قصة مقولة يا سلام سلم الحائط بيتكلم
قصة مقولة يا سلام سلم الحائط بيتكلم وردت عن قصة حقيقة حدثت في القرن الثامن الهجري في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، حينما سمع رجل يعرف بابن الفيشي أحد جدران منزله يتحدث إليه وشاع الخبر بين الناس فظهرت هذه المقولة، وقد وردت هذه القصة في كتاب ألف قصة وقصة من قصص الصالحين ونوادر الزاهدين.
الجدار يتكلم:
في شهر رجب من سنة ۷۸۱ ه، اتفقت حادثة مستغربة: رجل يدعى ابن الفيشي دخل منزله القريب من الجامع الأزهر ، وسمع صوتا ينبعث من جدار منزله يقول له: `اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف` ، فظن أن هذا صوت من الجان ، حيث لم يروا شيئا وأخبر أصدقاءه بهذا الأمر ، وذهبوا معه إلى منزله ، وسمعوا الكلام الصادر من الجدار ، وسألوه عن ما رأوه ، وأجابهم الشخص الذي يتحدث بدون أن يروا شيئا ، وانتشرت الشائعات بين الناس بأن هذا صوت من الجان ، وانتشرت في القاهرة ومصر بأسرها. وقد ازداد الناس القادمون من كل اتجاه لمنزل ابن الفيشي لسماع كلام الجدار ، وبدأوا يتحدثون إلى الجدار والجدار يجيبهم ، وانتشرت بين الناس عبارة: `يا سلام سلم ، الجدار يتكلم`.
يا سلام سلم الحائط بيتكلم:
كاد الناس أن يفتتنوا بهذه الحادثة وجلبوا إلى ذلك الجدار من المال شيئًا كثيرا، حتى وصل الخبر إلى المحتسب، فركب محتسب القاهرة محمود العجمي إلى بيت ابن الفيشي هذا ليختبر ما يقال: ووكل بابن الفيشي أحد أعوانه، ووقف عند الحائط وحدثه فحادثه، فأمر بهدم الحائط فلما هدم لم ير شيئًا فعاد إلى بيته وقد كثر تعجبه. وازدادت فتنة الناس بالحائط، وبعث المحتسب من يكشف له الخبر: هل انقطع الكلام بعد تخریب الحائط؟ فوجده الرجل يتكلم كما كان قبل خرابه، فتحير من ذلك.
محمود العجمي يسأل والجدار يرد:
وكان هذا المحتسب شهما جريئا، قد مارس الأمور وحلب الدهر أشطره، وكان لا يتحرك حركة إلا حمد عليها، ولا باشر جهة وقف إلا عمر خرابه، وإذا باشر حسابة القاهرة رخصت الأسعار فإذا عزل ارتفعت، فتقف العامة وتطلب إعادته ليمن إقباله، فلما عاد قاصده إليه، وأخبره بأن الكلام مستمر.
سارع بالوقوف ورافقه عدد من أصدقائه وجلسوا بجانب الجدار، ثم قاموا بقراءة بعض آيات القرآن. ثم طلب صاحب المنزل وقال له: قل لهذا المتحدث، القاضي العجمي يحييك. فأجابه: يا سيدي، الشيخ القاضي يحييك. فقال الجدار: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. فقال المتحدث: قل له: حتى متى ستظل هذه الفوضى؟ فأجابه: حتى يشاء الله تعالى. فقال: قل له: ما تفعله هو اضطراب للناس وليس جيدا. فأجابه: لا يوجد شيء آخر بعد هذا، ثم سكت، وهم يخاطبونه قائلين: يا سيدي الشيخ، ولكنه لم يرد عليهم بعد ذلك.
كان صوته غليظًا وليس مثل صوت الإنسان، ولما فشل الشيخ العجمي في التحدث معه، قام وتركه، وازدادت فتنة الناس حول الحائط، وكادوا يجعلونه إلهًا لهم، وانتشر الغلو فيه كما يفعلون دائمًا، وادعوا له ما يريدون من ترهات، وحمله الأمراء والأعيان الطعام وغيره، وكان المحتسب يعمل على كشف الخدعة.
اكتشاف الحيلة:
ركب المحتسب يومًا إلى دار ابن الفيشي وقبض عليه وعلى امرأته، وعاد بهما إلى داره، وما زال يستدرجهما حتى اعترفت المرأة بأنها هي التي كانت تتكلم، وأن الذي دعاها إلى ذلك أن زوجها كان يسيء عشرتها، فاحتالت عليه بهذه الحيلة لتوهمه بأن الجان توصیه بها، فتمت حيلتها عليه وانفعل لها فأعلمته بما كان منها، فرأى زوجها أن تستمر على ذلك لينالا به جاهًا ومالًا، فوافقته.
بعد أن أخبره المحتسب بما قالته المرأة، ركب الأمير الكبير الخيل وضرب ابن الفيشي بالمقارع، وضرب المرأة بالعصي أكثر من ستمائة ضربة، ثم أمر بإيداعهما السجن ومرا على جملين، ثم شهرهما بالقاهرة في يوم شنيع، حيث بكى الناس على المرأة ودعوا على المحتسب.