تبدو قصة نجاح شركة إنستجرام وكأنها خرافة في وادي السيليكون، فقد اكتسبت هذه الشركة زخما كبيرا خلال بضعة أشهر فقط من إطلاقها، إذ استغرق مهندس البرمجيات الذي قام بتطويرها 8 أسابيع فقط ليتم إطلاقها على هواتف آبل في أكتوبر 2010م، وفي أقل من عامين اشترتها شركة فيس بوك مقابل مليار دولار، ويتضمن هذا النجاح الخرافي العديد من التقلبات والإخفاقات والصراعات وبعض الصدف.
تاريخ تأسيس انستجرام
في عام 2009م، كان كيفن سيستروم شابا خريج جامعة ستانفورد، ولم يبلغ من العمر 27 عاما، يعمل في شركة Nextstop التي تعمل في مجال توصيات السفر وقد سبق له العمل في شركة جوجل والتدريب في شركة Odeo، وهي نفس الشركة التي تطورت لاحقا لتصبح تويتر. ولم يكن يعلم سيستروم في ذلك الوقت أنه سيصبح مخترع برنامج الإنستغرام، أكبر شبكة اجتماعية لتبادل الصور في الوقت الحالي.
على الرغم من عدم حصول سيستروم على أي تعليم رسمي في علوم الكمبيوتر، إلا أنه قضى ليالي عطلات نهاية الأسبوع في تعلم البرمجة، وفي النهاية تمكن من تطوير نموذج أولي لتطبيق ويب جديد يسمى بوربون. هذا التطبيق سمح للمستخدمين بالتسجيل ونشر صورهم وخططهم مع الأصدقاء. وعلى الرغم من أن هذه التطبيقات كانت شائعة في ذلك الوقت، إلا أن ما أبرز تطبيق بوربون هو إمكانية مشاركة صور المستخدمين، إذ لم تكن هذه الميزة موجودة في أي تطبيق آخر.
تمويل مشروع انستجرام
في شهر مارس 2010م حدث تحول حاسم في تاريخ التطبيق حيث حضر سيستروم حفلة كانت تقيمها شركة ناشئة مقرها في وادي السيليكون تسمى Hunch، وفي الحفلة التقى سيستروم بمجموعة من أصحاب رؤؤس الأموال الذين كان لديهم استعداد للمغامرة، وعندما سمعوا بفكرة التطبيق قرروا عقد اجتماع خاص معه للتحدث أكثر عن التطبيق، وبعد أن عقد معهم الاجتماع الأول قرر سيستروم أن يترك وظيفته ويركز أكثر على تطبيق بوربون، وفي خلال اسبوعين استطاع أن يجمع تمويل لمشروعه يقدر ب500 ألف دولار، وكان التمويل الأول من شركتي Baseline Ventures و Andreessen Horowitz.
وهذا التمويل الأولي سمح لشركة سيستروم بالبدء وكون فريق من الأشخاص لمساعدته في مشروعه، وكان أول من انضم لفريقه هو مايك كريجر البالغ من العمر 25 عام، وكان كريجر أيضًا قد تخرج من جامعة ستانفورد وتعرف على سيستروم أثناء فترة الدراسة، وعمل في وقت سابق كمهندس، وصمم أيضًا تجربة مستخدم لمنصة تواصل اجتماعي تسمى Meebo.
بعد انضمام كريجر لشركة سيستروم أعاد الاثنان تقييم تطبيق بوربون، وقرروا أن يركزوا على شيء واحد وهو الصور التي يتم التقاطها خصيصًا على أجهزة الهواتف المحمولة، ودرسوا بعناية جميع التطبيقات الرائدة في مجال التصوير الفوتوغرافي التي كانت موجودة في ذلك الوقت، وبالنسبة لسيستروم وكريجر كان تطبيق Hipstamatic، وهو الأفضل والأهم حيث أن إمكانيته وميزاته الخاصة مثل المرشحات يمكن تطبيقها على الصور، وقرر الشريكين بناء تطبيق يجمع بين ميزات تطبيق Hipstamatic ومنصة تواصل اجتماعي تشبه فيس بوك.
لكنهم قرروا التراجع وركزوا على تحسين ميزات تطبيق بوربون والتي تشمل رفع الصور والتعليق عليها أو الإعجاب بها، وفي ذلك الوقت قاموا بتغيير اسم التطبيق من بوربون إلى انستجرام، وهذا الاسم كان يجمع بين كلمتي Instant و telegram، وبدأوا التركيز على تحسين تجربة المستخدم في مشاركة الصور وجعل التطبيق بسيطًا ويتطلب أقل عدد من الإجراءات من المستخدم، وبعد ثمانية أسابيع من العمل على تطوير التطبيق قرروا أن يعطوا التطبيق لأصدقائهم لعمل اختبار تجريبي واختبار أداء له، وبعد تقييمه وتعديل بعض الأخطاء فيه أصبح التطبيق جاهز لبدء التشغيل.
اطلاق تطبيق انستجرام لأنظمة ios
تم إطلاق تطبيق إنستغرام في السادس من أكتوبر عام 2010، وجذب التطبيق 25 ألف مستخدم في اليوم التالي لإطلاقه، وفي نهاية نفس الأسبوع تم تنزيل تطبيق إنستجرام 100 ألف مرة، وبحلول منتصف شهر ديسمبر بلغ عدد المستخدمين الذين حملوا التطبيق مليون مستخدم.
وقد لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في تاريخ انستجرام، حيث أن موعد إطلاقه كان نموذجي بشكل لا يصدق لأنه وبالصدفة في يونيو 2010 _ أي قبل إصدار انستجرام بأربعة أشهر فقط- قامت أبل بإطلاق هاتفها الجديد أيفون 4 والذي تميز بكاميرته المحسنة بشكل كبير، مما شجع المستخدمين على استخدام انستجرام للاستفادة من ميزات الكاميرا الجديدة.
بعد ارتفاع سريع في عدد مستخدمي انستجرام، أصبح المزيد من المستثمرين مهتمين بالشركة، وفي فبراير 2011، جمعت انستجرام 7 ملايين دولار إضافية، وأضافت شركة Benchmark Capital كمستثمر جديد إلى جانب المستثمرين الأصليين. وجذبت انستجرام العديد من الشركات الكبرى الأخرى في صناعة منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك شركتي تويتر وفيس بوك.
على الرغم من أن الدفعة الجديدة من التمويل التي حصلت عليها الشركة كانت قد سمحت لها بتعيين المزيد من الموظفين، إلا أن المؤسسين قرروا الاحتفاظ بحجم الشركة الصغير جدًا، وعينوا بالكاد عشرات الموظفين.
كان سيستروم يعرف جاك دورسي، المؤسس المشارك في شركة تويتر، منذما قبل أن ينضم إلى شركة Odeo، وأبدى دورسي اهتمامًا كبيرًا بشركة إنستجرام، وقدم عرضًا رسميًا للاستحواذ عليها مقابل حوالي 500 مليون دولار، لكن سيستروم رفض العرض.
فيس بوك تستحوذ على انستجرام
بحلول شهر مارس 2012، كانت قاعدة مستخدمي تطبيق انستجرام قد نمت لتضم ما يفرب من 27 مليون مستخدم، وفي أبريل 2012م تم إصدار نسخة من تطبيق انستجرام لهواتف الأندرويد، وفي أقل من يوم واحد تم تنزيله أكثر من مليون مرة، وفي ذلك الوقت كانت الشركة تستعد لتلقي تمويل جديد يقدر بقيمة 500 مليون دولار.
كان سيستروم قد تعرف على مارك زوكربيرج، مؤسس فيس بوك، خلال بعض المناسبات التي نظمتها جامعة ستانفورد، وبدأ الاثنان بالتواصل منذ بداية ارتفاع انستغرام بشكل سريع.
وفي أبريل 2012م قدمت شركة فيسبوك عرضًا رسميًا لشراء انستجرام مقابل مليار دولار يتم دفعها نقدًا وجزء من الأسهم، وكان الشرط الرئيسي لإتمام الصفقة، هو أن تظل شركة انستجرام تدار بشكل مستقل، وبالفعل وقبل أن تطرح فيس بوك للاكتتاب العام بأشهر قليلة، قامت بالاستحواذ على انستجرام مقابل مليار دولار.
طوّرت انستجرام واجهة لتطبيقها عبر متصفحات الإنترنت في نوفمبر 2012 بميزات محدودة، وفي يونيو 2014 طرحت الشركة تطبيقًا متوافقًا مع أجهزة أمازون فاير، وأخيرًا في عام 2016 قامت بإطلاق تطبيق متوافق مع أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام مايكروسوفت ويندوز والأجهزة اللوحية.
بينما ارتفع عدد مستخدمي إنستجرام بعد أن اشترتها فيسبوك، قامت الشركة بإجراء بعض التغييرات الطفيفة على التطبيق الأصلي، ولكنها حافظت على تجربة المستخدم السهلة والبسيطة وركزت على إمكانية مشاركة الصور والفيديو. كما أن إمكانية تسجيل الدخول في إنستجرام باستخدام حساب فيسبوك جذب الكثير من الأشخاص للاشتراك في البرنامج دون الحاجة إلى إنشاء حسابات جديدة. وعلى الرغم من التكلفة الكبيرة لعملية الاستحواذ، إلا أنها كانت استثمارا ناجحا لشركة فيسبوك، حيث كان تطبيق إنستجرام في عام 2018 ثاني أكثر التطبيقات تنزيلا من متجر أبل، وفي عام 2019 كان هناك مليار مستخدم يستخدمون إنستجرام كل شهر.