحصين، وهذا يفسر لماذا يمكن أن تثير رائحة شيء ما ذاكرة مفصلة أو عاطفة شديدة.

يعتقد البعض أن ارتباط الذاكرة بالرائحة يعود إلى الطريقة التي تطورنا بها. فالرائحة هي واحدة من أكثر الحواس بدائية، ولها جذورها في الطريقة التي تتفاعل بها الكائنات الحية الأحادية الخلية مع المواد الكيميائية المحيطة بها. لذلك، فهي تمتلك أطول تاريخ تطوري. قد يفسر ذلك أيضا سبب وجود ما لا يقل عن 1000 نوع مختلف من مستقبلات الشم، ولكن لدينا أربعة أنواع فقط من أجهزة استشعار الضوء وحوالي أربعة أنواع من مستقبلات اللم.

مصنع الذاكرة الأول :

اكتشف العلماء في نوفمبر 2017 شيئًا أكثر وحشية بخصوص العمليات التي تجعل الذكريات المرتبطة بالرائحة حية للغاية، وهو أن الذكريات يمكن حفظها في جزء من البصلة الشمية نفسها، والجزء المسؤول عن ذلك هو هيكل معقد يسمى قشرة الكمثري .

تمت دراسة استخدام نبضات كهربائية في محاولة لإنشاء ذكريات جديدة في أدمغة الفئران. أظهرت الأبحاث السابقة أن هذه النبضات يمكن أن تؤدي بنجاح إلى تكوين ذكريات طويلة المدى في مركز الذاكرة الرئيسي في الدماغ. أراد الفريق معرفة ما إذا كان بإمكانهم تحقيق نفس النتائج في القشرة الكمثرية المتمركزة حول الرائحة، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك في البداية.

القشرة الكمثرية مرتبطة بجميع مناطق الدماغ، بما في ذلك الهيكل العلوي المعروف بالقشرة الأمامية المدارية. تقوم هذه الهيكلة بشكل عام بإصدار الأحكام حول المدخلات الحسية، مثل عندما تفكر في نفسك `هذه السترة تجعلني مرتاحا`، `لمسها مرة أخرى` أو `الطعام الصيني الذي أكلته قبل أسبوع ينبعث منه رائحة كريهة، لا تأكله`. حاول الباحثون استخدام نبضات مماثلة لتحفيز هذه المنطقة، وتبين أنها تسببت في تغيرات في الذاكرة في القشرة الكمثرية.

يُظهر الدراسة أن القشرة الكمثرية قادرة حقًا على العمل كأرشيف للذكريات طويلة المدى، ولكنها تحتاج إلى تعليمات من القشرة الأمامية المدارية، وهي منطقة دماغية أعلى، والتي تشير إلى أن الحدث يجب أن يتم تخزينه كذاكرة طويلة المدى.

لذلك، فإن مركز الرائحة في دماغك لا يتصل فقط بمركز الذاكرة الخاص به، بل يخزن أيضًا الذكريات طويلة المدى داخل المنزل. وعلى هذا، فإن الذكريات التي تعود إليك هي أثر جانبي سعيد لطريقة عمل عقلك.

و قد تكون الكثير من هذه الذكريات التي تحركها رائحة ذكريات الطفولة لأن تلك السنوات هي التي نشعر فيها بمعظم الروائح للمرة الأولى ، لا توجد أبحاث حتى الآن تشير إلى أنه يمكننا الاستفادة من الرابط بين الروائح والذاكرة لمساعدتنا على إجراء الاختبارات أو تذكر المكان الذي وضعنا فيه مفاتيح سيارتنا كبالغين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى