قصة ماشطة بنت فرعون
على الرغم من أن التاريخ لم يحفظ اسم هذه السيدة العظيمة إلا أن قصتها لازالت ضمن الصفحات الأولى في التاريخ فقد سطرتها بإيمانها الشديد وعدم تخليها عنه على الرغم من العذاب والألم الذي تحملته والتضحية التي قدمتها فقال عنها رسول الله صل الله عليه وسلم : “لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة، قل : ما هذه الرائحة ؟، فقيل لي : هذه ماشطة بنت فرعون وأولادها”.
قصة ماشطة بنت فرعون :
كان القصر الملكي في عهد فرعون يعج بالخدم، الذين يكنون الولاء والمحبة للملك والإيمان بربوبيته فهو ربهم الذي لا يعرفون غيره، إلا هذه السيدة وزوجها التي أنار الله قلبها بالإيمان وعلمت أن فرعون هو سيدها وليس ربها، ولكنها قد أخفت ذلك خوفاً على أولادها وجعلت إيمانها بداخلها لا يعلم به أحد، فلو علم الفرعون أو احد خدمه بأمرهم لفتكوا بهم في لحظتها، فقد قتل زوجها سابقًا حين علم بإيمانه فمن يثبت عدم إيمانه بفرعون يعذب ويقتل في حينها.
بداية القصة :
كانت هذه المرأة تعتني ببنات الفرعون من خلال تمشيط وتنظيف شعورهن ورعايتهن بشكل كامل، وفي يوم ما، أثناء تمشيط شعر ابنة الفرعون كما كانت تفعل دائما، سقط المشط من يدها وقالت: `بسم الله`، فردت ابنة الفرعون قائلة: `الله أبي!`، فأجابت المرأة العاملة: `بلى، إنه ربي وربك ورب أبيك`، وفي هذا الوقت صدمت الفتاة وشعرت بالدهشة حول وجود إله آخر يعبد بجانب أبيها، وعاجلت بإخبار أبيها بما سمعته.
معرفة فرعون بأمر الماشطة :
استمع الفرعون لكلام ابنته وما ان انتهت حتى استدعى الماشطة، ولما حضرت بين يديه سألها : من ربك ؟، قالت : ربي وربك الله، فأمرها الفرعون بالرجوع عن دينها فأبت، انتفض فرعون لجرأة المرأة التي تقف بين يديه ولا تهابه ولا تخشى سلطانه، فأمر الخدم أن تحبس وأن لا تأكل شيئًا حتى تعود فلم تعود، فأمرهم بضربها فلم تنتهي، جن جنون الفرعون وامر خدمه بإحضار قدر كبير جدًا، ووضع الزيت به وتركه حتى يغلي تماماً.
تضحية كبيرة :
بعد أن تيقن فرعون من الزيت قد على أصر على تلقين هذه المرأة درسًا قاسية علها ترجع عما هي فيه، وعلم أن أشد ما يوجعها هو أطفالها الخمسة الذين تجرعوا اليتم في عمر الزهور، فأحضرها أمام القدر، فعلمت أن النفس واحدة مهما زاد الألم، فأحضر أطفالها الخمسة وما ان حضروا أمامها حتى ظلت تشمهم وتقبلهم وتحتضنهم، وأخذت صغيرهم وألقمته ثدييها فهي ما زالت ترضعه.
طلبت منهم أن يبدؤوا بالابن الأكبر لها، فجعلت الطفل يتوسل الجنود وينادي على أمه لكي تنقذه، وحاول التحرر منهم، وكان الجميع يودعه بعيون تملأها الدموع، وظل ينادي إخوته حتى قوته تنفد، حيث ذاب لحمه وطفت عظامه الضعيفة، لم يكن لدى الفرعون أي رحمة تجاه المرأة، فأمر بالثاني والثالث وفعل بهم مثل ما فعل بأخيهم، حتى جاء الرابع الذي ظل يتشبث بملابس أمه وظل الجنود يجره، حتى سقط على الأرض وظلوا يجرونه، حتى وضعوه في القدر وكان المشهد مؤلما على المرأة التي ظلت تبكي وتودع أبنائها واحدا تلو الآخر.
معجزة للثبات على الحق :
عندما حان دور الخامس وكان الرضيع لا يزال يرضع ثدييها، تمت سحبه من بين يديها من قبل الجنود، وظلت تبكي وتصرخ فراقهم، وحدثت هنا المعجزة حيث أنطق الله الرضيع قائلا لها: `يا أماه، اصبري فإنك على الحق`، وألقى الجنود به في القدر مع إخوته، وهنا لم يبق سوى هي، فأخذت الجنود وقبل أن يفعلوا بها ما فعلوه بأولادها، طلبت من فرعون أن يجمع عظامها مع عظام أولادها في قبر واحد، ثم ألقوها في القد.