قصة نبي الله ايوب عليه السلام كامله
يذكر في القرآن الكريم العزيز الذي هو كتاب الله تعالى العديد من قصص الأنبياء عليهم السلام، لتكون دروسا تقوي إيماننا وتهدينا إلى الصراط المستقيم. وقد ذكر في سورة يوسف أن قصصهم تحتوي على عبرة لأولي الألباب، وأنها ليست حكايات تفترى عشوائيا، بل هي حكايات حقيقية يتم تفصيلها بالكامل وتوجيهها ورحمتها للمؤمنين. ومن بين هذه القصص الرائعة هي قصة النبي أيوب عليه السلام، التي تحتوي على عبرة رائعة يمكننا أخذها كنموذج وتطبيقها في حياتنا. وقد أظهر الله سبحانه وتعالى في هذه القصة صبر أيوب عليه السلام في مواجهة المرض والابتلاء الذي فرضه الله عليه، والذي يحمل حكمة من الله تعالى، وهو يعتبر لنا موعظة حسنة يمكننا الاقتداء بها. وفي سورة الأنبياء يذكر الله تعالى كيف أجاب على نداء أيوب عندما دعاه بأنه مصاب بالضر وأنه هو أرحم الراحمين، حيث استجاب الله لدعائه وكشف ضره وأعاد له أسرته وأحبائه ومن معهم، وذلك برحمته العظيمة وذكرى للعابدين. لذلك سنتعرف على قصة النبي أيوب عليه السلام كما فسرها كبار علماء الدين وكما وردت في القرآن الكريم .
نسب سيدنا أيوب عليه السلام :
نسب سيدنا أيوب عليه السلام يعود إلى سيدنا إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وذلك كما ورد في قوله تعالى `ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين` سورة الأنعام (84) .
القصة :
عندما كان سيدنا أيوب عليه السلام يعيش، كان يمتلك أموالاً هائلة بفضل ممتلكاته من المواشي والأنعام والعبيد والأراضي الواسعة. ووفقًا لما ورد في كتاب قصص الأنبياء لابن كثير، كانت أرض الثنية التي كانت ملكًا له تقع في بلاد الشام، وكان لديه الكثير من الأبناء والأقارب .
الابتلاء :
ومع ذلك، أراد الله سبحانه وتعالى أن يختبر صبر سيدنا أيوب عليه السلام، فأبتلاه بمرض شل جسده تماما، باستثناء قلبه ولسانه. وفقد أبناءه وخسر ثروته الكبيرة التي كانت تعود له، مما جعله رجلا ضعيفا لا يمتلك قوة أو قدرة. ولم يأت أحد يزوره من أقاربه وأصدقائه إلا زوجته، الصالحة والتقية، التي رعته وخدمته طوال فترة مرضه، وعملت في خدمة الناس مقابل مادة حتى تستطيع توفير الطعام لزوجها وخدمته. وظل نبينا عليه السلام مريضا وفقيرا لمدة ثمانية عشر عاما. وبالرغم من كل المحن التي ألمت به عليه السلام، لم يتخلى عن حمد الله وشكره، وزاد صبره بشكل كبير حتى أصبح مثالا في الصبر .
دعائه لله تعالى :
عندما تفاقمت حالته وضعفت قوته، توسل إلى ربه المتعال ودعا له، كما ذكر في سورة الأنبياء `وأيوب إذ نادىٰ ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين` وفي سورة ص `واذكر عبدنا أيوب إذ نادىٰ ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب`. صدق الله العظيم .
استجابة الله تعالى لدعائه :
عندما استغاث النبي أيوب عليه السلام بالله سبحانه وتعالى وتضرع له طالبا رحمته، أجاب الله سبحانه وتعالى عبده وأمره بالانتقال من موقعه وضرب الأرض بقدمه. ثم ظهر له ينبوع من عين، وأمره الله سبحانه وتعالى بالاستحمام بالماء النابع من تلك العين. وعندما أتم أمر الله تعالى، اختفت جميع الأمراض والأوجاع التي كان يعاني منها لسنوات عديدة. ثم أمره الله سبحانه وتعالى مرة أخرى بضرب الأرض في مكان آخر، وقام نبينا أيوب بذلك، فظهر له ينبوع آخر من عين أخرى، وأمره الله سبحانه وتعالى بشرب مياهها. فانقشعت كل الألم من جسده، وعادت صحته من الداخل والخارج. وهذا ما ورد في سورة ص، `اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب`. صدق الله العظيم .
أقاويل متضاربة في قصة سيدنا أيوب عليه السلام :
تنتشر شائعات كاذبة حول قصة سيدنا أيوب عليه السلام، يزعم أنها مأخوذة من الإسرائيليات. ومن القصص المروية فيها أن جسد سيدنا أيوب امتلأ بالديدان وتمزق لحمه عندما مرض. ومع ذلك، فإن هذه الشائعات غير صحيحة، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يحمي الأنبياء من أي أمراض قد تبعدهم عن الناس، سواء كانت أمراضا جسدية أو نفسية. والحقيقة المؤكدة أن الله سبحانه وتعالى ابتلا عبده ونبيه أيوب عليه السلام بأمراض لا تتعارض مع صفات النبوة، وصبر سيدنا أيوب عليها بصبر شديد، ليكون قدوة للمسلمين والمؤمنين. حيث يكافئ الله تعالى عباده الصابرين ويجازيهم بجزاء حسن، تماما كما جازى نبيه أيوب عليه السلام عندما رفع عنه المرض وأنعم عليه بنعمة واسعة، نتيجة لصبره. وبهذا يتجلى حكمة الله سبحانه وتعالى في ابتلاء أيوب وصبره وشفائه، فبعد الصبر لا يأتي إلا الفرج من الله تعالى .
كما وردت أيضا أقاويل متضاربة حول قوله سبحانه وتعالى ” وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ” حيث اختلف المفسرون حول من وقع عليه الضرب وما هو سبب الضرب المشار إليه في الآية الكريمة ، والصحيح كما ورد في تفسير ابن كثير بأنه في يوم من الأيام اشتد غضب سيدنا أيوب عليه السلام على زوجته في أمر كانت قد فعلته أثار غضبه ، وحلف بأنه عندما يشفى من مرضه سوف يضربها مئة جلدة ، وعندما شوفي من مرضه واستعاد عافيته لم يرد أن يجزي زوجته التي أحسنت معاملته ونذرت لخدمته طوال فترة مرضه بالضرب ، فأمره الله تعالى بأخذ ” ضغثا ” أي شمراخ يحتوي على مائة قضيب ، فيضربها به ضربة واحدة ليستوفي نذره .
( تحرير ومراجعة نادية راضي )