ادب

قصة من عجائب الضرائر للجبرتي

عرفت العلاقة بين الضرائر أنها علاقة شائكة تقوم على الشد والجذب أغلبها تذهب للكراهية والعداء الشديد إلا أن هذه القصة عن الضرائر تعد من أعجبها لأنها احتوت على مشاعر صادقة ونبيلة وقد حكاها الجبرتي عن تجربة شخصية له، ووردت هذه القصة في كتاب الف قصة وقصة من قصص الصالحين ونوادر الزاهدين لمؤلفه هاني الحاج.

من عجائب الضرائر:
قال الجبرتي: تزوج والدي الشيخ حسن الجبرتي بنت رمضان جلبي وكانت به بارة وله مطيعة، ومن جملة برها له وطاعتها أنها كانت تشتري له من السراري الحسان من مالها، وتنظمهن بالحلي والملابس وتقدمهن إليه وتعتقد حصول الأجر والثواب لها بذلك، وكان يتزوج عليها كثيرا من الحرائر ويشتري الجواري فلا تتأثر من ذلك ولا يحصل عندها ما يحصل في النساء من الغيرة.

في حادثة غريبة، عندما قام الشيخ عمر الحلبي بأداء الحج في عام 1156 هـ والتقى بالشيخ الحلبي في مكة، أوصاه الحلبي بشراء جارية بيضاء، تكون بكرا ولم تبلغ البلوغ، ووصفها بالتفصيل. وعندما عاد من الحج، طلب الحلبي جمع الجواري ليختار من بينهن الجارية المطلوبة، وظل يبحث حتى حقق هدفه واشتراها. ثم قدمها لزوجته المذكورة ليرسلها مع الشخص الذي أوصاه بإرسالها. صحبتها، وعندما حان وقت السفر، أخبرها بذلك. فقالت: إنني أحببت هذه الجارية بشدة، ولا أستطيع الابتعاد عنها، وليس لدي أطفال، وجعلتها مثل ابنتي. وبكت الجارية أيضا وقالت: لا أرغب في ترك سيدتي، ولا أود المغادرة أبدا. فسألها: وماذا يمكن أن نفعل؟ فأجابت: أنا سأدفع ثمنها من جيبي، ويمكنك شراء جارية أخرى. وهكذا فعل.

ثم إنها أعتقتها، وعقدت لزوجها عليها، وجهزتها وفرشت لها مكانًا على حدى وبنى بها والدي في سنة 1165 هـ، وكانت لا تقدر على فراقها ساعة مع كونها صار ضرتها، وولدت له أولادًا فلما كان في سنة ۱۹۸۲، مرضت الجارية، فمرضت لمرضها وثقل عليها المرض، فقامت الجارية في ضحوة النهار، فنظرت إلى مولاتها وكانت في حالة الإغماء، فبكت وقالت: إلهي إن كنت قدرت موت سيدتي، اجعل يومي قبل يومها.

بعدما رقدت، توفيت تلك الليلة، ووضعوها بجانبها، وفي الليل استيقظت سيدتها ووجدتها تحمل يدها، وكانت تقول “زليخا! زليخا!” فقالوا لها إنها نائمة، وأجابت “يقول قلبي إنها توفيت، ورأيت في حلمي دليل على ذلك”، فقالوا لها “لك حياة طويلة بعد ذلك”، فقامت وهي تقول “لا حياة لي بعدها.

وبدأت تبكي وتنتحب حتى طلع النهار، وقاموا بغسلها بين يديهم وجنّوا جنازتها، وعادت إلى فراشها وماتت في آخر النهار، وتم تشييع جنازتها في اليوم التالي. وكان ذلك من أعجب ما شاهدته ووعيته، وكنت في ذلك الوقت عمري أربعة عشر عامًا.

عبدالرحمن الجبرتي:
عبد الرحمن بن حسن برهان الدين الجبرتي [1753 – 1825] هو مؤرخ مصري ولد وتوفي في القاهرة، وهو صاحب مؤلفة شهيرة بعنوان “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” والمعروفة باسم “تاريخ الجبرتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى